محمد كعوش يكتب :قدسنا من ضياء وبهاء وتاريخ مقدس..
اكتشفت فجأة أن اوراق الرزنامة تساقطت من حولنا دون انتباه.غافلني الزمن ، أنا وأبناء جيلي ، فكبرنا وهرمنا وتوغلنا بصعوبة في شعاب العمر الوعرة بسبب النكبات المتسلسلة ، ولكننا استفدنا من الدروس والعبر ، صرنا أكثر عقلانية وحكمة ومعرفة وادراكا بكل ما يدور حولنا ، وأكثر تمسكا بقضايانا الوطنية والقومية ، كما تعمقنا أكثر في فهم العقيدة الصهيونية ، وهي الأخطر على المستقبل العربي في هذه المرحلة المصيرية. وبسبب عجزنا ، نرّحل احلامنا وازماتنا وقضايانا الى جيل آخر نراهن عليه في تحقيق كل الأهداف الوطنية والقومية التي عجزنا عن تحقيقها. اقول قولي هذا لأطلب من الجيل العاجز أن لا يستسلم للواقع الراهن ، أن يترك قضية فلسطين للزمن والأجيال ، لأن الأبناء أسقطوا النظرية الصهيونية التي روج لها قادة اسرائيل والتي تزعم أن: « الكبار يموتون والصغار ينسون «. فقد ثبت أن الأجيال تتوارث التمسك بالقضية باصرار وحمل الرسالة بقوة ، بحيث تظل القضية الفلسطينية جوهر الصراع العربي الأسرائيلي ، رغم عجز النظام العربي الرسمي الهش الذي يرضخ ويستجيب للضغط الخارجي الساعي الى إنهاء الصراع العربي السرائيلي دون كلفة ، وبشكل يخرج اسرائيل من مازقها الوجودي وينهي عزلتها الأقليمية ، وبالتالي منحها القدس كاملة ، اضافة الى تصفية القضية الفلسطينية ، عبر «طبخة « اميركية–اسرائيلية تحمل عنوان « الصفقة الكبرى « !! تتضمن الصفقة الغاء حق العودة وتوطين اللاجئين وانهاء الصراع العربي الأسرائيلي ، وأموراً شيطانية اخرى لم يكشف عنها بعد ، سبقها قرار ترمب الذي بمنح القدس لإسرائيل ، وهو القرار الذي شجع الكنيست على اصدار قرار يخوّل وزير الداخلية صلاحية سحب الهوية من اهالي القدس ، وهو قرار عنصري فضفاض واضح ، لا سقف له ولا حدود ،الهدف منه تهجير المقدسيين ، وتفريغ القدس المحتلة من اصحابها الأصليين. القرار الإسرائيلي يذكرني بحكاية حدثت فصولها قبل احتلال القدس العربية بأيام قليلة. ففي شهر ايار عام 1967 كلف رئيس بلدية القدس الغربية تيدي كوليك الشاعرةالأسرائيلية نعومي شيمر بتأليف اغنية تمجّد ألقدس القديمة ، وتعبر عن حنين اليهود اليها ، على أن تؤديها بمناسبة الأحتفال بذكرى قيام اسرائيل ، وهي الأغنية التي انشدتها المغنية شولي نيتان والتي تقول :» يا قدس من ذهب.. ونحاس وضياء « ، والأغنية تتحدث باحتفالية عن عودة اليهود الى القدس القديمة باسوارها وكهوفها وآبارها ، وبعد عشرين يوما فقط احتل الجيش الأسرائيلي القدس وانشد جنوده الأغنية قرب حائط المبكى ، وما زال طلاب المدارس ينشدونها كل يوم. وفي العام 1980 أقر الكنيست قانون ضم القدس الموحدة باعتبارها عاصمة لأسرائيل ، ولكن مجلس الأمن رفض هذا القانون بقراره رقم 478 الصادر في 20 من شهر آب 1980 لأنه يشكل خرقا للقانون الدولي واعتبره باطلا ، كما طلب مجلس الأمن من الدول التي أنشأت سفارات لها في القدس الغربية الأنتقال فورا من المدينة ، وفي مقدمتها هولندا وعددمن دول اميركا اللاتينية « جمهوريات الموز » الخاضعة للهيمنة الأميركية.واليوم تحاول ادارة الرئيس ترمب اعادة عقارب الساعة الى الوراء متجاوزة كل القوانين الدولية ، متجاهلة اتفاقية «معاهدة السلام « ، وحل الدولتين ، وحق تقرير المصير للشعبالفلسطيني ، كل ذلك ضمن صفقة القرن المنتظرة المزعومة الساعية الى تمكين وجودالقادمين من رحم الأضطهاد الغربي والتيه والتاريخ المهزوم.واللافت ان الحكومة الأسرائيلية المتخمة بالأحتلال والأستيطان والتهويد بدأت تمهد لهذاالحل غير العادل منذ زمن سابق ، فنراها تمارس سياسة هدم البيوت ومصادرة الأراضيوانتهاك حرمة المقدسات والتضييق على رجال الدين من مسلمين ومسيحيين لأجبارهمعلى الرحيل لتسهيل تنفيذ مشروع التهويد واقامة الدولة اليهودية كوطن ليهود العالم الذين لديهم اكثر من هوية وجواز سفر ووطن. الثابت ان حكومة نتانياهو المسلحة بالعقيدة الصهيونية والخرافة والفولاذ ، تمارس عقدة الأضطهاد ضد الشعب الفلسطيني ، وتسعى الى فرض تبادل في الأدوار ، فتدفع بالجموع الى الهجرة في تيه مماثل ، لذلك يتحدثون اليوم بشكل لافت عن حلول تشمل سيناء ، ولكن هم ، رغم التجربة الطويلة ، لم يعرفوا معنى صمود الشعب الفلسطيني ، صاحب ارض اللبن والعسل وقوم الجبارين. في النهاية ، الشعب الفلسطيني الذي يعرف وطنه جيدا يرد على نعومي شيمر ومعها ترمب فيكتب بالدم القاني من جرحنا الرعّاف أن قدسنا من ذهب وضياء وبهاء وتاريخ مقدس ، كذلك لأمة العربية التي تؤمن بحركة التاريخ ولم تنكسر روحها ، لم ولن تفقد الأمل بقدوم الفجر الآتي الذي يبشر بمشروع نهضوي عربي آخر.