ابراهيم العريس يكتب الأزهر في قلب القاهرة: عمران إسلامي في تجدد متواصل
> غير أن العز الذي شهده الأزهر أيام الفاطميين عاد ودفع ثمنه أيام الأيوبيين الذين أهملوه، ولا سيما منهم صلاح الدين الذي استولى على بعض ما فيه من قطع وحلى، ثم أمر بإيقاف الخطبة فيه. ومنذ ذلك الحين راحت وضعية الأزهر تتدهور. وهي واصلت تدهورها إنما دون أن ينعكس ذلك تدميراً للصرح أو إلحاق أي أذى حقيقي به. هو بالأحرى نُسي تماماً. وظلت تلك هي حاله حتى جاء حكم السلاطين المماليك الذين يبدو أنهم «أعادوا إكتشاف» الأزهر ومكانته، واستهدوا الى مكانة معنوية كانت لا تزال له في أفئدة المصريين ولا سيما القاهريين. ولما كانوا في حاجة وهم الغرباء الذين أتوا ليحكموا مصر من دون أن تكون لهم مكانة أو مآثر أو تاريخ، على عكس حال الفاطميين ومن بعدهم حال أيوبيّي صلاح الدين الذين لم يكونوا في حاجة لاكتساب قلوب شعب حفظ لهم جميل تخليصه من مخاطر الإحتلالات الصليبية والدور الذي لعبوه في رفعة الإسلام، انصرف المماليك إلى إعادة الاهتمام بالأزهر ولا سيما منهم عز الدين ايدمر، الذي أنفق أموالاً على اعادة بنائه وتوسيعه، فيما أعاد الظاهر بيبرس الخطبة اليه، فأعاد اليه الحياة من جديد. ومن يومها والأزهر في توسّع وازدهار يضيف اليه كل نظام وحاكم ما من شأنه أن يعطي للنظام أو الحاكم شرعية وقيمة في نظر الشعب، الذي استعاد علاقته بالأزهر، الذي سيصبح لاحقاً مركز إشعاع وأيضاً مركزاً لانطلاقة الحركات الشعبية وخصوصاً إبان حملة بونابرت، التي دفع الأزهر وما جاوره ثمن ثورة الناس ضده، إذ رمي بالقنابل ودمرت أجزاء منه.
> وحين أطلت العصور الحديثة، كان الأزهر أضحى مسجداً وجامعة ومركزاً علمياً، وصار محط أنظار المسلمين في العالم كله، فيه يجتمع طلاب آتون من شتى الأصقاع والأمم، وعكست هذا أروقته الكثيرة مثل «رواق الأكراد» و «رواق الهنود» و «رواق البغداديين» و «رواق البرنية» و «اليمنية» و «الجبرتية» و «السفارية» و «الشوام» و «الصعايدة» و «المغاربة» الذين، وفق علي مبارك في خططه كانوا من مثيري الشغب في شكل دائم. ولعل أشهر الأروقة اليوم «الرواق العباسي»، نسبة إلى الخديوي عباس الذي بناه أواخر القرن الفائت، فأصبح أشبه بادارة الأزهر. واللافت أن هذا الرواق يضيف الهندسة التركية إلى مجموع الهندسات التي تتجاور في بناء الأزهر.
> وبقي أن نذكر أخيراً، أن الأزهر تحوّل أواسط القرن العشرين الى «جامعة حديثة»، إذ في حين احتفظ بما كان يدرّس فيه من إسلاميات ولغة عربية، أضيفت إليه كليات حديثة وتضاعف عدد طلابه. وللأزهر اليوم خمس مآذن مختلفة الطراز، وستة محرابات بقيت من أصل ثلاثة عشر محرابا كانت له. وللأزهر أيضاً ثلاث قباب «أجملها وأكبرها، في رأي د. حسين مؤنس، هي تلك التي تقوم فوق المدرسة الجوهرية الملحقة بالأزهر».
alariss@alhayat.com 