«مصر المحروسة.نت» تكشف تفاصيل العلاقة بين « الإخوان» وأمريكا.. متى بدأ توظيف الغرب لـ «الإسلامجية»؟
بقلم فتحى خطاب


النازيون ووكالة المخابرات المركزية
- وفي كتابه الشهير «مسجد في ميونخ : النازيون ووكالة المخابرات المركزية وصعود الإخوان المسلمين في الغرب» كشف مؤلفه الصحفي الكندي إيان جونسون ، الحائز على جائزة بوليتزر، عن أبعاد أخرى لتحالف الإسلاميين والغرب الذي لم يقتصر حسب وثائق المؤلف، على الولايات المتحدة وبريطانيا ، فالولايات المتحدة استثمرت وبنت على مخطط ألماني نازي بدأه «هتلر» أثناء الحرب العالمية الثانية ، لتوظيف الإسلاميين لضرب الاتحاد السوفيتي .. والقصة بإيجاز أن النازيين وجدوا أن عددا كبيرا من الجنود السوفيت ، الذين وقعوا في أسرهم ، مسلمون ساخطون على الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين ، وكارهون لنظامه ــ شارك بين 150 و300 ألف سوفيتي مسلم في الحرب العالمية الثانية ــ ففكروا في استخدام المسلمين كطابور خامس داخل الجمهوريات الروسية المسلمة ، وتولى هذه المهمة رجل يدعى «جيرهارد فون» الذي بدأ في رسم مخطط واسع لاستغلال الإسلاميين لصالح النازيين ، وبعد هزيمة ألمانيا واصل «فون» نشاطه المعا دي للشيوعية، واتسعت الشبكة وتحولت مدينة ميونخ ، بسبب وجود عدد كبير من المسلمين السوفيت فيها ، لمركز لهؤلاء الإسلاميين الذين انضم إليهم عدد من النازيين السابقين والمنظمات التابعة للمخابرات الأمريكية !! وكشف «جونسون » في كتابه ، كيف استطاع الأمريكيون سرقة مشروع «شبكة فون مندى» وتسليمها للقيادي الإخواني سعيد رمضان (الذراع اليمني لمؤسس جماعة الإخوان الشيخ حسن البنا ، وزوج إبنته، ووزير خارجية الجماعة) لمساعدته في تكوين شبكة من التنظيمات الإسلامية بدعم من أمريكا وبريطانيا ، وتمويل سعودي ، لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتي في مصر، وخطر عبد الناصر، وكان مسجد جنيف الذي تحول لاحقا للمركز الإسلامي في جنيف 1961 ، هو نواة هذا المشروع .. واتضح فيما بعد أن المركز الإسلامي كان مجرد بداية ، ففي عام 1962، ساعد سعيد رمضان في إنشاء «رابطة مسلمي العالم » التي أصبحت الجهاز العصبي المركزي للحركة الوهابية في العالم ، بتمويل سعودي سخي تكفّل بإرسال الدعاة ، والدعاية المطبوعة ، وتمويل بناء مساجد ومراكز وهابية مختلفة بطول شمال أفريقيا وآسيا الوسطى، وحتى خارج العالم الإسلامي.
- ويقول « جيل كيبل » الباحث الفرنسي المتخصص في تاريخ الإسلام السياسي، ومؤلف كتاب «الجهاد : تعقب أصول الإسلام السياسي»إن من أدار هذه الرابطة إضافة للقيادي الإخواني سعيد رمضان ، علماء من المؤسسة الدينية السعودية ودعاة هنود من مدارس «ديوبند» التي أسسها «أبو الأعلى المودودي»، وفي هذه المدارس تخرج لاحقا زعماء حركة طالبان الحالية في أفغانستان .. وفي عام 1970 ، بعد وفاة «عبد الناصر» ، قاد « سعيد رمضان » وفدا للإخوان ، نظمته ومولته السعودية ، للتوسط لدى السادات لإعادة إحياء الجماعة التي جرى حظرها عام 1954 ، حسب قول روبرت باير ، ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية ، وأن المملكة العربية السعودية لعبت دور المحلل للإخوان ، ووافق السادات الذي كان يرغب في التنصل من الروس والتخلص من الناصريين ، والتحالف مع الأمريكيين ، وانتشرت الحركة الإسلامية بصورة كبيرة
«الشئون السرية»
ويقدم « مارك كرتيس » في كتابه «الشئون السرية» إصدار عام 2010 عشرات الأمثلة المدعومة بعشرات من الوثائق السرية التي تكشف عن العلاقة بين حركات الإسلام السياسي والمخابرات الأمريكية والبريطانية على امتداد أكثر من 60 عاما .. ويقول «كرتيس» إن ساسة بريطانيا كانوا يعتبرون الإسلاميين مفيدين من 5 أوجه، أولها : تقويض العلمانية والتيارات الق ومية في العالم العربي وجنوب آسيا .. وثانيها : استخدامهم كـ «قوات صاعقة» لزعزعة استقرار الحكومات المناوئة .. وثالثها : العمل عند الضرورة كقوات عسكرية لخوض حروب نيابة عنها كما حدث في إندونيسيا في الخمسينيات ، وفي أفغانستان في الثمانينيات .. ورابعها : استخدامهم كـ «أدوات سياسية » لإحداث التغييرات من جانب الحكومات المستهدفة ، مثل إيران ، ضد محمد مصدق عام 1953 .. وخامسها : تقويض النظم القومية والعلمانية ودعم الأنظمة الموالية للغرب ، خصوصا في السعودية وباكستان .. ويركز «كرتيس» على باكستان التي يعتبر انفصالها عن الهند أحد أهم نقاط التحول في تاريخ الإسلام السياسي، وترحيب ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الشهير، بدعوات بعض الإسلاميين بالاستقلال عن الهند، للاحتفاظ (بحسب رؤية تشرشل) بجزء صغير من الهند ، التي اضطرت بريطانيا للرحيل عنها بعد استقلالها عام 1947 ، ولكنها فازت بموقع سيادة على دولة جديدة (باكستان)، ولتحقيق هذا الهدف شجعت بريطانيا تيارات الإ سلام المتشدد ورموزه، ومنهم أبو الأعلى المودودي صاحب نظرية «الحاكمية لله » التي تبناها لاحقا سيد قطب، ولاحقا تعلمت الولايات المتحدة الأمريكية ــ خليفة بريطانيا في قيادة العالم ــ الدرس ووظفت الجهاديين في أفغانستان لضرب السوفيت ..دعم بريطانيا للإسلاميين
ويضيف مارك كرتيس : «لم يقتصر دعم بريطانيا للإسلاميين على باكستان، فدعمها للمملكة العربية السعودية «الوهابية » أكثر وضوحا ، وكان الهدف من هذا الدعم ، الذي واصلته الولايات المتحدة لاحقا ، مكافحة «فيروس» القومية العربية «بعد صعود» نجم جمال عبد الناصر وتأميمه قناة السويس، وأدت السعودية دورها في رعاية الإخوان والسلفيين عقودا طويلة ، وأنفقت بين عامي 1970 و2007 نحو 50 مليار دولار لنشر «الوهابية » في جميع أنحاء العالم ، وهو ما وصفه أحد المراكز البحثية الأمريكية بـ «أكبر حملة دعائية في التاريخ » وجرت بمباركة ورضا بريطانيا والولايات المتحدة ، اللتين رأتا في أفكار الوهابين حائطا دفاعيا ضد أفكار «عبد الناصر» التي كانت تهدد مصالح الدولتين خصوصا في منابع النفط ». ويعرض الكتاب عشرات الأمثلة على استخدام الغرب للإسلاميين في تحقيق أجندتهم ، فحين حاول محمد مصدق ، رئيس آخر حكومة منتخبة ديمقراطيا في إيران ، تأميم شركة النفط البريطانية الإيرانية ، قررت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ، الإطاحة به عن طريق دعم ما وصفوه وقتها بـ «ديكتاتور مستعد لتسوية مسألة النفط بشروط معقولة» ، وكان الديكتاتور هو «آية الله سيد كاشاني» الذي نظم أتباعه المتشددون احتجاجا
إندونيسيا
وتكرر السيناريو نفسه في إندونيسيا ، بصورة أبشع ، حين دعم الغرب الجماعات الإسلامية ، المدربة والمسلحة من قبل الجيش الإندونيسي لارتكاب مذبحة إندونيسيا الشهيرة ، التي راح ضحيتها نحو مليون شيوعي عام 1966 ، إلا أن أشهر صور التعاون بين الغرب والإسلاميين كانت في أفغانستان بعد غزو الروس لها عام 1979 ، وسعت الـ « CIA » والمخابرات الباكستانية ، في هذه الفترة ، للعمل بشكل وثيق مع تيارات إسلامية مختلفة ، ومنها إخوان باكستان المعروفون باسم «جماعة الإسلام»، بهدف استنزاف «الجيش الأحمر» هناك ــ ويرى كتاب «الشئون السرية» ــ انه التعاون الذي اطلق شيطان الجهاد الإسلامي المسلح ، إلا أن كثيرا من السياسيين الأمريكان رأوا التعاون فكرة عبقرية لا يقلل منها وجود آثار جانبية مثل ميلاد تنظيم القاعدة ، وهو ما عبر عنه « زبيجنيو بريجنسكي » ، مستشار الرئيس كارتر لشئون الأمن القومي ، ذات مرة لصحيفة « نوفيل أوبزرفتوار » التي سألته : «هل تشعر بالندم على رعاية الجماعات الإسلامية أثناء حرب أفغانستان ؟ » فأجاب : كيف أندم على فكرة ممتازة ، وما أهمية مقارنة «طالبا» بـ «سقوط إمبراطورية الاتحاد السوفيتي ؟! وما أهمية وجود بعض المسلمين الغاضبين مقارنة بتحرير وسط أوروبا وإنهاء الحرب الباردة ؟!» ويقول « مارك كرتيس» في كتابه «الشئون السرية» إذا كان تحالف الإسلاميين والـ CIA في أفغانستان قصة معروفة ، فما لا يعرفه كثيرون أن بريطانيا والولايات المتحدة هما من سهلا لاحقا إيفاد كثير من هؤلاء المجاهدين للمشاركة في حروب البلقان وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في آىسيا الوسطى والمناطق الإسلامية في الصين !! وقد جرى تعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية و التيار الإسلامي بجبهته العريضة ، في «مهام أخرى»، تحت مظلة توظيف الإسلاميين، وفقا لمتطلبات الاستراتيجية الأمريكية العليا ونظريات الأمن والمصالح!!