حسام إبراهيم يكتب بين عيد العمال وثقافة العمل!!
وهذا “التفكير” حاضر في اذهان مثقفين مصريين منذ سنوات بعيدة حتى انه منذ عام 1950 قال مثقف وصناعي مصري كبير شغل منصب رئيس اتحاد الصناعات حينئذ وهو صبحي وحيدة في كتابه “في اصول المسألة المصرية” ان التعليم لن يغني عن المتعلمين شيئا ماداموا لايجدون في الحياة اليومية مايتصل به من ظواهر يستطيعون بمعالجتها “ان يطبقوا علمهم وينموا ملكاتهم ويرتفعوا الى الابتكار”..وهكذا لم يكف المثقفون المصريون مثل صبحي وحيدة عن بحث قضايا النمو والتقدم والنظرة المقارنة لتجارب عالم الشمال المتقدم وطرح سؤال مثل :”: لماذا تقدموا ولماذا تخلفنا ؟” فيما يذهب الباحث نبيل عبد الفتاح الى ان هذا السؤال طرح منذ مشروع محمد علي وجرى تطويره على الصعيد الثقافي السياسي والقانوني الحداثي مع حقبة الخديو اسماعيل ورأى انه منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى النصف الأول من عقد السبعينيات من القرن العشرين ظل جوهر السؤال واحدا..ولاريب ان مثل هذه الطروحات الثقافية الجادة تسد الى حد ما النقص الواضح في المعالجات التأصيلية للقضايا والاشكاليات التي تواجه مصر والعالم العربي وصياغة رؤى كلية ثقافية واجتماعية وسياسية في اطار مايصفه نبيل عبد الفتاح بالطموح الى تنمية متسارعة ومستدامة واللحاق بالدوائر الأكثر تطورا في عالمنا.
وإذ يبدي مثقف مصري اخر هو الكاتب الصحفي الكبير الدكتور عبد المنعم سعيد اهتماما بمسألة “المعلومات المتعلقة بالانتاجية ومدى المساهمة في الناتج المحلي الاجمالي” في سياق التنمية البشرية معتبرا ان السؤال الكبير هو :”كيف نحشد ونعبء طاقات قومية ” فالدكتور جلال امين له الحق في التحذير من خطورة تفكير في “التنمية الاقتصادية” يتصور ان استعارة تجارب الآخرين في عالم الشمال المتقدم حل سحري للتحول من التخلف الى التقدم وهو تصور خادع باسم التنمية ويقود “للتغريب” أي استبدال نمط حياة بأكمله بنمط اخر..ومثل هذه التحذيرات حاضرة دوما في رؤى علماء للاقتصاد ومفكرين مصريين مثل الراحل الدكتور محمود عبد الفضيل الذي كان يؤكد على ان اوجاعنا الاقتصادية لايمكن مداوتها بمعزل عن الثقافة واوضاعنا الاجتماعية ناهيك عن الاطار السياسي وضرورة الفهم العميق لحقيقة ان العدالة الاجتماعية هي الطريق للربحية الاقتصادية والاجتماعية معا .
وقضايا العمل والشباب حاضرة في كتب ودراسات جديدة لباحثين مصريين مثل دراسة صدرت في كتاب بعنوان “نحو صياغة خطة قومية لتنمية الشباب” للدكتورة سهير صفوت ومعها فريق من خمسة باحثين اخرين يتناول قضايا تنموية للشباب تتعلق بالتعليم ووالخدمات الصحية والعمل دون ان يغفل عن انعكاسات تلك القضايا على الانتماء فضلا عن علاقتها بعملية التحول الديمقراطي كما عالج بنظرة ثقافية متعمقة انعكاسات متغيرات العولمة على النسق القيمي والثقافي.
وفيما توج هذا الكتاب بخطة عملية على المستوى القومي لتنمية الشباب العربي فان كتاب “المشروعات الصغيرة للشباب :مابعد عصر ريادة الأعمال” للدكتورة هالة لبيب يسعى بوضوح لتعريف الشباب بمفهوم ريادة الأعمال وحثهم على تأسيس مشروعات صغيرة..وتبدو الدكتورة هالة لبيب متحمسة لثقافة المشروعات الصغيرة الشبابية كسبيل تنموي اقتصادي-اجتماعي بمقدوره التصدي لاشكاليات كاشكالية البطالة مؤكدة في الوقت ذاته على اهمية ادارة هذه المشروعات بمقاربات ابداعية وتفكير ابتكاري.
واذا كانت ثقافة العمل الاتقان واجب الوقت فمن الأهمية بمكان القراءة الواعية للنماذج الناجحة فى ثقافة الاتقان فى عالم بات قرية صغيرة بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات وهي قضية اكد عليها المفكر المصري الراحل السيد يسين في كتابه “الزمان التنموي والتحديث الحضاري” مع تفادي مايحذر منه الدكتور جلال امين بشأن “النقل الحرفي او الاستعارة الكاملة لتجارب التقدم والنمو في مجتمعات أخرى دون الالتفات للاختلافات والخصوصيات الثقافية”.
والسيد يسين الذي قضى في التاسع عشر من شهر مارس عام 2017 يوضح ان “الزمان التنموي” يعني ادراك كل دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية انه مادام عصر الحروب الكبرى قد انتهى فلا بد من تدشين عصر جديد شعاره الأساسي”التنمية”..والتنمية كما يضيففي كتابه تعني “تنمية المؤسسات القادرة على اشباع الحاجات الأساسية للمواطنين ورفع مستوى معيشة الطبقات المختلفة” معيدا للأذهان ان “دولة الرعاية الاجتماعية” كمفهوم في مجتمعات رأسمالية غربية يعني ان الدولة مسؤولة عن توفير فرص عمل كما باتت “التنمية المستدامة مسؤولية الدولة المعاصرة”.
واوضح الكاتب والمفكر السيد يسين ان النظام السياسي الجديد الذي انبثق عن ثورة 30 يونيو 2013 يعيد في الواقع صياغة دور الدولة ويفسح الطريق واسعا وعريضا لعودة “الدولة التنموية” التي رسختها ثورة 23 يوليو 1952 باعتبار ان مهمتها الرئيسية هي “التنمية الشاملة من خلال القيام بمشروعات قومية كبرى”..ومفهوم الدولة التنموية كما يقول السيد يسين مستقر في التراث العلمي الاجتماعي منذ عام 1982 وقدم الحل لسقوط الرأسمالية التقليدية عندما نشر عالم السياسة الأمريكي كالمرز جونسون كتابه عن “الميتي” وهو اسم مختصر لوزارة يابانية متخصصة في التنمية الاقتصادية .
ومنذ هذا التاريخ لم ينقطع الجدل العلمي حول “الدولة التنموية” بينما يقول الأستاذ السيد يسين ان ان تعريف الدولة التنموية في ادبيات الاقتصاد السياسي تشير الى “ظاهرة الدولة التي تقود التخطيط الاقتصادي على المستوى الكلي”..غير ان التنمية بغير التحديث الحضاري “طريق مسدود” كما يقول هذا المفكر الراحل فيما يشدد على اهمية التحديث الحضاري لمؤسسات المجتمع الأساسية واهمها النظام التعليمي حتى يتفق مع المعارف العلمية الجديدة والمستحدثات التكنولوجية..وتشكل “شبكة الانترنت” عاملا رئيسا في تناول السيد يسين وغيره من المثقفين المصريين والعرب لقضايا التنمية في العصر الرقمي فيما يصف يسين هذه الشبكة بأنها ترمز الى قيام فضاء عام لأول مرة في تاريخ الانسانية هو “الفضاء المعلوماتي” معتبرا انها “احدثت انقلابا في الحياة الانسانية المعاصرة”.
واذا كان من الطبيعي ان يكون السؤال المطروح في العالم هو “ماذا بعد سقوط النموذج الرأسمالي التقليدي” فالاجابة التي قدمها المفكر المصري الراحل السيد يسين هي :”لابد ان تتدخل الدولة اقتصاديا بشكل ما وبدرجة ما”..ولئن انطوت هذه الاجابة على سؤال جديد يثير حيرة علماء الاقتصاد في الغرب ويتعلق بمدى تدخل الدولة في الاقتصاد فان السيد يسين يرى ان مفهوم الدولة التنموية قد حل المشكلة من جذورها لأن هذه الدولة “ترسم في الواقع سلفا خريطة تنموية تحدد مجالات الاستثمار التي ترغب الدولة ان يشاركها القطاع الخاص فيها”.
وفي عيد العمال لابد وان نحتفي بثقافة العمل والاتقان وان نعض بالنواجز على “دعم النمو والتنمية الشاملة بكل السبل العادلة” وان نمد الجسور دوما مع الشباب الذين يشكلون الطرف الرئيس في اي عملية تنموية مصرية لأن مصر “دولة شابة” وهؤلاء الشباب بابداعهم في كل المجالات يشكلون اجنحة هذا الوطن لصنع المستقبل والغد الأفضل بقدر مايمثلون “صوت الأمل وقوة مناوئة بطبيعتها الشابة لشيخوخة الخيال”.
