حسام إبراهيم يكتب:كوريا الشمالية رقم صعب في معادلة الصراع العربي-الاسرائيلي(2)
سابق او نظام الرئيس الالبانى انور خوجة او نظام الرئيس الرومانى نيكولاى شاوسيسكو رغم ان هذا النظام يبدو معزولا بالمعايير الغربية ويعانى من مشاكل جمة.
وفى دراسة مستفيضة عنوانها :”الخطر الكورى الشمالى على الشرق الأوسط..والخطر الشرق اوسطى على
اسيا” يعبر الخبير الاسرائيلى بارى روبين عن امنية اسرائيلية غالية وهى ان يضعف النظام الحاكم فى بيونج يانج ويتزايد اعتماد كوريا الشمالية على المعونات الخارجية حتى يمكن استخدام هذه المعونات كآداة ضغط فاعلة لوقف اى تعاون عسكرى بين هذه الدولة ودول مناوئة لاسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط.. لكن هذا الخبير الاسرائيلى يقول ان انهيار الاتحاد السوفييتى وتقارب الصين مع كوريا الجنوبية منذ سنوات الثمانينيات من القرن العشرين كانا احد اهم اسباب التحرك الكورى الشمالى النشط لبيع اسلحة وتقنيات عسكرية لدول عربية كسوريا بحثا عن حلفاء فى مواجهة محاولات فرض العزلة من جانب الغرب..وفى سياق رصده من منظور اسرائيلى للدوافع الكورية الشمالية لزيادة التعاون العسكرى مع دول عربية وشرق اوسطية-يضيف بارى روبين ان العامل العقائدى يدخل ضمن هذه الدوافع جنبا الى جنب مع الرغبة فى تحدى النظام الدولى بوضعه القائم الذى يخضع لهيمنة الولايات المتحدة غير ان اهم هذه الدوافع من وجهة نظره الحصول على اسناد مالى يضمن استمرار النظام فى بيونج يانج.
فاذا كان الغرب بقيادة الولايات المتحدة يستخدم اسلوب الضغط الاقتصادى والعقوبات لاسقاط النظام فى بيونج يانج فان الاموال التى تحصل عليها كوريا الشمالية مقابل مبيعاتها من الاسلحة كفيلة باجهاض المخطط الغربى كما ان الارباح الكورية الشمالية من هذه المبيعات يستخدم جانب كبير منها فى تمويل بحوث لتطوير برامج التسلح..ولايمكن القول بوجود تناقضات بين هذه الدوافع الايديولوجية والبراجماتية ذات الطابع النفعى والرغبة فى الربح لكوريا الشمالية التى تعتبرها اسرائيل بمثابة “ساحر شرير جاء ليغير الحظوظ والتوازنات فى منطقة الشرق الأوسط”.
واذا كان العالم يحبس أنفاسه أيضا ترقبا لاحتمال الغاء إدارة ترامب في شهر مايو المقبل للاتفاق الذي وافق عليه سلفه باراك أوباما لتسوية مشاكل الملف النووي لإيران وبالتالي تصعيد ازمة جديدة بين واشنطن وطهران فان الإيرانيين يحتفظون بسجل كبير من التعاون العسكرى مع كوريا الشمالية على حد قول مائير داجان المدير السابق لجهاز المخابرات العامة الاسرائيلية “الموساد” وهو الذي اعلن من قبل امام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع فى الكنيست ان ايران تتابع باهتمام بالغ الاستجابة الأمريكية للتحدى النووى الكورى الشمالى وان هذه الاستجابة ستؤثر على السلوك السياسى لطهران فى مواجهة واشنطن.
ويبدو ان شهر مايو المقبل يحمل الكثير من المفاجآت في كل مكان وهو الشهر الذي سيزور فيه ترامب إسرائيل للاحتفال بالذكرى السبعين لاعلانها كدولة على أشلاء فلسطين ونكبة الفلسطينيين وستتبدى حينئذ ملامح مايسمى “بصفقة القرن” التي يطرحها دونالد ترامب لتسوية الصراع العربي- الإسرائيلي..ومن يتأمل القرارات التى تتخذها كوريا الشمالية سيلاحظ انها متصلة على نحو او اخر بمجريات الأمور فى منطقة الشرق الأوسط.
ففى ربيع عام 2003 عندما كانت الولايات المتحدة تستعد لغزو العراق وتتهمه بامتلاك اسلحة دمار شامل قامت كوريا الشمالية بطرد المفتشين الدوليين من منشآتها النووية دون ان تكترث بتهديدات ادارة جورج بوش..وينقل الصحفى البريطانى جاسبر بيكر فى كتابه “نظام مارق” عن ويندى شيرمان مستشار الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون قوله فى لقاء بينهما:كلنا كنا نشعر شعورا يبدو اقرب لليقين بأن المجاعة التى اكتسحت كوريا الشمالية فى منتصف التسعينيات ستعصف بنظام الحكم هناك فى غضون عامين او ثلاثة اعوام على الأكثر..ولكن ماحدث فى هذا البلد كان عكس مايرغبه الغرب واسرائيل.. ومن ثم فان محللا اسرائيليا مثل رون بن يشاى يقولها بصراحة:ان مشكلتنا كبيرة مع طبيعة النظام الحاكم فى بيونج يانج.
وتحت عنوان :”احترسوا من الكوريين الشماليين”يقول المحلل الاسرائيلى رون بن يشاى فى سياق تناوله لتجارب اطلاق كوريا الشمالية لأقمار صناعية ان الكوريين الشماليين لايكذبون.
ويحيل بن يشاى الحديث للجنرال دافيد عفرى الذى شغل من قبل منصب قائد سلاح الجو والمدير العام لوزارة الدفاع فى اسرائيل والذى يقول ان الدولة التى تطلق بنجاح قمرا صناعيا وزنه 100 كيلو جرام لارتفاع 400 كيلو متر فى الفضاء قادرة على استخدام الصاروخ الذى حمل هذا القمر الصناعى لحمل رأس نووية زنتها نصف طن ولمسافة تتراوح بين 2500 و3500 كيلومتر وبالنسبة لاسرائيل فان القلق كله يتركز فى التعاون العسكرى الوثيق بين كوريا الشمالية وكل من ايران وسوريا وامكانية حصول البلدين على هذا الصاروخ الكورى الشمالى الطويل المدى وسط تقارير تتحدث عن حضور خبراء ايرانيين لتجربة اطلاق الصاروخ الذى حمل القمر الصناعى للفضاء فضلا عن التجارب النووية التى اجرتها كوريا الشمالية.
ويقول رون بن يشاى انه اذا كانت ايران لم تستحوذ بعد على اسلحة نووية خلافا لوضع كوريا الشمالية فهى تقترب من امكانية صنعها كما ان لديها ترسانة يعتد بها من الصواريخ الطويلة المدى.. ويرى البروفيسور الاسرائيلى ايتان جيلبوا انه اذا فشلت واشنطن فى التعامل مع التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية فان هذا الفشل سيكون نذيرا بفشل مماثل فى التعامل مع الملف الايرانى.
هناك ربط غير عادى فى المنظور الاسرائيلى بين الملفين النوويين لكوريا الشمالية وايران ويذهب الفكر الاستراتيجى الاسرائيلى الى ان نجاح الضغوط الغربية على الصين وروسيا للتوقف عن تقديم مساعدات تقنية فى المجال النووى لايران سيزيد من جاذبية البديل الكورى الشمالى لدى طهران..ولم ينس المحلل الاسرائيلى رون بن يشاى ان يعقد مقارنة بين مايسميه بالخطر النووى الايرانى على اسرائيل واوروبا والخطر النووى
الكورى الشمالى على الدول الواقعة شمال شرق اسيا والساحل الغربى للولايات المتحدة ليصل الى ضرورة بناء موقف موحد او جبهة مشتركة بين اسرائيل واوروبا وامريكا ودول شمال شرق اسيا فى مواجهة ايران وكوريا الشمالية معا .
لاجدال ان كوريا الشمالية تشكل حقا معضلة امريكية بعد ان فشل اسلوب الترغيب الذى كان سمة واضحة لتوجهات ادارة بيل كلينتون كما فشل اسلوب الترهيب الذى كان سمة لتوجهات ادارة جورج بوش وكذلك فشلت ادارة باراك أوباما التي راهنت على مزيج من التوجهين معا اى استمالة روسيا والصين مع حشد اكبر قدر ممكن من الضغوط الدولية ضد هذه الدولة مع التلويح لها بايماءات دبلوماسية وامكانية تقديم مساعدات انسانية ..اما المعضلة الاسرائيلية مع كوريا الشمالية فيلخصها بارى روبين بقوله ان تصعيد الاتجاه الغربى الرامى لاسقاط النظام فى بيونج يانج عبر الضغوط الاقتصادية والتجويع يعنى فى المقابل اسقاط اى محاذير تبقت لدى هذا النظام فيما يتعلق ببيع كل انواع الاسلحة ومهما كانت خطورتها لدول معادية لاسرائيل..ويقول روبين انه من الباعث على السخرية ان روسيا دافعت عن مبيعاتها من التكنولوجيا النووية لايران بالتأكيد على ان هناك ضوابط لهذه المبيعات تفوق تلك الضوابط التى تضمنها الاتفاق الاطارى بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية فى عام 1994 وانه فى حين قبلت ايران بالتفتيش الدولى لمنشآتها النووية فان كوريا الشمالية رفضت هذا التفتيش وان واشنطن وافقت على
امتلاك الكوريين الشماليين لذلك النوع من المفاعلات النووية الذى كانت تصر على عدم السماح للايرانيين بالأستحواذ عليه.
غير ان النقطة التى تثير بشدة قلق هذا الخبير الاسرائيلى تتمثل كما يقول فى ان ايران هى الدولة التى تستفيد اكثر من اى دولة اخرى من التقنية النووية لكوريا الشمالية..وتقول الصحفية الاسرائيلية اورلى ازولاى ان طهران تراقب باهتمام عظيم مسار التطورات بين كوريا الشمالية والغرب ولابد وان تترجم فشل او غياب رد الفعل الغربى على التجارب النووية الكورية الشمالية باعتباره عجزا غربيا فى مواجهة دولة اصغر من ايران وتواجه ظروفا اصعب منها.
كانت ادارة بوش الصغير قد اتهمت القيادة الكورية الشمالية بممارسة الخداع والغش فى المباحثات وهى فى الحقيقة تقصد براعة هذه القيادة فى التفاوض بما يحقق مكاسب كورية شمالية ودون ان تضطر لتقديم تنازلات تلحق اضرارا بالأمن القومى والسيادة..واللافت للنظر ان صانع القرار الكورى الشمالى قدم بالفعل دروسا فى كيفية حماية الكرامة الوطنية فعندما علقت ادارة بوش امداد كوريا الشمالية بالمحروقات كما كان يقضى الاتفاق الاطارى استأنفت بيونج يانج انتاج البلوتنيوم فى مفاعل بونجبيون الواقع على مسافة 60 ميلا شمال العاصمة فيما انسحبت فى عام 2003 من معاهدة حظر الانتشار النووى..كانت كوريا الشمالية فى كل مرة ترد على نكوص امريكا عن تعهداتها بعبور ماتعتبره واشنطن خطا احمر فيما يكتفى الأمريكيون بالتهديدات الصوتية دون اى قدرة على تحويل الكلمات لأفعال..واثارت الحالة الكورية الشمالية سؤالا كبيرا وهاما بالفعل:”اذا كانت كوريا الشمالية التى يصفها الغرب بأنها دولة معزولة وفقيرة ويعانى شعبها من المجاعة قد تمكنت من تحدي الولايات المتحدة التي يتودد رئيسها الآن للزعيم الكوري الشمالي مع انه نعته من قبل بأشنع النعوت فما الذي سيحدث لو نجحت مقامرة ترامب في ترويض نظام كيم جونج اون واي انعكاسات لهذه المقامرة على منطقة الشرق الأوسط والأمة العربية وقضيتها المركزية “فلسطين” ؟!!.
“يتبع.
