فتحي خطاب يكتب: رسائل «أبو ليلى»
وقصة الشاب الشهيد لا تقف فصولها عند تنفيذه هجوما مركبا صباح يوم الأحد الماضي، بدأ وبحسب وسائل إعلام عبرية، باقتحام تجمعا لجنود إسرائيليين وطعن أحدهم ثم استولى على سلاحه وأطلق الرصاص تجاه بقية الجنود.وبعد ذلك استولى على مركبة إسرائيلية وهاجم أكثر من تجمع للمستوطنين والجنود الإسرائيليين، قرب مستوطنة أرئيل غرب مدينة سلفيت، ثم انسحب من مكان العملية، إلى قرية «عبوين»، شمال شرقي محافظة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة.. وفصول القصة لا تنتهي في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء 18 مارس/ آذار حين حاصرت أكثر من أربعين آلية عسكرية إسرائيلية القرية، بعد تسلل وحدات خاصة في سيارات محملة بالخضار، وشرعت في محاصرة أحد المنازل في البلدة القديمة لأكثر من ساعتين.ثم دارت المعركة بين جيش الاحتلال، والشاب الفلسطيني ـ 19 سنة ـ جيش الاحتلال يواجه «جيشا في فتى » ، وخلال محاصرته، فتح أبو ليلى النار على قوات الاحتلال حتى الرصاصة الأخيرة ، ثم استشهد لتبقى «الواقعة ـ المعركة»، هاجسا إسرائيليا، قد تبدى بوضح في تهنئة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لحيش الاحتلال على الانتصار في معركته ضد الشاب الفلسطيني منفردا «عمر أبو ليلى». ما حدث ليس كل القصة، ولكن فقط ما يبدو للرائين منها، لأن فصولها أعمق كثيرا من القراءة الأولى، ورسائلها أشد خطورة، بحسب تعبير الجنرال والباحث الفرنسي «يواكيم لاسبن»، وحين قدم الفتى «أبو ليلي» نموذجا يفرض نفسه على الواقع الراهن، فهو من مواليد عام 2000 وفي زمن التراجع والانكسار والترهل العربي، وفي «زمن رمادي» تصور فيه الجميع أن قضية فلسطين سوف تصفى ويلقى بها على الرصيف المجاور لحائط المسجد الأقصى .. ويأتي أبو ليلي ليوجه رصاصاته إلى تلك الرؤية القاصرة للتاريخ. داخل دولة الاحتلال متابعات ورصد وتحليل متواصل لما تراه «حالة مستفزة تهدد مستقبل الدولة»، بحسب تعبير أحد سكان المستعمرات (المستوطنات)، ناثان مورفي، وهو يرى أن الدوافع المحفزة ترجع للأمهات الفلسطينيات اللواتي يربين أولادهن على الكراهية لإسرائيل جيلا بعد جيل، مستشهدا بكلمات والدة عمر: «لما قالولي عمر استشهد زغردتلو.. طلع رجال .. الله يرضى عليه، عمر رفع رأسي ورأس كل أمة المسلمين، وأتنمى أن يرسل الله ألف شاب مثل عمر لتحرير كامل فلسطين». • وأكتبها بحق التاريخ وحده : هذه أيضا حالة فلسطينية متفردة. اللافت للنظر أيضا.. أن عمر أبو ليلى وهو الابن البكر لعائلة متوسطة الحال تعيش في قرية الزاوية الواقعة إلى الغرب من سلفيت، بالضفة الغربية المحتلة شمال القدس، والذي أنهى دراسته الثانوية العام الماضي، ويدرس في جامعة القدس المفتوحة، إلى جانب عمله في مجال الألمونيوم في قريته، ويساعد والده في عمله في بناء القرميد.. «عمر» منقطع الصلة عن السياسة، أي لم تلوثه السياسة، وهو فتي صغير يدرك تماما بوعي فطري، أن في السياسة العربية كلام يقال في الظاهر وهو شديد التأثير، وكلام يدار في الباطن، وهو شيد الخطورة !! والفتى الفلسطيني الشهيد، لا يعرف الحزبية ولا المذهبية و لا الفصائلية، ويعرف فقط هويته الفلسطينية، ولذلك جاءت رسائله ذات معنى ومغزى كبيرين.التاريخ يراهن على الشعب الفلسطيني
ورسائل عمر أبو ليلى، كما يقول الصديق والسياسي الأردني البارز، محمد داودية، البرلماني والسفير والوزير سابقا ورئيس مجلس إدارة كبريات المؤسسات الصحفية في عمّان: بعد 71 سنة على احتلال فلسطين، لا أمن لكم أيها المحتلون، ولا حياة، على الأرض..والرسالة الثانية: لا يمكن أن ينجح تهويدكم لفلسطين والقدس.. والرسالة الثالثة: لن تنجح مشاريع التصفية والظلم، فالشعب العربي الفلسطيني واجه واسقط المشروع تلو المشروع، وقدم في سبيل حريته واستقلاله ودولته المستقلة، مواكب الشهداء والأسرى والجرحى ببذخ ووفرة وسخاء…والرسالة الرابعة: أن الإحتلال موت وزوال، وأن كل شعوب العالم نالت حريتها وطردت المستعمر، طال الزمان أو قصر، وأن الشعب العربي الفلسطيني ليس استثناء، ونحن جيل الفداء والتحرير والنصر، ولسنا جيل الهزيمة. والرسالة الأخيرة، كما يسجلها «داودية»: أنكم لم تتعظوا بمصائر من سبقكم من المستعمرين المحتلين، ونهاياتهم الدموية المخزية، ومثلا في 5 يوليو/ تموز سنة 1830 ضمت فرنسا الجزائر، وفرضت على شعبها «قانون الأهالي ـ لائحة كريميو»، وفي 5 يوليو/ تموز عام 1962، جلا الإستعمار الفرنسي الإستيطاني الإلحاقي عن الجزائر، بعد 132 سنة من الإحتلال والاستيطان والوحشية. • هذه بعض رسائل «أبو ليلى»، وفيما أظن ـ والظن عند العرب بمعنى اليقين ـ أن دولة الاحتلال ترصد جيدا مدلولات تلك الرسائل .. وهي الرسائل التي أعادت للذاكرة المعادلة التي خطها بيده العالم الجليل الراحل، أبو الجغرافية السياسية، دكتور جمال حمدان: ( عمر إسرائيل الافتراضي = عمر السيادة العالمية الأمريكية + هامش زمني مناسب للفارق الزمني بين الفعل ورد الفعل). وأعتقد أن من خطايا «ثقافة السلام» التي تم الترويج لها وفقا لأحكام إتفاقات ومعاهدات، بدأت في العام 1979 وتمددت في بداية التسعينيات من القرن العشرين، أننا سحبنا عن إسرائيل ـ وربما بقصد النوايا الطيبة الحسنة !! أنها كدولة هي ظاهرة إستعمارية صرفه..وأن إسرائيل إستعمار طائفي بحت، والدولة دولة دينية صرفه..وأن إسرائيل إستعمار عنصري مطلق..وإستعمار توسعي أساسا..وإستعمار سكني في الدرجة الأولى.. وهي تجسيم للإستعمار المتعدد الأغراض، فهي تمثل إستعمارا مثلث الأبعاد، فعدا الجانب السكني، فإنها تمثل أيضا إستعمارا إستراتيجيا، وإستعمارا إقتصاديا، فوجودها غير الشرعي رهن من البداية إلى النهاية بالقوة العسكرية وبكونها ترسانة وقاعدة وثكنة مسلحة، وأن أمن إسرائيل هو مشكلتها المحورية. وهكذا كان التبسيط المخل للصراع العربي الإسرائيلي؟! وصحيح ـ ما يقال ـ بأن الذين لا يقرأون التاريخ، أو الذين لا يعرفون ما حدث قبل أن يولدوا، والذين يتساهلون بالرضا والقبول مع تزييف الحقائق أو السطو على سطور التاريخ، محكوم عليهم أن يظلوا أطفالا طول عمرهم، والأطفال لا يصنعون التاريخ، ولا يضيفون شيئا إلى مسار أحداثه، ولا يشاركون في صياغة مستقبلهم، وتظل خطيئتهم قائمة بأنهم لا يدركون مقاصد ما حدث بفعل الماضي، وربما لايفهمون ما يحدث بفعل الحاضر الراهن.. وبمقدار اليأس في مقولة الفيلسوف العظيم أفلاطون حين تنبه إلى مخاطر المستقبل : «أنتم أيها اليونانيون ستبقون دائما أطفالا».,ومن هنا تتداعى الأخطاء !! • الرسالة الأهم من رسائل الفتى عمر أبو ليلى: أن الطريق مازال ممتدا أمامنا، تتفتح عليه نوافذ المستقبل، تقول خرائط التاريخ والنصوص المقدسة : إنه لنا.بعد 71 سنة على احتلال فلسطين لا أمن لكم أيها المحتلون ولا حياة