عمرو الشوبكي يكتب : الجزائر وسوريا
قد تكون مفارقة لا تخلو من دلالة تصريح وزير الخارجية السورى الأسبق عبدالحليم خدام فى بداية الاحتجاجات السلمية فى سوريا (ربيع دمشق) فى بدايات العقد الماضى: «لا تجعلوا البلد يذهب إلى مصير الجزائر»، فى إشارة لما جرى فى بلد المليون شهيد فى تسعينيات القرن الماضى من أحداث عنف وإرهاب راح ضحيتها مائة ألف شخص، وقد عاد الأسبوع الماضى رئيس الوزراء الجزائرى أحمد أويحيى ليحذر المحتجين فى الجزائر من «سيناريو سوريا».
هى مفارقة تعكس ما جرى فى العالم العربى منذ نهايات القرن الماضى وحتى الآن من تحولات تبادلت فيه بلاد عربية مصير «سوريا والعراق» وأصبح من الصعب اعتبار أن هناك دولة أو مجتمعاً بعيداً عن الخطر ما لم تطبق سياسات جديدة تختلف جذرياً عما جرى فى العقود الماضية.
والحقيقة أن ما جرى فى الجزائر فى تسعينيات القرن الماضى هو معادلة تكررت بصور مختلفة فى أكثر من بلد عربى، حين اقترب تيار غير مؤمن بالديمقراطية (كان فى الجزائر هو الجبهة الإسلامية للإنقاذ) من السلطة بحصوله على أغلبية كاسحة فى المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية، وكان قاب قوسين أو أدنى من الحصول على أغلبية مطلقة فى باقى المراحل وتدخل الجيش وأوقف الانتخابات ودخلت البلاد فى عنف دموى (العشرية السوداء) انتهى بنجاح الدولة الجزائرية فى دحر الإرهاب والحفاظ على تماسكها الوطنى، وكان للرئيس بوتفليقة دور كبير فى طى صفحة الإرهاب. وظلت الجزائر نموذجاً لتخويف الكثيرين من تبعات الانتقال الديمقراطى الذى سيؤدى إلى فوز الإخوان والإسلاميين، مثلما كرر الرئيس مبارك أكثر من مرة.
يقيناً التيار الإخوانى المعادى للديمقراطية والدولة الوطنية المدنية ممتد فى أكثر من بلد عربى، وأن أزمة الجزائر تتحملها أيضا الدولة الوطنية والحزب الحاكم الذى ترهّل بصورة كبيرة (جبهة التحرير الوطنى) استفاد منها التيار الإسلامى ووظفها لصالح الوصول للسلطة مستفيدا من الآلية الديمقراطية دون إيمان بقيمها وبتداول السلطة أو كما قال أحد قادة الجبهة الإسلامية على بلحاج «شاركنا فى الانتخابات وإن شاء الله ستكون آخر انتخابات ديمقراطية».
أزمة النظام الجزائرى فى تسعينيات القرن الماضى أنه لم يفرض شروطه المدنية على التيار الإسلامى ويجبر من يرغب منه فى ممارسة العمل السياسى أن يؤمن تماما بالدولة الوطنية المدنية ويلتزم بقواعدها، فى حين أن ما جرى (نتيجة ضعفه) أنه لم يستطع مقاومة الإسلاميين وإجباره على الالتزام بمبادئ الديمقراطية بالوسائل السياسية والناعمة إنما فقط عبر تدخل خشن للجيش. ودارت الأيام وكرر المسؤولون الجزائريون نفس خطاب التخويف الذى ردده المسؤولون السوريون بحق الجزائر، ونسوا أو تناسوا أن القضية الأساسية فى استمرار الرئيس بوتفليقة فى السلطة، فى ظل ظروفه الصحية الصعبة، وهو يمثل أكبر إهانة للشعب الجزائرى ولقيم التحرر الوطنى التى كانت الجزائر فى صدارتها، وكان الرجل أحد أبطالها.