حسام إبراهيم يكتب كيف تهدد ميانمار العالم ؟!!

0
اذ تتواصل  مآساة الأقلية المسلمة في ميانمار والمعروفة “بالروهينجا”  لم تعد هذه المآساة مجرد محنة تعاني منها فئة من البشر بقدر ماباتت تهدد السلام والاستقرار في دول الجوار بمنطقة جنوب اسيا بل وفي منطقتنا المعروفة بمنطقة الشرق الأوسط ..كيف ؟!. باجابة مباشرة وواضحة فان “النموذج الاقصائي” الذي تتبناه السلطات في ميانمار ضد طائفة الروهينجا مرشح للانتقال لدول منطقة جنوب اسيا التي يتجاوز عدد سكانها الميار ونصف المليار نسمة وكذلك يمكن ان يشجع النزعة المتصاعدة في إسرائيل لاعلانها “دولة يهودية” أي لامكان فيها لغير اليهود بكل مايعنيه ذلك للفلسطينيين الذين يعيشون داخل الكيان العبري والمعروفين “بعرب 48”. وهكذا تصدر كتب تحذر بشدة من خطورة المشهد الراهن في ميانامار وانعكاساته على الاستقرار العالمي جراء إمكانية انتقاله لدول منطقة جنوب اسيا وبلدان أخرى تعاني من الافتقار “لثقافة التنوع والتسامح  بينما تزدهر فيها الأصوات التي تنتصر لثقافة الكراهية وافكار الاقصاء ورفض الآخر” . وعبر ثقافات متعددة يتفق مثقفون من اصحاب الضمائر والرؤى المستقبلية على خطورة “ثقافة الكراهية والخطاب التحريضي” مقابل غياب “ثقافة التسامح وقبول الآخر” فيما تحول اكثر من مليون انسان فى ميانمار لأمثولة المستضعفين فى الآرضفيما تتوالى الأنباء والتقارير الاخبارية مؤكدة “تفاقم الأوضاع المآساوية للروهينجا” في ميانمار جراء الموجة الجديدة من اعمال العنف التي اندلعت في شهر اغسطس الماضي واستمرار ممارسات التطهير العرقي “والأرض المحروقة” واخلاء القرى وهدم المنازل ويحذر العديد من المثقفين من امكانية امتداد “هذا النموذج الاقصائي والرافض للاختلاف والآخر لبلدان اخرى في منطقة جنوب اسيا”   . ومن الكتب الجديدة التي صدرت حول اوضاع الروهينجا ذلك الكتاب المهم الذي صدر بالانجليزية  بعنوان :” الروهينجا :داخل الابادة الجماعية في ميانمار” وهو بقلم عظيم ابراهيم مع مقدمة للبروفيسور محمد يونس الذي حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2006 وصاحب الدراسات الاقتصادية البالغة العمق سواء بالنسبة لبلاده بنجلاديش او عالم الجنوب ككل. واذ يتناول عظيم ابراهيم اوضاع الروهينجا كطائفة مسلمة في ميانمار وتتركز في شمال ولاية راخين الواقعة غرب هذه الدولة فانه يلاحظ ان “انتقال ميانمار نحو ماوصف بالديمقراطية ادى خلافا لكل التصورات المنطقية لمزيد من تهميش ومعاناة هذه الطائفة المعذبة”.    وعظيم ابراهيم الذي يعمل ككبير للباحثين بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب الأمريكية يحذر في كتابه من ان “جماعة سكانية بأكملها تتعرض الآن للتطهير العرقي” وهي حالة خطيرة لاستهداف الأقليات يمكن تكرارها في دول اخرى خاصة في الجوار بمنطقة جنوب اسيا التي تضم الهند وباكستان وسريلانكا وبنجلاديش بكل مايعنيه ذلك من تفاقم للمظلوميات التاريخية وتوليد رغبات الانتقام واستشراء العنف . وضمن امثلة متعددة يضرب عظيم ابراهيم مثلا بالعلاقات المتوترة تاريخيا بين الأغلبية السنهالية والأقلية التاميلية في سريلانكا وامكانية استلهام نموذج التطهير العرقي ضد الروهينجا في ميانمار وتطبيقه في هذا البلد بما ينطوي عليه ذلك من تهديد جسيم للاستقرار الاقليمي في منطقة جنوب اسيا التي تشهد أيضا تصاعدا للنزعة الهندوسية المتطرفة في مواجهة المسلمين بالهند واحتقانات بين الأغلبية السنية والأقلية الشيعية في باكستان ناهيك عن أفغانستان وأفكار طالبان الاقصائية !! . اما ميليسا كروش الأستاذة بكلية القانون في جامعة “نيو ساوث ويلز” الاسترالية بسيدني فأصدرت كتاب “الاسلام والدولة في ميانمار:العلاقات الاسلامية-البوذية وسياسات الانتماء” لتركز على خطورة الأفكار الاقصائية التي تفضي لاشكاليات قانونية ومعضلات سياسية وموجات من العنف والعنف المضاد وصولا لمذابح تستهدف جماعات بأكملها. ومحنة الروهينجا في ميانمار وهي محور الكتاب الجديد لميليسا كروش تشكل “فصلا ينضح بالشر ضمن تاريخ طويل للأفكار الاقصائية في جنوب اسيا” ومن ثم فلابد من الخروج بدروس مفيدة من التاريخ حتى لاتتكاثر المحن وتولد المزيد من المآسي التي تهدد السلام والاستقرار في العالم .   وهناك  المزيد من الطروحات المعمقة  حول الأوضاع في ميانمار مثل الطرح للمفكر الهندي كوكول كيسافان وتحدث فيه عن المشهد الراهن للروهينجا الذين حرصت السلطات في ميانمار على تجاهل الاشارة لهم في اخر تعداد رسمي للسكان عام 2014 حتى تتجنب اي اعتراف بهم كفئة لها هويتها المميزة مع انهم دخلوا ضمن احصاءات رسمية  للسكان من قبل بما في ذلك التعداد الذي اجري في عام 1961 وكأن هذه الدولة الواقعة في جنوب اسيا “تتقدم للخلف” .

غرباء ولايحق لهم التمتع بحقوق المواطنة

وفي ظل هذا التوجه الذي يصفه كوكول كيسافان “بالتقدم للخلف” غاب اي تمثيل للمسلمين في برلمان ميانمار الذي افرزته انتخابات في عام 2015 وهي ظاهرة تحدث لأول مرة منذ الاستقلال عام 1948 بينما يرفض ابناء الروهينجا تصنيفهم من جانب السلطات “كبنجاليين مسلمين” لأن ذلك الاعتراف يعني التسليم بأنهم “غرباء ولايحق لهم التمتع بحقوق المواطنة “. ولم يدرج حزب “الرابطة الوطنية من اجل الديمقراطية” الذي يدعي الليبرالية بقيادة اونج سان سو كي اي مرشح مسلم على قوائم مرشحيه للبرلمان في تلك الانتخابات وهو مايفسره كوكول كيسافان “بخشية هذا الحزب من اثارة غضب المتطرفين البوذيين الذين يمكن لهم تأليب الناخبين من الأغلبية البوذية في ميانمار ضد الحزب”. ولك ان تلاحظ مايحدث في إسرائيل وأفكار النقاء العرقي وطرد كل العرب خارج الدولة العبرية التي ينبغي ان تكون معبرة عن الهوية اليهودية كما يقول أصحاب الأفكار التوراتية في اليمين الإسرائيلي ناهيك عن تهويد القدس بالكامل وان تنظر لما يقوله  المفكر الهندي كوكول كيسافان الذي ولد في التاسع من ابريل عام 1957 وهو مؤرخ وقاص وصاحب دراسات سياسية واجتماعية مهمة يرى ان الممارسات ضد الروهينجا في ميانمار تدخل في باب ممارسات “الأغلبيات القاتلة” التي ترفض اي اختلافات ثقافية او عرقية توميء “للآخر” مؤكدا ان هناك مسلمين عاشوا في راخين منذ الف عام فيما لايقل ابناء هذه الطائفة في ميانمار عن المليون قبيل عمليات الطرد الجماعي. ويشير كيسافان الى ان الكثير من المنتمين لطائفة الروهينجا في ميانمار تعرضوا للتهجير القسري او اضطروا للفرار من بلادهم جراء ممارسات للتطهير العرقي استخدمتها السلطات ضدهم في اعوام 1978 ومطلع تسعينيات القرن العشرين وكذلك في عام 2012  فيما افضت الموجة الأخيرة التي بدأت في صيف العام الماضي لتهجير قسري لأكثر من نصف مليون من ابناء هذه الطائفة لبنجلاديش ومن ثم فالعدد الحقيقي للروهينجا في ميانمار كان اكبر بكثير من رقم المليون. والممارسات ضد الروهينجا في نظر كوكول كيسافان تشكل نموذجا “للتمييز العنيف والمظلومية التاريخية” وتعبر عن خطورة التشبث بأكذوبة النقاء العرقي حيث يتصور بعض المتشددين البوذيين ان وجود من لاينتمون لعقيدتهم في بلادهم يهددها كدولة بوذية وهو تصور افضى في الواقع لتجريد الروهينجا المسلمين من حقوقهم في التصويت الانتخابي فضلا عن حرمانهم من الخدمات الصحية والتعليمية ليكونوا “امثولة للتهميش الكامل في كل المجالات” وبالتالي منح مبررات لأصوات داخل الروهينجا تنادي بالاحتكام للسلاح والرد بالنار . ومن ثم فما حدث ويحدث في ميانمار وخاصة في خضم موجة الاستهداف الأخيرة للروهينجا التي بدأت في شهر اغسطس الماضي واستمرت بعمليات التطهير العرقي الواسعة النطاق ليصل عدد المبعدين منهم عن بلادهم الى 600 الف شخص يعبر عن “انتصار ثقافة الاقصاء وسياسات التطرف ورفض التنوع” ومن هنا يحذر المفكر الهندي كوكول كيسافان من خطورة السماح بانتصار هذه الثقافة القابلة للتصدير لبلدان اخرى في جنوب اسياخاصة وان “التربة ممهدة في تلك المنطقة لنمو هذه الثقافة الرافضة للآخر والتي لاتقبل اي اختلاف عن التيار الرئيس في المجتمع”.  

 اضواء كاشفة

وفي هذا السياق  سلط الكاتب والناقد الثقافي جافين جاكوبسون اضواء كاشفة على جذور الموجة الجديدة للعنف والكراهية في ميانمار مشيرا الى ان مآساة الروهينجا باتت تجذب اهتمام بعض المثقفين والفنانين وصانعي السينما في الغرب الذين التقاهم ضمن جهده الثقافي للوصول لجذور مآساة الروهينجا . واوضح جافين جاكوبسون ان “ما سوي يين” يعد اكبر الأديرة للرهبان والنساك البوذيين في منطقة مندالاي التي تضم مدينة بالاسم ذاته هي ثاني اكبر مدينة في ميانمار بعد يانجون وكانت اخر عاصمة لمملكة بورما في الماضي. وعبر جولة في هذا الدير الواقع بالشطر الغربي لماندالاي والذي يضم نحو 2500 راهب بوذي لاحظ جافين جاكوبسون مظاهر الكراهية ضد الاسلام كدين ومحاولة الصاق الجرائم التي ترتكبها عناصر ارهابية ومتطرفة بهذا الدين دون محاولة لايضاح البون الشاسع بين تلك العناصر الارهابية وبين الاسلام . وضمن هذه الأجواء التحريضية والمشحونة بالكراهية في دير يضم الكثير من النشء والشباب الذي انخرط في سلك الرهبنة البوذية  تحدث الكاتب والناقد الثقافي جافين جاكوبسون عن مشاهد ومشاهدات تتضمن بعض الصور المعلقة على الجدران الداخلية لدير “ما سوي يين” لجرائم دموية ارتكبتها عناصر ارهابية تتمسح بالاسلام مع احالات واشارات عن اعمال عنف مزعوم من جانب مسلمي الروهينجا ضد الأغلبية البوذية في ميانمار. ومضى البريطاني جاكوبسون في مشاهداته وملاحظاته الدالة ليشير الى الراهب البوذي اشين ويراثو الذي يقود من هذا الدير او المعبد البوذي  حملة الكراهية ضد مسلمي ميانمار الذين يشكلون حسب قوله نحو 4 في المائة من مجموع سكان هذه الدولة الأسيوية. ووفقا لهذا الكاتب والناقد الثقافي الغربي فان اشين ويراثو بممارساته التحريضية وتبنيه لخطاب الكراهية ضد الروهينجا يعد مسؤولا عن الموجة الأخيرة من اعمال العنف والتي وصفها بأنها من اسوأ موجات العنف العرقي في التاريخ الحديث لميانمار فيما تصفه صحف ومجلات غربية شهيرة مثل “التايم” بأنه “وجه الارهاب البوذي” . واعاد جاكوبسون للأذهان ان اشين ويراثو صاحب الخطاب التحريضي والمشحون بالكراهية ضد الروهينجا كان قد سجن من قبل لمدة تسع سنوات حتى اطلق سراحه ضمن عفو عام في سنة 2012 ليعود بقوة لحملاته التحريضية ضد الروهينجا الذين يرى “انهم لامكان لهم في ميانمار” فيما ينشط داخل حركة تتبنى هذه الأفكار المفعمة بالكراهية وتعرف “بحركة 969”. وعبر لقاءات متعددة مع مثقفين في الغرب معنيين بالأوضاع المآساوية لمسلمي الروهينجا ترددت مقولة ان هذه الأقلية في ميانمار “تتعرض لعملية ابادة جماعية ببطء” فيما يكشف جهده الثقافي المتعمق عن محاولة اصيلة “لاضاءة جانب قاتم في السلوك الانساني”. انها صيحة حق لمثقفين تبدد ظلمات الصمت في طريق ينزف جراحا!..اصوات لثقافة التنوع والتسامح في مواجهة ثقافة الكراهية والاقصاء..فليس من المقبول ان يتحول البشر لأشلاء في فضاء الرعب او “يتقدم العالم للخلف” !!.    
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights