قراءة فى رواية ( الغابة ) تأليف : دكتور أيمن بكر

0

قراءة فى رواية ( الغابة )
تأليف : دكتور أيمن بكر
………………………..
مما دفعنى لقراءة رواية ” الغابة ” تأليف الدكتور ( أيمن بكر ) ، هو فضول تركز فى سؤال اعتبرته جوهريا ، وليس عابرا : كيف يكتب أكاديمى وناقد عملا روائيا؟ لا أقصد المهارة أو عدمها إطلاقا ، بل كيف يفكر ، ويستعمل اللغة ، وكيف يصيغ أفكاره ، وأيضا حجم قدرته على الإمساك بعالم روائى متسع المساحة ، متعدد الشخصيات ، كل ذلك وغيره الكثير كان الدافع ، لعله فضول طبيعى نما ، ونمت معه دوافعى ، على طول حبى للقراءة ، ومن بعدها جاءت الكتابة التى هى مركز الفضول النبيل ، يعود دائما الفصل الأول المعنون بـ ” بعد حين ” إلى الذاكرة لتمنحه حضورا مميزا ، ذلك أنه منح نقسه بأجوائه إليها ، ولم يبرح ، هل لأن الكتابة ماهرة؟ أم أن الفصل عبأ بشتى المشاعر المتناقضة – على صغره ، وكل الفصول تشابهه فى الصغر – فى مواجهة عشرين عاما من الإقامة فى الغربة ، أضافت وراكمت فيها الأصدقاء والمعارف ، والتجارب ، الكتابة هنا كأن سكينا تقطع ، كل العلاقات بإرادة باترة ، ويبقى أثرها يتعب الروح ، ولا فكاك من هذا الأثر ، مع أن المكتوب كتب دون جرعات مليودرامية ، أو شطحات فلاشية تمعن فى حضور مناسبات أو شخصيات تعطى شحنا معنويا لحدة هذه المغادرة ، وإغلاق بيت الغربة ، ألا يمكن أن تكون العودة غربة أخرى؟!
الكاتب – النافد يتمتع بلماحية تجعله لا ينزلق إلى المليودرامية بسهولة ، فقد لعب دوره بتقنية أخرى ألا وهى تلك الأغنيات ، أو مقاطع الشعر التى تنهى فصلا ليبدأ فصل ، ومع أنها – المقاطع الغنائية أو الشعرية – بعد حين تكون عبئا ، فالقارىء سوف يكتشف تقنية الكاتب ، وهى التكرارية ، فربما يتجاوزها لأنه يريد الأحداث ، والصراع والدراما ، وهذا هو المتوقع والمأمول من الرواية / هكذا نظن ، وما أنا إلا قارىء محب للقراءة ، اقرأ إذن .. هل أقرأ رواية عائلة؟ تبدأ بتوفيق المصرى، الذى سنكتشف أنه الجد الأعلى ، العاشق لأم كلثوم والحاضر لحفلاتها ، وهذا ربما يفسر ما حاولت أن أقول بتكراره فى المتن ، أليس متن الغناء هو التكرار بعينه؟ وأم كلثوم هى خير شاهد ‘ التكرار هو السلطنة ، والمتن الروائى يفصح عن ماهيته فى السلطنة ، لأنها سوف تتوارث ، انظر لعلاقة توفيق الراوى بسامية السويسى ، إنها تشبه أغنيات هذا الزمن البعيد من العقود الأولى من القرن العشرين ، وإذا ركزنا فهى تشبه بعض أغانى أم كلثوم التى يملأها السهاد ، وعذابات الهجر ، هل أريد أن أقول أن رواية ” الغابة ” تشبه أن تكون تأريخا موازيا لواقع الأغانى التى شكلت وجدان الأمة المصرية؟ ربما لا نبالغ ، إلا أن نهاية العلاقة لم نخبرها فى أية أغنية من أغانى الست أو من المغنين الآخرين إطلاقا ، ربما كان التحول فى العلاقة فوق الأغانى !!
بين توفيق الجد وتوفيق الحفيد سنين وعوالم مختلفة متغيرة ، إلا أن المغنى الكلثومى كأنه يتتبع مصير كليهما ، أو قل إن تفسير أحداث حياة كل منهما يمكن لأغانى أم كلثوم أن تحكى تفاصيل هذه الأحداث ، خاصة ما هو متعلق بالقلب وتصاريفه ، إن العودة من الغربة – الهند وأمريكا خاصة – كأنه الجرح الذى لا يندمل فى مواجهة حقيقة مؤلمة تتركز فى : كيف نترك علاقات وصداقات كوناها عبر أيام وسنين ، لنبدأ علاقات جديدة فى واقع جديد؟
إن الغابة ليست ذلك المكان الذى يوصف بأشجاره الكثيفة بل هو شبكة العلاقات التى تتكون فى حياة الفرد تبدأ من علاقة الأبوين ، ثم الأقارب ، وبعدها الأصدقاء والمعارف ، وأصدقاء الأصدقاء .. إلخ ..
رواية الغابة للدكتور أيمن بكر تحتفى بالحياة داخل هذه الغابة ، صحيح أنها تقيم عالمها من خلال أغانى أم كلثوم ، منذ بدايتها إلى هذا المشهد الأخير مع دوزنة العود وأغنية ( غنى لى شوى شوى ، غنى لى وخد عينى ) إلا أن مصائر شخصياتها من خلال أحداث تاريخية ، وطابع جو الثلاثينات وما بعدها ، قفزا حتى الحاضر ، يتماش مع ما ذهبنا إليه سابقا من خلال تلك ” التوليفة ” الروائية التى حافظت على شكل الرواية التقليدى ، دون مغامرات شكلية حادة ..

Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights