Sign in
Sign in
Recover your password.
A password will be e-mailed to you.
مع حلول الذكرى الستين للوحدة المصرية-السورية فان هذه التجربة الوحدوية التي تجسدت في دولة واحدة تحمل اسم “الجمهورية العربية المتحدة” شكلت وتشكل حدثا جليلا في الثقافة القومية بقدر ماتستدعي البحث في سبل تطوير وتحديث هذه الثقافة العروبية الجامعة في وقت يموج فيه العالم بمتغيرات وتحديات جديدة ومغايرة بالضرورة لما كان عليه الحال لحظة اعلان دولة الوحدة بين مصر وسوريا في الثاني والعشرين من فبراير عام 1958.
ولعل مرور 60 عاما على هذا الحدث الوحدوي العربي يستنفر المزيد من جهود الباحثين العرب في التاريخ الثقافي والاجتماعي ناهيك عن حقل العلوم السياسية لتقديم المزيد من الدراسات الثقافية بشأن دولة الوحدة المصرية-السورية التي استمرت نحو ثلاث سنوات ودخلت بامتياز في التراث القومي العربي وتاريخ الأفكار العروبية ووشائج العلاقات بين المثقفين في مصر وسوريا كجزء عزيز من الروابط الجامعة بين المثقفين العرب.
ومثل هذه الدراسات الثقافية حول التجربة الوحدوية العربية بين مصر وسوريا لاتنصرف لأمواج الحنين للماضي بقدر ماهي مفيدة لاستخلاص نتائج من عبر التاريخ تساعد الأمة العربية في مواجهة الواقع الراهن المشحون بالتحديات الخطيرة والأحداث الجسام فضلا عن بناء مايمكن وصفه “بثقافة حداثية قومية قادرة على الاستجابة لمتطلبات الواقع المعاصر” .
فثمة حاجة لنوع من “التحليق الفكري” في الأجواء الثقافية العربية بحثا عن اجابات لتحديات اللحظة وشواغل المرحلة ناهيك عن الأسئلة الكبرى التي تفرضها تحديات وشواغل المستقبل وهو ماقد يتطلب “نضالا فكريا من اجل ثقافة عربية تأخذ بأسباب الحداثة وتتفاعل مع تحولات العصر دون تنكر لثوابت لم تتعارض يوما مع قيم ومتطلبات التقدم “.
ولن تكتب الحياة لأي افكار جديدة من اجل حراك قومي جديد الا بالتواصل مع اجيال عربية صاعدة لها هموم واحلام تختلف بالضرورة عما كان منذ 60 عاما وان كانت تلك الهموم والأحلام على اختلاف الأمصار والبلدان العربية لتلك الأجيال صاحبة المستقبل تبرهن مجددا على حقيقة الأمة العربية الواحدة .
وتحل هذه الذكرى العزيزة فيما يتطلع المثقفون مع جماهير شعبهم في مصر ليوم قريب تنتهي فيه المحنة التي يعاني من
ها الشعب السوري الشقيق منذ نحو سبع سنوات وان تقطع ذراع الإرهاب في ربوع الشام وتدحر قوى الشر التي تغذي الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد ومحاولات تمديد الصراع وتصعيد الاحتراب حول سوريا التي يدفع شعبها ثمنها بالدم الغالي والنزوح والتهجير الجماعي وتحول كتل كبيرة من هذا الشعب الكريم للاجئين في بقاع شتى من العالم.
وفيما تتوالى الطروحات والتعليقات في الصحف ووسائل الاعلام حول تطورات المشهد السوري فان هناك نوعا من الاجماع بين أصحاب الضمائر الحية على ضرورة وقف تحويل سوريا الى ساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية وعالمية او البحث عن مكاسب ونفوذ لبعض هذه القوى “بتحالفاتها المعقدة وأطماعها الجيبوليتيكية ووكلائها المحليين” على حساب شعب سوريا بكل مكوناته.
ونظرة لسوريا الجريحة والتي تنظر لها قوى اقليمية وعالمية باعتبارها “كعكة ينبغي الفوز بأكبر نصيب فيها” تظهر ان البون شاسع حقا بقدر ماهو اليم بين الواقع الراهن ولحظة مضيئة في تاريخ الأمة العربية منذ 60 عاما كما تبرهن على اهمية “النضال الفكري من جانب المثقفين القوميين لتغيير هذا الواقع الأليم والذي لن يبدأ الا بتغيير المدركات ومستوى الوعي بمتغيرات الواقع ودروس التاريخ معا”.
وفي ندوة عقدت مؤخرا بجامعة الأسكندرية حذر السفير ووزير الخارجية الأسبق محمد العرابي من خطورة ظاهرة التحالفات بين قوى اجنبية على الأرض السورية ومحاولات استحداث كيانات عرقية او طائفية على حساب الدولة الوطنية مؤكدا في الوقت ذاته على ان “الإرهاب العابر للحدود يعد اول الظواهر التي تهدد المنطقة العربية وتهدف لتقزيم الدولة الوطنية”.
وإذ يرى مدير مكتبة الأسكندرية الدكتور مصطفى الفقي ان يوم الثلاثين من يونيو 2013 والإجراءات الد
ستورية التي تلته في الثالث من يوليو وامتد تأثيرها حتى اليوم “بمثابة تحول كبير في تجسيد شخصية مصر المعاصرة امام التحديات التي تواجهها والمشروعات الغامضة التي تستهدفها” فانه اكد ان “مايجري ضد مصر ليس جديدا عليها بل تعودته القاهرة امام كل الأحداث الكبرى التي مرت عليها”.
ولاريب ان اعلان الوحدة بين مصر وسوريا منذ 60 عاما كان من هذه “الأحداث الكبرى” فيما يبقى من دواعي الفخر القومي ان مصر نأت بنفسها عن اي عمل عسكري لفرض استمرار دولة الوحدة التي عرفت بالجمهورية العربية المتحدة بعد الانقلاب الذي دبرته مجموعة انفصالية في سوريا عام 1961 ناهيك عن ان مصر العربية لم تقم ابدا بأي عمل عسكري بقصد التدخل في شؤون اي دولة عربية اخرى او من منطلق اطماع في ثرواتها مواردها.
وفيما يلاحظ مثقف مصري اخر هو الكاتب والمحلل الدكتور محمد السعيد ادريس محاولات”إعادة تسخين الأزمة الس
ورية” والتصعيد العسكري من جانب قوى إقليمية ودولية في هذا البلد العربي فانه يحذر من خطورة فرض “خيارات التقسيم واجواء استقطاب إقليمي جديد”.
وكان الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل الذي قضى منذ نحو عامين شديد الاهتمام “برؤيته الاستراتيجية والثقافية العميقة” بالأوضاع في المشرق العربي وفي قلبه سوريا وحذر من مخاطر “رسم خارطة جديدة لهذه المنطقة” بكل انعكاساتها على الأمن القومي العربي.
ومن الطبيعي ان تتوالى التعبيرات ولاستجابات الإبداعية لمثقفين سوريين حيال المحنة التي طالت في بلاده
م ولعل من احدث هذه التعبيرات ديوان شعر صدر بعنوان دال :”رأسي مقبرة جماعية” وتعبر فيه الشاعرة صبا قاسم عن رؤيتها الحزينة لوطنها الذي يعاني من عواصف الدم والدمار.
واذ تتهدد المخاطر البشر والحجر والمستقبل والتراث بين جنبات الأمة العربية لترسم المشهد المخيف الظاهر اليوم امام كل ذي عينين يبقى الرهان صائبا على بناء ثقافة عربية جديدة للمقاومة وتغيير الحقائق الاقتصادية والاجتماعية نحو الأفضل على قاعدة معرفية تتيح فهم حركة التاريخ وامكانية توظيفها ايجابيا ولعل ذلك هو “جوهر النضال الفكري المطلوب من جانب المثقفين القوميين والمؤمنين بفكرة الأمة العربية الواحدة”.
و يشكل الارهاب اخطر تحديات المرحلة الراهنة تستدعي اللحظة العربية بمعطياتها جهدا ثقافيا استراتيجيا برؤى مبدعة “للعروبة الثقافية” للاجابة على اسئلة تتعلق بوجود الأمة وطبيعة النظام العربي الجديد في وقت تتشكل فيه ملامح نظام عالمي جديد .
ولئن ذهب البعض الى ان كلمة “القومية” او “العروبة” باتت تثير حساسية حتى لدى بعض المثقفين العرب بع
د ان جرى ابتذال كلمتي القومية والعروبة في كثير من المواقف المحزنة فان احدا لايمكنه انكار واقع تجسده الثقافة القومية لأنه “واقع لغوي وجغرافي وتاريخي وروحي”.
وشأنها شأن غيرها من الثقافات القومية تبدو الثقافة القومية العربية مدعوة بالحاح لمواجهة واحتواء الجوانب السلبية للعولمة التي قد تصل لحد الرغبة في التهام الثقافات القومية لصالح تصور يرغب في تنميط العالم وفق نموذج محدد في الثقافة الغربية بما يجافي اي حديث جدي عن التنوع او الديمقراطية والمساواة وحقوق الشعوب في الخصوصية الحضارية المعبرة عن هويتها.
وبعيدا عن اي اغراق او استغراق في نظرية المؤامرة فان الملاحظ لكل ذي عينين ان تصاعد تلك الهجمة المعولمة لاقتلاع الخصوصية الحضارية وشطب الثقافة القومية قد تزامن مع تصاعد هجمة الارهاب والقوى الظلامية التي روعت الأمة العربية وصنعت حالة من “تآكل الذات” كما هو الحال في سوريا الجريحة حيث فعل الارهاب افاعيله والحق خسائر فادحة بتراثها الثقافي وشواهد حضارتها الانسانية المتسامحة.
ولاريب ان افاعيل الارهاب التي تدمي الأمة وتنال من مقدراتها انما تسهم جوهريا في تعميق الفجوة الواقعية لحالة اللاتكافؤ بين الأمة العربية وعالم الشمال المتقدم حتى اضحى بعض الساسة في الغرب يجهرون دون خجل برفضهم لفكرة المساواة بين الثقافات.
ولعل الثقافة القومية العربية تستجيب لتلك التحديات غير المسبوقة حقا بتنظيرات ثقافية قابلة للتطبيق على ارض الواقع المختلف كل الاختلاف بتفاعلاته المتصادمة والصادمة عن زمن الوحدة المصرية-السورية منذ 60 عاما وكلاسيكيات مفكر قومي مثل ساطع الحصري وافتراضات منظر حزب البعث ميشيل عفلق ناهيك عن الأحلام القومية النبيلة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
وعقولنا ومشاعرنا كلها مع الأشقاء في سوريا..ورغم المياه الكثيرة والجديدة التي مرت وتمر تحت جسور الزمن فان هذه الذكرى ستبقى شاهدة على امكانية تحويل الحلم لدائرة الفعل بقدر ماتؤكد على أهمية تبني “ثقافة الاصطفاف العربي” في مواجهة تحديات غير مسبوقة.
مصر المحروسه . نت صوت العرب فى كل مكان .. موقع مصرى مستقل وشامل.. سياسى واقتصادى ورياضى واجتماعى وثقافى وفكرى
- Comments
- Facebook Comments