هايل المذابي يكتب قراءة في عنوان مسرحية "ليلك ضحى" ل غنام غنام
إذا كان العنوان هو العتبة الأولى للولوج إلى النص فإن أسماء الشخوص في أي عمل فني له صعوبة لا تقل عن صعوبة اختيار عنوان لذلك العمل الفني.
ولعل مسرحية “ليلك ضحى” للفنان المسرحي العربي “غنام غنام” تقول الكثير فالليلك اسم مبتدأ وخبره ضحى ليكتمل بذلك أول دلالة في العنوان وهي كما توضح كاف المخاطب في ليلك أن الحب قد يجعل الظلمات نورا وسلاما ويعبر عن ذلك ب “ضحى” ثم دلالة أخرى وهي أن ضحى اسم وليلك وردة من أنواع الورود الجميلة وهذه الليلكة تخص ضحى وتأتي تفاصيل هذه الدلالة في المسرحية بالإضافة إلى الدلالة السابقة…. وهناك دلالات أخرى في هذا الاشتقاق ولعل ما يدهشني أن الفنان غنام غنام استطاع ببراعة حقيقية أن يجمع بين أنواع الاشتقاقات كلها التي وردت في كتاب سوزان برناد “قراءة في قصيدة النثر” ضمن ما ميزه ريفاتير من أنماط وتقنيات الاشتقاق المزدوج ولعله استلهمها من فكر العالم العربي ابن جني التي جاءت في كتاب الخصائص وأفرد لها أبوابا في الكتاب في سياق حديثه عن نظريات نشأة اللغة ومنها “إمساس الألفاظ أشباه المعاني” و “تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني” وغيرها ولدى ريفاتير ثلاثة أنواع من الاشتقاقات استطاع غنام غنام بعين ثاقبة وبصيرة الفنان النافذة وخبرة وخلاصة التجارب الطويلة التي تفصح عن اختمار فني وثقافي حقيقي وتلك الاشتقاقات هي:
1-اشتقاق صريح، ولكنه يُرد ضمنياً إلى اشتقاق آخر، يُثير مراجع صورية، ومعانٍ ضمنية توحيها الكلمة، لا وجود لها في النص، بتعبير أدق” عنوان النص يشير إلى غير ما يحتويه النص” ولعل هذا الاشتقاق الصريح حاضر في “ليلك ضحى بوضوح.
2-يمكن وضع اشتقاقين معاً في النص ولكنهما متنافران دلالياً إلى حدٍ ما ومثال ذلك نص “سطوع القمر” لكلوديل الذي عالج موضوعاً هو القمر مع أخبار خاصة بالشمس تماما كما في العنوان “ليلك ضحى”.
3-اشتقاقان حاضران في النص-في الوقت ذاته-يتناقضان على الصعيد الأسلوبي وهو ما تشير إليه الدلالة الموجودة في “ليلك ضحى”.
إن ما أود قوله منذ البداية الأولى لقراءتي السريعة هذه هو أن غنام يؤكد أكثر مما جاء في المسرحية و أكثر مما تناولته وطرحته من أفكار ورؤى تعالج قضايا العصر على الهوية والخصوصية العربية والبلاغة التي تمتلكها اللغة العربية والتي تفوق في قدرتها على خلق الدلالات اللامتناهية أي قدرة تمتلكها لغة أخرى وفي هذا اعتزاز واضح يتجاوز الأفكار المطروحة كما أسلفت بالهوية العربية ولا أعرف حقا كيف سيمكن ترجمة هذه الرؤية وهذه البلاغة التي لا تمتلك أي لغة أخرى سقفا كافيا لاستيعابها وهي التي صنعت بلا سقف.