هالة فهمي تكتب : حلمي سلام… القلم الحر.. وتاريخ ثورة !!

0
شرفت بمعرفة الدكتورة أمال حلمي سلام في ندوة أقيمت لتكريم ذكرى الراحل العظيم “محفوظ عبد الرحمن” في معرض الكتاب لعام 2018 ومنحتني هديتها الرائعة وهو كتاب ( عبد الناصر .. وثورة يوليو في ميزان التاريخ )بقلم والدها الراحل أستاذنا حلمي سلام .. بعد أن قامت بجمعه وتقديمه وشاءت ظروفي أن أمتنع عن القراءة لعدة أشهر لظرف صحي وعندما بدأت في القراءة وجدتني أمام حكائة ماهرة وأمينة ومخلصة لتاريخ والدها الذي هو جزء أصيل من تاريخ مصر.. تملك الموهبة في سرد ما كتبه والدها في قدرة فائقة فهي تنقل في أمانة وتتدخل بذكاء لتحرك الأحداث وتشوقك كقارئ لسيرة والدها لكنك في الحقيقة تنهل من التأريخ لحقبة زمنية هى من أهم الحقب التاريخية التي مرت بمصر .. بل نستطيع القول بأن تلك المرحلة هى من صنعت تاريخ مصر الحديث بعد ثورة 23 يوليو . والدكتورة أمال حلمي سلام هى الأبنة الكبرى للكاتب الصحفي الراحل حلمي سلام والتي تخرجت في كلية العلوم جامعة القاهرة عام 1969 بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى ثم حصلت الماجستير من جامعة القاهرة فالدكتوارة من جامعة فريدريك شيلر بألمانيا .. وهى كاتبة مقال في العدد الأسبوعي لجريدة الوفد ثم جريدة الدستور..وقد حرصت د. أمال حلمي سلام على أن تقدم هذا الكتاب في ذكرى مئوية ميلاد جمال عبد الناصر .. لسببين الأول هو الوفاء بوعد قطعته على نفسها أن تكتب ذات يوم عن والدها الراحل وفاء وعرفانا والثاني هو تجديد مقالات والدها في الدفاع عن عبد الناصر وثورة يوليو.. تنطوي صفحات الكتاب على أربعة فصول من كتاب ( أنا .. وثوار يوليو ) الصادر عام 1986 بقلم حلمي سلام .. بالإضافة لما يقرب من خمسين مقال كتبها والدها الراحل حين تصدى لتلك الحملات الشرسة والظالمة التي تعرضت لها ثورة يوليو وعبد الناصر مطالبا القارئ بالإنصاف فلا يضع عبد الناصر في مصاف الملائكة ولا أيضا في مصاف الشياطين .. بل يحاسبه كونه الإنسان الذي يصيب ويخطئ .. مع الاحتفاظ لقامته بحقها بوصفه شخصية تاريخية قادت ثورة من أعظم الثورات في عصرها .. والتي يقول حلمي سلام عنها “أن ثورة يوليو لهى واحدة من أعظم ثورات العصر إذا قسناها بحجم التغيرات الجذرية التي أحدثتها في كيان المجتمع المصري الذي قامت منه أو بحجم التغيرات الذرية أيضا التي أحدثتها في كيان المجتمعين العربي والأفريقي ” لذلك يستحيل طمس أو اخفاء معالمها .. وأن الحكم على عبد الناصر وثورته لكي يكون منصفا عادلا لابد أن يقوم على أساس تقيم موضوعي ودقيق وأمين لحقبة من عمر مصر بل ومن عمر الأمة العربية كلها . وفي مقدمة الكتاب والتي تتحدث فيه الأبنة الوفية الممتنة للوالد بما تركه لهم من اسم يزيدهم شرفا ..وقد ثمنت على ذكاء الأبنة في تلك المقدمة التي لم تستطرد فيها حكايا عن والدها بل آثرت أن تعطي للقارئ لمحات ومفاتيح تشي بتلك الشخصية العظيمة فمثلا تسوق لنا وصيته التي يرفض فيها مراسم العزاء التي من المتوقع أن تتم لشخصية عامة بحجم مفكر وكاتب كبير فكان كل ما يطلبه شريط كاسيت بصوت الشيخ محمد رفعت وآخر بصوت الشيخ راغب مصطفى غلوش وكاسيت صغير وعزاء على رأس القبر وفقط.. ربما سيرى البعض أن هذا عاديا بينما أراه أنا مفتاحا لشخصية حلمي سلام البسيطة المتواضعة الرافضة لكل مالا يفيد رغم مناصبه التي تولاها والتي كان أخرها رئيس مجلس إدارة دار التحرير بل هو من أبرز الصحفيين الذين مهدوا لثورة يوليو بكتاباتهم وإن كان هناك ضباطا أحرارا فهناك الكُتاب الأحرار الذين تصدوا للفساد في عهد الملك والجيش في تلك الحقبة ولم ينشرحلمي سلام مقلاته دون وثائق ولا مستندات بل كانت تسرب له عن طريق من أعدوا للثورة ورتبوا لها من قلب الجيش والقصر فهو أحد من شاء قدرهم أن تولد الثورة على يديه.. حلمي سلام الرافض للمظاهر هوالحاصل على جائزة فاروق الأولى عامي 49 – 50 رغم ما كان يكتبه وقتها عن الفساد الملكي ثم حصل على وسام الأستحقاق من الدرجة الأولى عام 62 كما حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 92 بالإضافة لما يقرب من خمسة عشر كتابا من أبرزها (موعد في الجنة .. دقات الأجراس .. رجال ومعارك .. الوان .. كلمات مصرية .. شيئ اسمه الحب .. إني صاعدة .. أنا وثوار يوليو .. أيامه الأخيرة .. قصة ملك باع نفسه للشيطان) . تُمسك د. أمال حلمي سلام دفة الكتاب تنقلنا بمهارة من فصل لأخر ومن شخصية لأخرى .. تختال بخفة بين حكي والدها وسرده وبين ما تلضمه لنا في تناغم من حكيها وسرها وتدخلها بأسئلة تجتر الإجابة عليها مما كتبه والدها بقلمه .. موهبة فطرية جبلت عليها وتربت عليها في مشوار حياة والدها خلق منها عالمة في مجال العلوم وكاتبة ماهرة مشوقة وهى حين تسوق لنا معلومة فهى موثقة بعنوان المقال والعدد الذي صدر به في مجلة أو جريدة .. وفي أمانة علمية فائقة الدقة تسرد لنا مقدمة الكتاب كيف كان حلمي سلام هو همزة الوصل بين الضباط الأحرار وبين الشعب فما كان ينشر في صفوف الجيش موقعا باسم لجنة الضباط الأحرار كان يُنشر في المصور ممهورا باسم حلمي سلام .. فاتحا صدره للأسهم متحملا مسئولية خطيرة .. لم يكن مختبئا خلف سلاح .. لا يملك لإلا قلمه الحر وإيمانه المطلق بحرية مصر . وقد أكد حلمي سلام في أكثر من موقع أنه لا ينصب نفسه محاميا عن ثورة يوليو لأنه واحدا من جرحاها فقد تعرض للإيذاء على يد عبد الناصر وصلاح سالم وعبد الحكيم عامر وغيرهم ولكنه كما يرى حسنات الثورة ومميزاتها يعترف أيضا بأخطاء لا يمكن الدفاع عنها أو تبريرها .. لكنه صاحب قلم حر ينأى بالجراح الشخصية عن ميزان الحق .. الكاتب الصحفي والمؤلف الذي يحكي لنا قصة صداقته لعبد الناصر ومحمد نجيب وصلاح سالم وجمال سالم وخالد محي الدين كيف بدأت .. أزماتها صراعاتها .. وتعرضه لكثير من الإيذاء لكنه ظل صابرا لم ينجرف مع من أنجرفوا يهاجما ثغرات الثورة والأخطاء التي لا يمكن الدفاع عنها بل كتب بكل شرف تاركا التاريخ يحكم ويدين أو يبرئ وأكتفى بدور المحلل والتحليل ليس تحليل المراقب عن بعد وإنما من شاركهم ساعة بساعة أو كما قال هو مذ كانت جنينا .. كتابات سلام عن الثورة ورجالها ليس تأريخا فقط لهؤلاء الرجال وثورتهم بقدر ماهو تأريخ لتاريخ مصر من الأربعينات وحتى وفاته في 19 سبتمبر 1997 ففي هذا الكتاب نجد فصلا عن محمد نجيب وجه الثورة المشرق .. منذ بدأ التعارف بكلمة كتبها حلمس سلام عنه عندما تم انتخابه رئيسا لمجلس لإدارة نادي الضباط في يناير 1952 ولتأثر نجيب بها ذهب بنفسه للمصور ليشكر الكاتب فنشأت الصداقة بينهما وقد تحدث سلام عن نشأة محمد نجيب ومحبته في صفوف الجيش وما كان يواجهه كقائد لثورة يناير بينما آثر صانع الثورة جمال عبد الناصر البقاء في المؤخرة لأسباب ليس منها الجبن ولكنهم كانوا يبحثون في القائد الذي يقود الثورة أولا أن يكون من ذوي الرتب العسكرية الكبيرة .. أن يكون مشهوا له بالنزاهة والوطنية والشجاعة في مواجهة الخطر .. أن يكون له في صفوف الجيش شعبية تمكنه من قيادة الجيش نحو الهدف المحدد ورغم توافر تلك المواصفات في معظم الضباط الأحرار إلا أن الأختيار وقع على محمد نجيب إلا أن اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار كان لديها مرشحان آخران هما الفريق عزيز المصري والذي كان بمثابة الأب الروحي لضباط الجيش ولكنه أعتذر لكبر السن بينما كان الأختيار الثاني اللواء فؤاد صادق والذي كان حادا قاطعا مما جعل الأمر يستقر على محمد نجيب .وقامت الثورة بقائدها محمد نجيب وصانعها جمال عبد الناصر ولكن لم تستمر حالة الوئام طويلا ويرى سلام أن الصدام الذي وقع كان له اعتبارات موضوعيةمنها فارق السن الذي بين محمد نجيب وأكبر أعضاء مجلس قيادة الثورة سنا فلم يكن يقل عن عشرين عاماوهذا يعني أن المجلس كله كان جيلا وقائدهم من جيل آخر مختلف في تفكيره وطريقة تنفيذه واسلوب اتخاذ القرار فبينما يميل طبيعة عمر محمد نجيب للهدوء والحكمة والتريث يميل جيل أعضاء المجلس لثورة الشباب وحماسته وإندفاعه مما يجعلهم ثوريين من قمة الرأس لأخمص القدم بينما يميل القائد لللإصلاح . وبداية مما ذكره سلام عن محمد نجيب هناك فصول أخرى تكلمت عن عبد الناصر الرجل الذي ولد ليكون زعيما .. بينما كانت رؤيته لعبد الحكيم عامر رجل الوفاء والشهامة .. والسادات وصداقة من خلال القضبان . يشتمل الكتاب على عديد المقالات التي كتبت بنزاهة قلم حر لا يخلط العام بالخاص .. قلم كان يعرف وهو يكتب أنه لا يحكي سيرته الذاتية مع أبطال شكلوا تاريخ مصر كانوا أصدقاء له يصنع معهم تاريخ مصر هو بقلمه وهم بسلاحهم وقيادتهم للمشهد .. وإنما هو يؤرخ لتاريخ أمة عربية شاء القدر أن تتولى مصر ريادة تلك المرحلة وتمد القلب واليد لتحررهم .. حلمي سلام الشاهد عن قرب كان معاصرا وفاعلا في صناعة تلك الأحداث مما جعل الفصل السابع والأخير في كتاب (عبد الناصر وثورة يوليو في ميزان التاريخ) وهو كيف رأى أصدقاء حلمي سلام هذا الكاتب شيخ الصحفيين وقد اتفق الجميع أنه القلم الحر المناضل منذ قبل ثورة يوليو حتى وفاته ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر : أحمد زكي عبد الحليم ..جلال عيسى .. محمد عودة د. جميل نجيب سليمان ممدوح القناوي رجاء النقاش .. فؤاد دوارة .. أنيس منصور .. موسى صبري .. محسن محمد ..مصطفى أمين وغيرهم من الصحفيين الشرفاء الأوفياء . كتاب ( عبد الناصر وثورة يوليو في ميزان التاريخ ) الذي أعدته وقدمته الأستاذة الدكتورة أمال حلمي سلام في لمسة وفاء منها لوالدها ولمصر وثورتها .. الصادر عن المكتبة الأكاديمية عام 2018 في طبعته الأولى .
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights