فتحى عبد السميع يكتب: غضبي كافيا لإبتلاع رجل او أكثر وقصائد اخرى
صديقي الطِّفلُ صارَ شَيْخا و عجائز إسماعيل
غضبي كافيا لإبتلاع رجل او أكثر
عندما يوبِّخُني المدير على خطأٍ غيرِ مقصود
ولا أستطيعُ مواجهتَه بأخطائه المقصودة أبتسِمُ ابتسامةً عريضة وأنصرِفُ بهدوء.نفسً الشيءِ عندما أَتركُ مِن يدي كتابا أعجبني, وفاقَ طاقتي سعرُه. هكذا, وطوالَ النهار تتراكمُ المستفِزَّاتُ ولا أتخلَّى عن ابتسامتي حتى عندما أَتركُ الشارعَ خوفا مِن دوريةِ الشرطةِ وأدخلُ غرفةً مشنوقةً لا يدخلُها مَلاكُ النعاس إلا بعد ساعاتٍ مِن التوسلِ والمجاهدةِ.
فقط عندما أستيقظُ يكونُ غضبي كافيا لابتلاعِ رَجُلٍ وربما أكثر. {من الخيط في يدي} ++++++++++صديقي الطِّفلُ صارَ شَيْخا
تَرتَعِشُ أصابِعُهُ وهو يُمسِكُ كوبَ الماءِ يُحاوِلُ غَرْسَ الملعقةِ في الطبق فتغوص في الهواء. لم أَفقِدِ الأمَلَ في قيامِهِ فجأةً لِيَقِفَ بِطُوُلِهِ في الشارع يَشتمُ أولادَه الجاحدينَ ويَقذفُني بحَجر
+++++++++++++++
عجائز إسماعيل
لم يكُنْ إسماعيلُ سعيدا بعملِه كاتبا في نيابةِ مركز قنا كثيرا ما كان يعودُ إلى بيتِه وهو يفكِّرُ في استقالتِه . لم يكُنْ جسمُه النحيلُ على استعدادٍ لحمْلِ أكثرِ مِن مأساتِه حذَّرَه الأطباءُ مِن العملِ بالفِلَاحةِ كيف لم يُحذِّروه أيضا مِن النظرِ إلى أرضِه وهى تبور. أعجبته الوظيفةُ بادئَ الأمرِ قال : خدمةُ الناسِ حلوة واحترامُ شيخِ الخُفَراءِ لي شيءٌ كبير أسنَدوا إليه دفترَ الشكاوى الإدارية تَصَفَّحَهُ بحماسٍ مكتوم وأخَذَ يترقَّبُ أولَ قادم. عامَلَها كضيفةٍ وهو ينظرُ إلى تجاعيدِها بودٍ ومهابة لماذا تأتين يا جَدَّتي بمفردِك؟ مِن الشقيُّ الذي يُنازِعُها رائعُ أنْ أُبَشِّرِها رائعةٌ فَرْحَةُ المُسنّين عَثَر على اسمِها في الدفتر وأخبَرَها بحفْظِ الأوراق ولأنه كان موظفا جديدا تَطوَّعَ زميلُه وشَرَحَ الأمر. لم تُصدِّقْ أنها خَسِرت القضيةَ أخذتْ تَصرخُ في وجهِ إسماعيل تَتهِمُهُ بالرشوةِ وتدعو اللهَ ألا يأخذَ روحَها قبْلَ أن تراهُ مشلولا. يُحدِّقُ إسماعيلُ مذهولا في بابِ السماء غابتْ العجوز في الزحام لكنها يسمع صوتها كلما نامَ أو استيقظ. لم يأتِ في اليومِ التالي احتاجَ لعامٍ كاملٍ كي يَنسى ما حَدَث ولعشرةٍ أعوامٍ أخرى كي يُصبِحَ مشهورا بحكاياتِه مع العجائز. تَدخُلُ إحداهُن تَجلِسُ بجوارِ مكتبِه مثلَ خطيئةٍ وتفرطُ ساقيها مثلَ صيف يعجَزُ عن إقناعِها بالجلوسِ على الكُرسي تُخرِجُ كيسا مليئا بالأوراقِ والبُقَع تَعرضُها ورقةً ورقة تتوسَّلُ كي يقرأَها حتى يعرفَ أن الحقَّ معها يقرأُ إسماعيل وهو يَعلمُ أن لا ورقةَ تَنفعُ القضية يُعطي الشكوى رقما ويَطلبُ المرورَ بعدَ فترةٍ هكذا تروح وتجيء مثلَ شبحٍ بائسٍ وفي كلِّ مرةٍ تَروي قصاصةً مِن حياتِها وتُسهِبُ في مغزى ولائمَ سريةٍ يقيمُها عدوُّها دائما تُنهِي كلامَها بأن يَشقُّ اللهُ لإسماعيلَ في كلِّ بحرٍ طريقا وحين يأتي قرارُ حِفْظِ الشكوى يَسقطُ إسماعيلُ مِن حَدَقتيْها تَصرخُ في الموظفينَ وروَّادِ المحكمةِ تدعو على الدلَّالِ، والشهودِ، والمعاينات حتى يتحلَّل الصمغُ الذي يلمُّ أعضاءَها. في اليومِ التالي تأتي بصمغٍ جديدٍ وشكوى جديدة. يَنتبِهُ إسماعيلُ إلى انقطاعِ واحدةٍ مِن عجائزِه وعندما يَعرفُ أنها ماتت يُطرِقُ قليلا كي يُخمِّنَ اليومَ الذي انقَبَضَ فيه صدرُه ولم يعرف السبب اليومَ الذي شيّعوا فيه جنازتَها. أكثرُ ما كان يؤلِمُ إسماعيلَ الهدايا التي كُنَّ يُقدِّمْنَها انتظرته إحداهُن ـ مرَّة ـ بصُرَّةِ تمْر وذهبتْ أخرى إلى بيتِه وفي طرْحتِها دجاجةٌ تَضطرِبُ يَرُدُّ الهدايا بابتسامةٍ مريرة وهو يِضعُ يدَه على جنبِه الموجوع شارِدا في الذين يَقبَلونَ مثلَ هذه الأشياء دونَ أن يلتفتوا للدماءِ التي تَقطُرُ منها. لم يكُن إسماعيلُ قادرا على فعْلِ شيء موظفٌ لا أكثر يُقيِّدُ المَحاضِرَ والقراراتِ غيرَ أنه كان يَشعرُ بمسؤوليةٍ تجاهَ عجائزِه كثيرا ما كان يعودُ إلى بيتِه باكيا مِن أجلِهِن يفكِّرُ في استقالتِه ولا يَنساهُنّ في صلاتِه أوْ عندما يَحكي مع أهلِه. في الليل عندما تِكتمِلُ وحدتُه يَقرأُ حُطامَهن الذي لا يَلهث بعد طلوعِ السلالم يَقرأ الألسنةَ التي بَتروا أياديَها وما زالت تلوِّحُ يَقرأُ استمرارَهُنّ في المعاركِ بلا سلاح يقرأُ حتى يمتلئ مرةً أخرى بالرغبةِ في أن يكونَ أولَ موظفٍ يوقِّع في دفترِ الحضور. {من مجموعة الخيط في يدي ـ 1997}