سعد عبد الرحمن يتذكر فى مصر المحروسة . نت : أسيوط – البحر الأحمر- اسماعلية " رايح جاى "!!
في مارس عام 1982 وصلتنا في ثقافة أسيوط التي كان يديرها آنذاك عمدة الثقافة في صعيد مصر و أول رئيس فيما بعد لإقليم وسط و جنوب الصعيد الثقافي ( المنيا و أسيوط و سوهاج و الوادي الجديد و الاقصر و البحر الأحمر و أسوان ) أطال الله بقاءه و عطاءه دعوتان الأولى من مديرية ثقافة الإسماعيلية و الثانية من مديرية ثقافة البحر الأحمر و مضمون الدعوتين المشاركة في الأنشطة الثقافية و الأدبية التي تنظمها محافظتا البحر الأحمر و الإسماعيلية احتفالا بعيد استعادة سيناء .
كان مدير ثقافة الإسماعيلية آنذاك الفنان عبد الرحمن نور الدين ( أول رئيس لإقليم القناة و سيناء الثقافي فيما بعد و رئيس إقليم القاهرة الكبرى و رئيس تحرير مجلة قطر الندى ) أطال الله بقاءه و عطاءه و كان مدير ثقافة البحر الأحمر الأستاذ صابر بخيت رحمة الله عليه ، و قد تشكل وفد شعراء أسيوط – بعد اعتذار الشاعر درويش الأسيوطي عن عدم تمكنه من السفر لأسباب وظيفية – من السادة : عبد المجيد فرغلي و شوقي أبو ناجي و إسماعيل كيلاني و أحمد محمد إبراهيم رحمة الله عليهم جميعا ، و قد استلمت قبل السفر من العم أبو بكر شعيب صراف الثقافة آنذاك مبلغ 100جنيه للصرف على تكاليف الرحلة بوصفي الإخصائي الثقافي (الموظف) المصاحب للوفد ، و قد سافرنا من أسيوط إلى قنا في سيارة بيجو و أقمنا ليلة في فندق شديد التواضع بالمدينة التي كانت حينها من أكثر عواصم المحافظات قبحا و بؤسا إن لم تكن الأكثر على الإطلاق ، و في صباح اليوم التالي ركبنا الأوتوبيس العام الذي يعمل مابين قنا و سفاجا ، و كان الطريق غاية في السوء فقد كان ضيقا و رديء السفلتة في أجزاء كثيرة منه و كان على الأوتوبيس في أحد مناطق الطريق أن يصعد بصعوبة بالغة تبة وعرة عالية لينزل بعدها في منزل شديد الانحدار إلى بقية الطريق و لم نمكث في سفاجا بعد وصولنا إليها إلا قليلا ( ساعة أو بعض ساعة ) فسرعان ما استقللنا سيارة بيجو إلى مدينة الغردقة ، و حين وصلنا إلى الغردقة في 20 إبريل 1982 وجدناها مدينة بسيطة جدا بالرغم من أن مشاريع الاستثمار السياحي كانت قد بدأت العمل فيها على استحياء فكل بيوتها تقريبا كانت عبارة عن دور واحد يعلو سطح البيت صهريج لتخزين الماء تزوده سيارة البلدية كل أسبوع تقريبا بالماء ، كانت قد أنشئت حين زرناها أولى القرى السياحية في المنطقة بل ربما في مصر كلها هي قرية “مجاويش” التي كانت تقع حينها جنوب المدينة بأحد عشر كيلومتر تقريبا و لم يكن بداخل المدينة سوى فندق شاطئي واحد هو “الجيفتون” و لم يكن للثقافة مقر مستقل بل كانت ثقافة الغردقة عبارة عن غرفتين داخل مركز شباب الغردقة و كان مكتب مدير الثقافة في مبنى المحافظة ، و كان للمحافظة خمسة شاليهات متوسطة المستوى على الشاطئ كانت إقامتنا فيها إبان فترة الزيارة .
أقمنا ثلاثة أيام بالمدينة ذات الكثافة السكانية القليلة لدرجة أنك لو رأيت أكثر من خمسة أفراد في الشارع لظننت أنها مظاهرة أو جنازة بدون نعش ، و شاركنا في أمسية شعرية على الأقل مع شعرائها و احتفى بنا أدباؤها كثيرا أذكر منهم الأستاذين جلال الأبنودي و رمضان الخطيب رحمة الله عليهما ، و غادرنا في نهاية الأيام الثلاثة إلى الإسماعيلية التي كان مبنى مديرية الثقافة فيها قديما متهالكا لكن إقامتنا و ضيافتنا كانت – إن لم تخني الذاكرة – في ناد يسمى “النادي الاجتماعي” و شاركنا كما في الغردقة مع شعراء الإسماعيلية في أمسية شعرية على الأقل و احتفى بنا أدباؤها حفاوة بالغة أذكر من هؤلاء الأدباء الأستاذ سناء الحمد بدوي الذي كان رحمة الله عليه دينامو الحركة الأدبية في المحافظة و رئيس تحرير جريدة القناة و المهندس الروائي محمد عبد الله عيسى أطال الله بقاءه و عطاءه و قد أصر على أن نزوره بمنزله ( كان يقيم بفيلا تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها ) و قد التقط لنا بكاميراه عدة صور أرسلها إلي بعد عودتنا إلى أسيوط طي رسالة خطية ، و كان الوحيد من أدباء الإسماعيلية الذي حرص على استمرار التواصل معنا في أسيوط كما حرص أيضا على أن يرسل إلي نسخة من كل رواية جديدة يصدرها و لدي في مكتبتي حتى الآن بعض تلك الروايات مثل ( الخروج و الطاحونة و العطارين و حدث يوم الزينة ) التي لم تجد من الحفاوة النقدية ما يتناسب مع قيمتها الفنية فعين النقد في مصر حولاء و النقاد لا يهتمون نقديا إلا بالعصابات (الشلل) التي تربطهم بهم علاقات شتى متشابكة ، و النقاد في مصر إلا من رحم ربي لا يتناولون في كتاباتهم النقدية إلا ما يصلهم دون جهد من الأعمال التي صدرت حديثا لكن أن يسعوا هم بأنفسهم إلى اكتشاف الأعمال الأدبية الجديرة بالنقد بغض النظر عن كونها صدرت حديثا أو صدرت من شهور أو سنوات فهذا ما لا جلد لهم عليه ، و قد أصدرت له حين كنت رئيسا لهيئة قصور الثقافة كتابا عن قناة السويس بمناسبة مرور 145 على افتتاحها بعنوان “قراءة في مشهد الافتتاح و دموع أوجيني ” .
عدنا إلى القاهرة عقب ثلاثة أيام قضيناها بالإسماعيلية ، و لأني كنت قد قررت البقاء عدة أيام في القاهرة قبل العودة إلى أسيوط فقد سلمت لكل شاعر من الوفد يدا بيد أجرة ركوبه القطار المكيف الملقب بالمجري من القاهرة إلى أسيوط بالدرجة الثانية و قد تبقى بعد كل ذلك من المائة جنيه مبلغ عشرة جنيهات تقريبا .