فتحي خطاب يكتب:الشيخ زايد ..رجل تحدى العالم من أجل مصر

0
هذه السطور أكتبها بحق التاريخ وحده.. فإذا كان الواقع كما هو الآن في الإقليم العربي نعرفه جميعا، ولسنا في حاجه إلى تكراره، ولا إلى إعادة تذكير بحقائق ساحة ممتدة طولا وعرضا، فيها من يعرف كيف يتوضأ بالدم ، ولكن ليس فيها من يعرف كيف يصلي صلاة الجماعة، على حد تصوير شاعر فارسي قديم .. فإن الساحة العربية لم تخل أيضا من رموز ورجال، كانت مسالك الطرق أمامهم واضحة، وهم يدركون عناصر القوة في هذه الأمة.. وبهذه الرؤية تحدى «الشيخ زايد» العالم من أجل مصر.. وفيما أظن من أجل مصر وحدها ، حين كشفت أمريكا عن وجهها الحقيقي «القبيح» في معركة ،1973 وألقت بكل ثقلها ( عسكريا وسياسيا واقتصاديا ) وراء دولة الاحتلال «إسرائيل»، وسابقت الثواني والدقائق لترسل معداتها العسكرية والجوية إلى ساحة المعركة مباشرة ( سيناء المصرية) لتراهن على قدرة إسرائيل على كسر الإرادة المصرية والعربية، بل وهزيمة هذه الإرادة مهما كان الثمن الذي تتحمله واشنطن !! في هذا الوقت، وأثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، التقى أربعة وزراء خارجية (السعودية والكويت والجزائر والمغرب)، مع الرئيس الأمريكى، ريتشارد نيكسون، وكانت المقابلة بطلب من وزراء الخارجية العرب الموجودين فى نيويورك، واستقر الرأى على أن يمثلهم هؤلاء الأربعة، وأن يكون «وفد الوزراء تفوح منه رائحة البترول دون أن يكون بترولًا كله»، أي مجرد تلميح عربي، أو مجرد الإشارة العابرة لسلاح البترول العربي!! كان وزير الخارجية الأمريكي، « هنري كيسنجر» يعقد اجتماعه مع مجموعة العمل الخاصة، ويترقب فى نفس الوقت نتائج اجتماع وزراء البترول العرب، في الكويت ( 17 أكتوبر 1973)، وكان متأكدا لأسباب يعرفها جيدا، أن العرب لن يستخدموا سلاح البترول ضد أمريكا، وقال بالحرف الواحد: «لابد أن نمشى فى هذا الشوط إلى آخره، حتى يصرخ أحد الأطراف ويخرج من المعركة».. قاصدا بالطبع سيل الدعم العسكري اللامحدود لإسرائيل !! ولكن المشهد تغير تماما، مع تلك الواقعة التي كان «بطلها» الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ولكن الرواية نسبت لغيره من ملوك الخليج ـ بسبب حركة دعاية الإعلام مدفوع الأجر ـ ولم يكن هذا صحيحا بالطبع، ولكن الحقيقة أن الشيخ زايد هو أول من استخدم سلاح النفط في مواجهة تدفق السلاح عبر الجسر الجوي الأمريكي إلى «إسرائيل»، وفي محاولة من جانبه لتغيير سير المعركة، ما أثر في الموقف الدولي لمصلحة العرب، حيث أوفد الشيخ زايد، وزير البترول والثروة المعدنية الإماراتي، مانع سعيد العتيبة، إلى مؤتمر وزراء البترول العرب، في الكويت 15 ـ 17 أكتوبر 1973 لبحث استخدام البترول في المعركة. وبينما كان الوزراء العرب قد أصدروا قرارهم بخفض الإنتاج بنسبة 5% كل شهر، حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو / حزيران 1967، وقررت ست دول عربية رفع سعر بترولها بنسبة 70%، وقتئذ قال الشيخ زايد إن «البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي» ـ هو صاحب هذه المقولة وليس أحد غيره ــ، وأصدر أوامره لوزير البترول « مانع العتيبة» بأن يعلن في الاجتماع الوزاري باسمه فورا : «قطع البترول نهائيا عن الدول التي تساند إسرائيل».. ولم يكتف الشيخ زايد بقرار الوزراء العرب تخفيض الانتاج 5 % شهريا، أو استغلال مناخ الحرب والجبهات المشتعلة 1973 لرفع سعر البرميل بنسبة 70 % .. ولكنه اتخذ قرار( قطع النفط) معبرا عن نبض الرأي العام العربي، ما شكل ضغطا كاملا على القرار الدولي بالنسبة للمعركة. وقد سؤل الشيخ زايد في هذا الوقت من أحد الصحافيين الأجانب : «ألا تخاف على عرشك من الدول الكبرى؟!».. فقال: «إن أكثر شيء يخاف عليه الإنسان هو روحه، وأنا لا أخاف على حياتي، وسأضحي بكل شيء في سبيل القضية العربية..أنني رجل مؤمن، والمؤمن لا يخاف إلا الله». وبأمانة مطلقة .. كان الشيخ زايد، أول زعماء العرب الذين وجهوا بضرورة الوقوف إلى جانب مصر في معركتها المصيرية ضد إسرائيل، مؤكداً أن «المعركة هي معركة الوجود العربي كله ومعركة أجيال كثيرة قادمة علينا أن نورثها العزة والكرامة».. ومع الساعات الأولى لبدء حرب 1973 أمدّ «الشيخ زايد» مصر بعدد كبير من غرف إجراء العمليات الجراحية المتنقلة، التي أمر بشراء كل المعروض منها في جميع أنحاء أوروبا وإرسالها مع مواد طبية وعدد من عربات الإسعاف بصورة عاجلة إلى مصر، دون أي مقابل.. وفرضت دولة الإمارات العربية، على موظفيها التبرع بمرتب شهر كامل لصالح دعم مصر.  في ذلك التوقيت، ومع بداية العبور المصري ونسف خط بارليف.. كان الشيخ زايد في زيارة للعاصمة البريطانية لندن، وعقد بها مؤتمرا صحفيا قبل عودته إلى أبوظبي، أكد فيه دعم بلاده لمصر، ووقوفه إلى جانبها بكل وضوح وحسم.. رجل تحدى العالم من أجل مصر .. وأضاف الشيخ زايد: سنقف مع المقاتلين في مصر وسوريا بكل ما نملك، ليس المال أغلى من الدم العربي، وليس النفط أغلى من الدماء العربية التي اختلطت على أرض جبهة القتال في مصر وسوريا. كان الرجل أول حاكم عربي يعلن تبرع بلاده بمبلغ 100 مليون جنيه إسترليني لصالح المعارك، في ثالث أيام المعركة.. ولم يكن المبلغ كله متوفرا؛ فجمع الشيخ زايد رحمه الله رجال البنوك والمال في لندن واقترض منهم المبلغ بضمان البترول، وبعث به لدعم الأشقاء، وعندما سئل عن قيمة هذا الدعم قال : «إن الثروة لا معنى لها بدون حرية أو كرامة.. وأن على الأمة العربية وهي تواجه منعطفا خطيرا أن تختار بين البقاء والفناء، بين أن تكون أو لا تكون.. بين أن تنكس أعلامها إلى الأبد أو أن تعيش أبية عزيزة مرفوعة أعلامها مرددة أناشيدها منتصرة». لم تكن حرب 1973 هي الشاهد الوحيد على دعم الشيخ زايد لمصر.. ولكنه سبق أن قدم الدعم الاقتصادي لمصر عقب نكسة 1967 حتى تم استئناف الجهود المصرية في إعادة بناء الجيش،وترتيب أوراقها من جديد.. ثم تبنى الرجل إعادة إعمار مدن القناة بعد حرب 1973 . وهي شواهد ومواقف متوقعة من الشیخ زاید آل نھیان، الذي أوصى أبنائه «خیرا بمصر » ودائما ما كان یؤكد أن «نھضة مصر ھي نھضة لجمیع العرب، وأن نھضة مصر ھي مسئولیة جمیع البلدان العربیة» .. بينما غيره أوصى أبنائه خيرا بالولايات المتحدة الأمريكية « التي أخرجت لنا الخير من تحت الأرض ومن فوقها »!! وهؤلاء لم يتعلموا، لا في الماضي، ولا في الحاضر، أنه ليست هناك عهودا  للدولة الكبرى (أمريكا)، سوف تتنكر لأي عهد عند أول منحنى على الطريق إذا دعتها مصالحها، وقد يكون التنكر للعهود فجا جلفا، فليس لديهم وقت لأي تزويق يغطي المستضعفين !! في «مئوية» الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ( 6 مايو/ آيار 1918).. تستعيد الذاكرة العربية مواقف رجال في لحظات خطرة من تاريخ الأمة.. وكيف أصبح الفراغ، فيما بعد، أكثر خطورة في الزمن الراهن، حيث لم يعد العرب مثل الرجل المريض، ولكن رجل فقد عقله وتوازنه، وسلك مسالك خطرة .. ولا يزال العمل العربي بدون خريطة واضحة للمستقبل.. بينما نجد في الأعلى (أوروبا) تتغير.. وأفريقيا أسفلنا تتحرك.. وتحركات واسعة وكبيرة في آسيا .. وما زلنا نحن نقف ونأخذ الأمور على هوانا، في وضع تباطؤ ؟!؟!
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights