يسرى السيد يكتب : الاستاذ محفوظ الأنصارى

استنشقت رائحة "السيجار" الكوبى لأول مرة  منه وأنا جالس بجواره أو أمامه ...كنت استمتع  بمتابعته وهو يزيل البلاستيك الشفاف عنه  ثم يشعله بعود كبريت من علبة تصبح مثل العلب القادمة من الأساطير بعد أن يلمسها بيده ...

0
  لحظة  تمرد

الاستاذ  محفوظ الأنصارى !!

بقلم يسرى السيد

لا أعرف لماذا ينتابنى الحنين إليهم وإلى زمن جمعنى بهم ؟ بعضهم رحلوا وبعضهم مازالوا بيننا ،  لكنه الزمن المحبوس داخلنا ببعض تفاصيله يزورنا ونزوره،  بمبرر أحيانا أو بدون مبرر .. ويبدو أن الحنين للماضى بأحداثه وشخوصه هو العلاج السحرى لواقع نرفض الانخراط فى بعض فصوله أحيانا  …حكايات وأشخاص فى بلاط صاحبة الجلالة وخارجها .. لا أعرف لماذا تزورونى الأحداث بأبطالها أحيانا وفى أحاين  أخرى أزورها رغما عنى احتماء بهم أو لجوء عاطفى إليهم أو استشارة لهم ، حتى لو لم يكن لسانهم ينبض بالحياة فى هذا المقال وجدتنى مع الأستاذ محفوظ الأنصارىأعيد ما كتبته عنه من قبل لمروره الان بأزمه صحيه اتمنى من الله ان يخرج منها سالما  فضلت أن أبحر إليه بعيدا عن التليفون أو اللقاء فى مكتبه الذى لايبتعد عنى كثيرا لكنها غربة وسط القاهرة اسافر اليه الآن و لنحو36عاما هو سفير بدرجة كاتب أو كاتب بدرجة سفير …  استنشقت رائحة “السيجار” الكوبى لأول مرة  منه وأنا جالس بجواره أو أمامهكنت استمتع  بمتابعته وهو يزيل البلاستيك الشفاف عنه  ثم يشعله بعود كبريت من علبة تصبح مثل العلب القادمة من الأساطير بعد أن يلمسها بيده كنت انظر باستهزاء وسخرية ممن حاولوا تقليده .. لكن  للسيجار فى يده منظرا لايقترب منه إلا “السيجار ” فى يد الأستاذ محمد حسنين هيكل  كنت انظر إلى كتابات الأستاذ محفوظ  مع كاتبنا الكبير مكرم محمد أحمد باعتبارها كتابة تجمل وجه نظام مبارك .. لماذا ؟ لإنها كتابة تدعو المختلفين مع نظام مبارك إلى احترامها رغم الاختلاف مع بعضها  بعكس الكتابات التى  تشم رائحتها من ورق الجريدة من بعد من كثرة البذاءات إلى تمتلأ بها ومع ذلك اذكر للأستاذ محفوظ الأنصارى الكثير من كتاباته المنتقدة ضد توجهات نظام مبارك وهو رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية .. اذكر مثلا أنه كتب عدة مقالات ضد بيع القطاع العام فى عز جبروت الخصخصة كنت استمتع  ومازلت بتحليلاته السياسية الراقية والعميقة عن القضايا العربية والدولية وفى مقدمتها القضية الفلسطينيىه  … أسلوبه ينفرد به ويتميز .. وقلما تجد من يجمع بين الرؤية والعمق والمعلومات والأسلوب السهل الممتنع لكن الذى يحز فى نفسى أن البعض منا  من أبناء الجمهورية من الأجيال التى تسبقنى حين يؤرخون لفترات ازدهار الجمهورية يتناسون عن قصد وعمد أو استسهالا بترديد مقولات قد تبدو فى ظاهرها صحيحة الى حد ما  لكن مضمونها قد اختلف معها مثلا الكل أو الغالبية تذكر أن الأستاذ محسن محمد هو الذى ارتفع بمعدل  توزيع الجمهورية إلى نحو المليون نسخة فى العدد الأسبوعى ونحو 750 ألف إلى 800 ألف للعدد اليومى ورغم اختلافى اليقينى فى ذلك يبقى السؤال الذى أطرحه وأدعو كل الأساتذة الزملاء لمناقشته بموضوعية .. هل هذه حقيقة لا تحتمل الجدل واللبس أم العكس هو الصحيح ؟  واعتقد أن الإجابة واضحة وضوح الشمس إذا عدنا إلى أرقام التوزيع فى هذه الفترة ..  والأرقام لا تكذب إذا ما اقترنت بتاريخ الإصدار المصاحب للأستاذين محسن محمد ومحفوظ الأنصارى لكن المهم أيضا  أن نسأل : هل كانت زيادة التوزيع فى عهد الأستاذ محسن محمد إذا صحت مرتبطة  بزيادة التأثير؟ اعتقد أن معدل التوزيع إذا كان قد بدأ فى الصعود بفضل توجهات محسن محمد الشعبوية فإن التأثير قد أصبح كبيرا  وعميقا فى الساحة الصحفية والسياسية فى عهد محفوظ الأنصارى بعد أن منحها العمق والسخونة والحيوية والسؤال لماذا تتطرق الذاكرة إلى هذه القضية بعيدا عن الأشخاص ؟  لا أعرف .. قد يكون لإعادة حق لصاحبه  وهو فى ظروف صحيه غير جيده .. وقد يكون  للحقيقه ودرسا و تجربة صالحة للتكرار فى  جرائد ومؤسسات بل ودول .. لأن مصر كبلد  مثل الجمهورية  كجريدةوأى هيئة أو مؤسسة مثل الجمهورية  تملك مقومات ضعفها مثلما تملك مقومات قوتها واختلاف الزمن قد ينعكس فى شكل هذه المقومات أوقوتها ،  فالذى كان مصدر قوة من قبل قد تتضاءل قوته الآن والعكس صحيح . ..والفيصل هنا هو الخيال ، فالذى يفرق ويميز قائد عن آخر قدرته على الخيال  أولا ثم القدرة على ترجمة الحلم والخيال إلى أدوات على أرض الواقع …. مثلا اعتقد أن القدرة على الحلم والخيال هى التى ميزت محمد على عن سابقيه حين رأى فى مصر ما لم يره من قبله وكذلك فعل الزعيم جمال عبد الناصر حين انتقل بمصر لمرتبة مختلفة و بشكل غير مسبوق منذ عصر محمد على ..وحتى الرئيس السادات  الذى  كنت أذوب عشقا فيه اختلفت معه وأنا مازلت طالبا بالإعدادية وهربت  كسوفا من مواجهة مدرس اللغة العربية  ” الناصرى ” حين قام السادات بزيارة القدس  ومن يومها انشرخت صورته داخلى .
الكاتب الصحفى يسرى السيد
. و بعيدا عن المواقف السياسية  كان السادات صاحب خيال حين رأى مالا يمكن أن نراه أو نتصوره بدء من قرار العبور حتى اتفاقية كامب ديفيد مرورا بإحياء الحياة الحزبية التى ماتت فى عهد عبد الناصر وكانت من أكبر المآخذ على عصره ! أعود للأستاذ محفوظ الأنصارى واتذكر بعض المواقف التى جعلتنى أقف مشدوها ومعجبا به فى آن واحد .. كنا فى منتصف الثمانينات وكان رؤساء التحرير فى الصحف القومية آنذاك أنصاف آلهة ، لايقترب منهم أحد إلا بقدر والبعض منهم كان لا يراه  الصحفيون إلا فى المناسبات أو على شرائط الفيديو آنذاك !!…وكان البعض الآخر يدعو بعض الصحفىين ربهم بألا يقعوا فى طريقهم أبدا حتى لا يواجهوا ما لايحمد عقباه  …  لكن الأستاذ محفوظ كان شيئا مختلفا ..!! أذكر أننى كنت أصغر من انضم لأسرة العدد الإسبوعى عام 1987 ووجدته يدعوننى ذات  يوم لحضور حوار العدد الإسبوعى  للجمهورية الذى يستضيف كل نجوم الفكر والسياسة والعلم والصناعة ..الخ  ..كنت أجلس على طرف مائدة الحوار المزدحمة بأسماء وقامات مثل الأساتذة محمد أبو الحديد وجلال السيد وبدوى محمود وحسن عامر وسعد هجرس وسامى الرزاز وبهى الدين حسن ومحمود نافع وجمال كمال وسمية عبد الرازق وسمية أحمد وزينات إبراهيم ..الخ كنت أصغر الموجودين وبطبيعة الحال كنت أتلقى  بعض “اللكمات الصديقة “أو الاكتاف القانونية ” لازاحتى مثلما يحدث مع أى وافد جديد ، لكنه كان يحنو هو والأستاذ محمد أبو الحديد  على شخصى الضعيف ويواجهان عنى هذه النيران الصديقة         كان الأستاذ محفوظ يضعنى فى  قلب المشهد حين يسمح لى بطرح أسئلتى  أو بكتابة اسمى بنفس البنط الذى يكتب به كل المشاركين وهو فى مقدمتهم  رغم أننى لم يتم تعيينى بعد أو حتى تدريبى بشكل كامل ..  أذكر مرة أننا كنا فى مكتب د. حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم الأسبق وسألت سؤالا نمطيا من عينة : ماهى استراتيجية وزارة التعليم فى العشر سنوات القادمة ؟  وهو سؤال يجعل أى وزير يتلقفه ليتحدث عشرات الساعات خاصة إذا كانت شخصية مثل هذا الوزير”المفوه ” … وهنا تتدخل الأستاذ محفوظ بسرعة وحنو ليقول يعنى الأستاذ يسرى يقصد كذا وكذا ، ورغم تكرار مثل هذه الأسئلة أو حتى السطحية  منها ،  منى أو من أى مشارك  على  ترابيزة  الحوار ، كان يتدخل بحرفية  الأستاذ ولباقة المعلم  ودبلوماسية السفراء  ليعدل من دفة الحوار أو الأسئلة دون أن يجرح أو ينتقد صاحب السؤال .. اذكر له مقولة شهيرة حين كان يبدى أحد الحاضرون رأيه  فى أى قضية  أثناء الحوار يقول باسما :   : بعد اللقاء يمكن أن نعقد ندوة نتحدث فيها وسوف نترك لك الفرصة كاملة لإبداء وجهة نظرك … فنضحك جميعا !! فوجئت به فى أحد اللقاءات المهمة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب وكان نجمها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ..وجدته مثلما تعودت أن أراه … مثل أى صحفى مبتدىء يحمل  فى يده رزمة من ورق الدشت ( ورق الجرائد ) وظل يكتب كل حرف وراء الأستاذ هيكل والأسئلة والإجابات حتى انتهى اللقاء وحين لمحنى ابتسم قائلا : أنت بتعمل إيه هنا ؟ ….قلت  بسذاجة : بعمل تغطية ؟… ابتسم قائلا : وغطيت !!….ضحكت مشيرا لرزمة الورق قائلا: طبعا غطيت …قال : رايح فين ؟ ….قلت:  للجرنان …قال:  طب ياله بينا !!… ركبت معه وهو يقود السيارة بنفسه ، وكان كعادته بأمر سائقه بالانصراف اذا شعر انه سيتاخر فى اى لقاء او مهمة صحفية ولا يريد ان ينتظر السائق أكثر من اللازم …. لم أشعر بالطريق  من مدينة نصر إلى مبنى الجمهورية القديم بوسط القاهرة بسبب تنوع حكاياته وآراءه …. دخلنا المكتب طلب لنا كوبين من الشاى  و فاجأنى بقوله : ورينى كتبت إيه ؟ …اطلعته على ماكتبت .. ثم قال :اكتب …وظل يملى علي الكلمات والجمل بسلاسة كأنه يرى شريط الندوة أمامه حتى انتهينا من كتابه اللقاء …. ثم قال:  ماذا عندك أيضا ؟ ….قلت : “معى ندوة للدكتور أسامة البازومصطفى الفقى  وكذا وكذا …..قال:  بينا نكتب … اقرأ  فقرة فقرة ويعيد هو الصياغة ثم يرجع الى ماكتبه  حتى إذا ما انتهينا من كتابة4 لقاءات… بدأ فى وضع العناوين وأنا اتعلم منه .. وبعدما أنتهى  كتب بيده :” تابع اللقاءات يسرى السيد ” ولم يضع اسمه !!….. وحين قلت له :  نسيت اسمك ياريس ؟ أبتسم قائلا بحنيه الاب والمعلم : هو انا عملت حاجه !! فعل ذلك فى وقت كان بعض رؤساء التحرير يضعون أسمائهم ببنط يقترب من المانشيت واسم من قام بالشغل بحق وحقيقى  بنط 9 يعنى أصغر من بنط الكتابة العادية فى الجريدة …!!    كان مكتبه مفتوحا على مصراعيه  طوال الوقت وللدرجة أنه إذا رآك بالصدفة وأنت تسلم على مدير مكتبه يناديك بحنوالأخ الأكبر  ويسألك عن أخبارك…أذكر أن منظره المعتاد لنا أن تجده يتأبط جرائده والجاكت على يده الأخرى ويرفض أن يحملها  عنه “ساعى” ،   وينزل ليقود سيارته بنفسه  بعد السماح لسائقه بالمغادرة  فى وقت كانت تنصب فيها المواكب والحراسات لبعض رؤساء التحرير  … مهنيا كان  أستاذا يخطط ويناقش بديمقراطية لم أعهدها فى غيره مع أعضاء العدد الإسبوعى للأعداد القادمة و حديثه ومازال  يرن فى أذنى …ممتعا ، عميقا ،  يأخذك  بسلاسة من السياسة إلى الفن والأدب ومن التاريخ إلى الجغرافيا ومن أبطال التاريخ إلى أبطال الواقع ، عشق الترحال  جعله صالحا لكتابة أدب الرحلات لو أراد سواء للمدن والأماكن أو للنفوس والشخصيات الشهيرة  ، واعتقد أن وجوده لفترة فى باريس وانتقاله إلى بعض العواصم العربية والعالمية جعلته يطوى العالم فى عقله و قلبه… يتحدث بحب عن مدن عشقها مثل باريس وعن أشخاص أحبهم مثل عبد الناصر ونهرو وتيتو  …. كلما حننت إليه حدثته بالتليفون  كى استرق السمع لصوته وبعد عدة جمل متبادلة أسمع ما انتظره منه  …دعوة على الشاى لاسستنشاق بعض دخان سيجار يختلسه  الآن بعيدا عن “الرقابة “!! بعد أن شعر بمعاناة قلبه مما رآه منا .. أجرى ملبيا الدعوة  فورا لمكتبه  فى مقر اتحاد الصحفيين الأفارقة كى استمع إليه واتعلم وأذوب عشقا فى أشخاص أراهم  من نبت مصر الحقيقين !! yousrielsaid@yahoo.com      
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights