عماد الدين حسين يكتب: حلول إنجليزية للأخبار الكاذبة
فى 20 فبراير الماضى كتبت فى هذا المكان مقالا بعنوان «حال الإعلام فى بريطانيا.. وفى مصر!». وكان يفترض أن ينشر هذا المقال فى اليوم التالى مباشرة أى 21 فبراير، باعتباره مرتبطا به عضويا، لكن تلاحق الأحداث حال دون ذلك. أقول ذلك حتى لا يبدو مقال اليوم، وكأنه تبرير للخطأ الذى وقعت فيه عدة مواقع إخبارية مصرية، بشأن «وزير النقل المزيف أو الميت». الخطأ قاتل ولا ينبغى تبريره تحت أى مسمى.
بعد هذه المقدمة أعود إلى ما يحدث فى بريطانيا، فربما يكون مفيدا لمحاربة الأخبار المضروبة عندنا فى مصر.
التقرير أعدته الباحثة الاقتصادية البريطانية فرانسيس كورنكروس، بتكليف من رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماى، عند «حال الإعلام البريطانى»، واستغرق عاما كاملا وشارك فيه خبراء يمثلون مختلف الجوانب الإعلامية والإعلانية.
فى التقرير عبر مستخدمو الأخبار عن مخاوفهم من عدم قدرتهم على التعرف على الأخبار الكاذبة، واعترف ربع مستخدمى منصات الإنترنت، بأنهم لا يعرفون كيفية التعرف على هذه الأخبار، أو التحقق منها.
التقرير الذى تم إعداده أساسا لمواجهة الأزمات الصعبة، طلب من منصات الإنترنت ضرورة التعرف السريع على الأخبار الكاذبة، وإزالتها من على المواقع، مقرا بأن خطر الأخبار الكاذبة يهدد الصحافة الورقية والرقمية، مقارنة بالراديو والتليفزيون.
الاتهامات موجهة طوال الوقت إلى «الفيسبوك» باعتباره المملكة التى شجعت هذه الأخبار الكاذبة، لكن متحدثا باسم الشركة قال إنهم يبذلون جهدا كبيرا للتأكد من أن الجمهور يتصفح أخبارا ذات مصداقية، وإنهم أحرزوا بعض التقدم فى توفير أدوات تمكن المستخدمين من معرفة الأخبار التى يعتمد عليها، بما فى ذلك زر يوضح مصادر الأخبار على الموقع.
ما سبق هو صلب ما جاء فى التقرير بشأن الأخبار الكاذبة، وللأسف يبدو أن هذا السرطان يصعب مقاومته بالأساليب العادية المتبعة حاليا. وما أصابنى بالهلع، أنه إذا كانت بريطانيا، بكل ما تملكه من إمكانيات وإعلاميين مؤهلين، غير قادرة حتى الآن على مواجهة هذه الظواهر الملعونة، فكيف يكون الحال فى البلدان النامية المغلوبة على أمرها؟!
التقرير يقول إن الاخبار الكاذبة تضرب الجميع، الدول المتقدمة والنامية، ولذلك علينا البحث بعمق فى كيفية مواجهتها.
المسألة باختصار أنه يمكن لمجموعة قليلة جدا من البشر، لكنها محترفة فى تزييف الأخبار، أن تصيب مجتمعا كاملا بالشلل، وتجعله يعيش فى فوضى وارتباك وتشوش. وبالتالى فإن مجموعة صغيرة منظمة وممولة جيدا، يمكنها أن تكون أخطر من حزب جماهيرى كبير، أو تنظيم سياسى عقائدى. هنا تبرز الخطورة التى تعانى منها العديد من المجتمعات.
كنا نظن أيضا أن «اللجان الإلكترونية» قاصرة على بعض الحكومات أو التنظيمات، لكن يبدو أنها بصدد أن تصير «أسلوب حياة» فى مناطق مختلفة من العالم.
التصميم الراهن للفيسبوك فى أحد جوانبه يعطى فرصة عبقرية لكل اللجان الإلكترونية أو التنظيمات الفردية المتطرفة أو المتمردة، أن تبث ما تشاء من أكاذيب أو حتى خطاب كامل ومتكامل، مملوء بالحقد والغل والتطرف سواء كان يعبر عن واقع حقيقى أم مملكة من الأوهام!
نتذكر جميعا أيضا فضيحة «كامبردج انالتيكا» التى تآمرت فيها شركة بريطانية مع فيسبوك للتأثير فى الاتجاهات التصويتية لخمسين مليون ناخب أمريكى خلال الانتخابات الرئاسية السابقة. هذه الحملة، صارت فضيحة مدوية، واستلزمت اعتذار مالك فيسبوك مارك زوكربيرج، أكثر من مرة أمام الكونجرس ومجلس العموم والصحافة.
الدرس المستفاد من الفضيحة هو أنه إذا كانت الأخبار الكاذبة أو الموجهة أو الممنهجة، يمكن أن تؤثر فى الناخبين الأمريكيين، فالمؤكد أن خطورتها تزيد أكثر فى بلدان العالم النامى. والنتيجة الأخطر من وجهة نظرى، هى أن القول بأن ثورة الاتصالات حسنت من وعى الجماهير، ليس صحيحا بصفة كاملة، لأنها أيضا جعلت من التلاعب بمشاعر ورغبات واتجاهات الملايين أمرا سهلا، قد لا يتكلف أكثر من تصميم رسالة محكمة على وسائل التواصل الاجتماعى.
حتى الآن فإن الأخبار المضروبة تحتاج جهودا ضخمة فى كل مجتمع لكى يقاومها، السلاح الأول هو توفير الأخبار والمعلومات الصحيحة أولا بأول، ومزيد من تدريب الاعلاميين، ثم فضح المتلاعبين بالعقول، وأن تكون هناك قوانين وتشريعات رادعة ضد مزيفى الأخبار ومفبركيها، وكما يقول مرسيل خليفة: «الله ينجينا من الآن!!!».