عقب إعلان فوز فيلم «حلم نورا» (تونس / فرنسا / بلجيكا)، إخراج هند بو جمعة، بجائزة أفضل ممثلة في الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي، (19 – 27 سبتمبر 2019)، تباينت ردات الأفعال، بين مستحسن ومستهجن؛ خصوصاً أن المنافسة على الجائزة كانت ضارية، كما أن تصريح هند صبري بأن سيناريو الفيلم حصل على دعم من منصة الجونة، وتثمينها للعلاقة التي تربطها ومدير المهرجان إتشال التميمي، فضلاً عن كونها عضو باللجنة الاستشارية الدولية للمهرجان، زاد اللغط حول أحقيتها بالفوز بالجائزة، ووجود شبه مجاملة لها !
غير أن فوز الفيلم بالتانيت الذهبي لأفضل فيلم في أيام قرطاج السينمائية، في دورتها الثلاثين ( 26أكتوبر– 2 نوفمبر 2019)، فضلاً عن فوز هند صبري نفسها بجائزة أفضل ممثلة في المهرجان، حسم الجدل، وأنهى اللغط .
أزمة «نورا»
اعتمد فيلم «نورا تحلم» (90 دقيقة)، الذي كتبته مخرجته هند بو جمعة، على قصة واقعية للزوجة «نورا» (هند صبري)، التي تنتمي إلى الطبقة الشعبية التونسية، وتعمل في محل لتنظيف الملابس، وأخذت على عاتقها مسئولية تربية، ورعاية، أولادها الثلاثة، بعد سجن زوجها «جمال» (لطفي العبدلي)، بتهمة السرقة، وبينما تشرع في إنهاء إجراءات الطلاق، لتتوج قصة حبها و«الأسعد» (حكيم بو مسعودي)، تُفاجأ بالإفراج عن زوجها، بعفو رئاسي، الأمر الذي يُربك مخططاتهما، ويذهب تفكيرهما إلى الهرب، لكن الأحداث تتوالى، بعد ما يتنامى إلى علم الزوج سرها الخفي، وفي مشهد صادم، نادر حدوثه على أرض الواقع، وعلى الشاشة، يواجهها الزوج بخيانتها أمام أولادها، واتساقاً مع طبيعته العنيفة يلجأ إلى اغتصاب عشيقها، كنوع من الانتقام لشرفه، وهنا يُصاب السيناريو، والفيلم بالتبعية، بلعثمة درامية، ومسحة غير منطقية؛ ففي الوقت الذي نتوقع اتجاه «الأسعد» للانتقام من الزوج، وهو ما تؤكده تصرفاته، على صعيدي الشكل والمضمون، يكتفي بتحرير محضر سرقة ضده، وهو ما بررته المخرجة، عندما واجهتها في ندوة الفيلم التي عُقدت في الجونة، بخشية العشيق من الفضيحة !
من هنا يتعثر بناء، وإيقاع، الفيلم (مونتاج نيكولا رميل)، وتنحو الأحداث منحى ميلودرامياً، ويُغرقنا في متاهة تحقيقات بوليسية عبثية؛ خصوصاً بعد ما تنحاز الزوجة لزوجها، مؤكدة وجوده في المنزل وقت حدوث الجريمة الملفقة !
أفضل ممثلة .. ولكن !
يمكن القطع، إذن، أن لجنة تحكيم أيام قرطاج السينمائية كانت محقة في منح هند صبري جائزة التانيت الذهبي كأفضل ممثلة، وهو ما فعلته لجنة تحكيم مهرجان الجونة السينمائي من قبل، لكن قرارها منح الفيلم جائزة أفضل فيلم، التي تذهب للفيلم «الذي أتقن التحكم في السيناريو والإخراج»، شابه الكثير من العوار؛ إذ أن الارتباك الذي ساد السيناريو، مذ تلك اللحظة، أصاب المتابع للأحداث بالكثير من الحيرة، والانزعاج، اللذان استمرا طوال الفصل الأخير العبثي، الذي انهارت فيه العائلة، وتردى المستوى التعليمي للأبناء (الأبنة حصلت على صفر في دراستها)، ورغم هذا جاءت النهاية أكثر عبثية، عبر عودة الزوجة لملاحقة عشيقها، والإيحاء بعودة العلاقة بينهما، وإن ظل أداء هند صبري على حاله، من التألق والإجادة، والتماهي مع الحالة النفسية للزوجة «العربية»، وليست التونسية فحسب، التي تواجه العنف الذكوري، وتفتقد الرومانسية، وعندما تعثر على ضوء في نهاية النفق يُخلصها من الكابوس الذي يُخيم على حياتها، تُصدم بالنظرة الأخلاقية المجتمعية، وهي النقطة التي تُثير جدلاً، وانقساماً، كبيرين؛ فمن حق فصيل في المجتمع العربي أن ينظر للبطلة / الزوجة بوصفها خائنة، تجنت على أولادها، وانساقت وراء غريزتها، وتستحق أن تُحاكم بتهمة الزنى، التي يُعاقب القانون التونسي مرتكبها بالسجن خمس سنوات، في حين يرى فصيل آخر أنها ضحية مجتمع ظالم، حرمها من أن تعيش حياتها، وتركها لمصير مؤلم، وعذاب نفسي لا قبل لها به، وهي التي تطمح لحياة أفضل، ومستقبل أكثر رحابة !
قيادة رائعة
بعيداً عن السيناريو المرتبك، الذي كنت أفضل لو تركته المخرجة لسيناريست أكثر احترافاً، أظهرت المخرجة براعة في قيادتها لطاقم الممثلين، خصوصاً الرئيسيين منهم؛ مثل : هند صبري ولطفي العبدلي وحكيم بو مسعودي، وهو إنجازها الحقيقي في الفيلم؛ إذ أحكمت قبضتها على أداء هند صبري، ولم تتركها تتصرف كنجمة تمتلك أدواتها، ولها مدرستها الخاصة في الأداء، وبدورها قدمت هند صبري أفضل ما في جعبتها من سيطرة واضحة على الشخصية، وامتلاك تام لمكنوناتها، وتناقضاتها، بين القوة والوهن والطموح، كامرأة ممزقة، تعاني لكنها غير مغلوبة على أمرها، وتبحث جدياً عن الخلاص، مع علمها أنها تنشق على تقاليد مجتمع متحفظ، كاذب، ومتناقض، يرفع شعار الأخلاق، بينما رموز سلطته غارقون في الفساد حتى أنوفهم (أحد رجال الشرطة شريك في السرقة، ومتورط مع اللصوص)، وربما كانت هذه الجرأة، في تناول الفساد، فضلاً عن كشف المسكوت عنه، في ما يتعلق بوضعية المرأة، وما تتعرض له من ظلم، والخروج بالقضية من إطار المحلية لتتناول هماً عربياً عاماً، سبباً في تثمين التجربة، التي اتسمت بالتكثيف، شكلاً ومضموناً، في فصلها الأول، ثم عانت ترهلاً في نصفها الثاني !