أحمد الجمال يكتب : المكسب الأعظم والأهم
الواجب الوطني لا يحتاج إذنا للوفاء به ولا يرتهن إطلاقا لمثوبة أو تقدير من مخلوق، وإذا ارتبط أداؤه بما ينتظره مؤديه من مكاسب مادية أو معنوية، فقد غابت عنه صفة وحتمية الواجب، وأصبح فرصة تُنتهز وغنيمة تُقتنص، ومعلوم أن الواجب الوطني له مستويات، ذروتها الاستشهاد في سبيل الله دفاعا عن التراب الوطني وعن عرض الأمة وشرف المجتمع، وضد كل من يهددون أمن وسلامة وتماسك وقوة المجتمع ويسعون لتفكيك الدولة وتفتيت الشعب بسفك الدماء وقتل الأبرياء وتدمير المقدرات.. ومن الذروة نزولا تتعدد الدرجات حتى نصل إلى الكلمة.. بل ربما نصل إلى الصمت.. بمعنى أننا مطالبون إما ننطق خيرا أو لنصمت، كما جاء في الأثر، وإذا كان الصمت يعد واجبا وطنيا في لحظة معينة فإن الثرثرة والبغبغة والانتقاد عمال على بطال وتزييف الحقائق والطعن في نوايا وإنجازات من يعملون، إلى آخر حفلات التخبيط والرزع والنشاز التي يزداد صخبها كلما أنجز الذين يعملون إنجازا، تعد تخليا عن واجب وطني حتمي، أي هي عندي خيانة!
لقد كدت أن أسميها حفلات “الزار”، ولكني تراجعت بعد أن فكرت وأدركت أنه حتى الزار له أصوله ومسلكياته ومستوياته وله قياداته وله محترفوه، بحيث أن أقوى الناس رفضا له يسيطر على أذنيه أن تطرب وعلى بدنه أن يتمايل عند سماع إيقاعات الكودية وإنشادات المؤدين فيها، الذين قد يصل اندماجهم مع الإيقاعات والكلمات لدرجة أقوى من اندماج من أقيمت لهم الحفلة، وربما لولا صدق هؤلاء المحترفين في أداء مهمتهم لما أثروا في المستمعين!.. لأن الصدق والتفاعل معديان على عكس الكذب والزيف والسطحية.
إننا نلاحظ الكثافة المرعبة للحفلات إياها.. نتابعها في شبكة التواصل الإلكتروني، ونراها وقد اقتحمتنا عبر عدة وسائل ولم يعد مفاجئا أن تجد محترما لديك وقد أرسل لك على الواتس أو الماسينجر أو غيرهما من بريد إلكتروني ورسائل هاتفية، مطولات من التخبيط والنشاز والانتقاد غير الموضوعي، وقد صيغت في أسئلة أو انتظمت مع بعض الإشارات لبعض الإيجابيات حتى يوهمك مرسلها وناقلها أنها موضوعية، لأنها تذكر إيجابيات إلى جانب السلبيات.. وهو أسلوب بال ومتهتك يستطيع أي مبتدئ اقترب من فنون التحريض الديماجوجي أن يكشفه وأن يرد عليه.. فإذا رفضت الدخول في حوار من هذا الدرك المنحط، تم الالتفاف عليك بأنه إذا سمحت نريد رأيك لماذا ترفض التعليق؟، وبالتالي تكون قد نزلت المستنقع.. لا فرق إن نزلت حافيا أو مرتديا جوربا!
وأعود إلى مسألة الواجب الوطني لأقول أنه بالنسبة لي ولكثيرين أعرفهم – وربما نكون على غير صواب – فإن هناك مسؤولية ضميرية وواجبا حتميا فرض علينا أن نؤديه، لنستكمل ما بدأناه من وقوف واضح وصريح وقوي ضد كل من يزعم أنه يتخذ مرجعية دينية في أفكاره ومسلكياته، وأن مرجعيته حسب فهمه هي الدين الصحيح والشرع الحق وما عداهما فهو باطل، حتى وإن كان مبنيا على الصحيح المؤكد وهو كتاب الله.
كان علينا وسيظل واجبا وطنيا في أن نستكمل التصدي لأولئك المزورين، وأن نؤكد دعمنا ومساندتنا لمن استطاع وبحنكة مدهشة أن يزيح الكابوس الإخواني، ثم تدريجيا أن يدفع بالكابوس السلفي إلى الظل، إذ لم نعد نسمع الصوت العالي لأمثال برهامي ومخيون والحويني وبقية الجوقة، خاصة وأن تصريحا واضحا لولي العهد السعودي أدلى به منذ فترة ليست طويلة، قال فيه إن إطلاق موجة التدين السلفي تلك كانت باتفاق بينهم وبين الغرب، أثناء مرحلة الحرب الباردة وصراع القطبين!
لقد ثبت، واستمر الإثبات، أن كثيرين يتخذون موقف الدعم والمساندة والاشتباك مع المزيفين دون انتظار لتكليف من جهة ما، كبيرة كانت أم صغيرة، ودون انتظار لأي مكسب مادي أو معنوي.. إذ يكفي عندهم المكسب الأكبر والأعظم والأهم، وهو سلامة الوطن من أهوال الإرهاب، وهو حماية التراب الوطني، وهو الاستمرار في الإنجازات الكبيرة التي تتم على أكثر من صعيد.