Sign in
Sign in
Recover your password.
A password will be e-mailed to you.
هانحن نستعد للاحتفال بعد ساعات معدودة بيوم الشهيد والذي يتوافق مع الذكرى ال 49 لاستشهاد عبد المنعم رياض “فارس الشهداء” في يوم خالد في ذاكرة ثقافة الشهادة التي تتوهج الآن..هانحن نقف كالبنيان المرصوص مع رجال جيشنا شرطتنا الذين يخوضون اشرف المعارك دفاعا عن وطنهم والانسانية كلها في حرب نبيلة ضد الإرهاب الظلامي التكفيري العميل.
وقد تكون الحرب ضد الإرهاب بالفعل اعنف واخطر من الحروب بين الجيوش النظامية كما ذهب بعض المحللين لأن الحرب ضد الإرهاب كما يحدث الآن تحت رايات “حملة سيناء 2018″تعني مطاردة اشباح في الجبال والكهوف وبامكانها التسلل والاختباء.
وفي يوم الشهيد نتفق جميعا على انه ليس هناك اعظم من الشهيد الذي يقدم روحه فداء لمصر كما نتطلع لأن نبني وطنا يستجيب لأحلامهم ويليق بتضحياتهم وان نعلي ” قيم وثقافة الاتقان والجدارة” ومفاهيم البطولة و قيمة الأرض وجغرافيا الشهداء في الثقافة المصرية وتجليات الفن الدرامي فالبطولة فى معناها الأسمى تعنى ان يحمل كل انسان سلاحه مهما كان هذا السلاح ليقاتل باخلاص وصدق فى مجاله . .
وتصدر الكتب في الغرب حتى اليوم عن حروب قديمة للغاية لأن الحرب بطبيعتها حدث عظيم يثير مخيلة الكبار والصغار كما تتناول هذه الكتب جوانب متعددة ولافتة بشأن الجيوش وهاهو كتاب يصدر بالانجليزية بعنوان “الجنود” للمؤرخ العسكرى الراحل ادوارد ريتشارد هولمز ويتناول تركيبة الجيش البريطانى الذى يقترب حجمه من نسبة الواحد فى المائة من مجموع عدد السكان فى بريطانيا..ويقول هولمز فى كتابه ان واحدا من بين كل 70 بريطانيا له قريب وثيق الصلة يخدم داخل جيشنا اما مسألة الحروب فهى شأن عام يهم الجميع جيشا وشعبا ولعلها حقيقة تنطبق ايضا على بلد مثل مصر.
وفيما يتناول روبرت بارليت في كتاب بالانجليزية عنوانه :“لماذا يصنع الموتى اشياء عظيمة؟..من الشهداء الى الاصلاح” مفهوم الشهادة وتأثير الشهداء الفاعل في اي مجتمع على اختلاف السياقات الثقافية بين المجتمعات والحضارات فان شهداء مصرباقون ابدا في وجدانها وذاكرتها ويشكلون بحق مددا لاينفد في ثقافة الفداء والحرب التي كتبت على ارض الكنانة في موجهة عدوان الارهاب الباغي ومن يسانده.
وثمة ادراك عام محسوس على مستوى المصريين بأن الجماعات الارهابية تخوض حروبا بالوكالة لفرض المشاريع الجيو-سياسية الجديدة في المنطقة العربية التي تتبناها قوى اقليمية ودولية مختلفة وان اتفقت مصالحهاعلى تقسيم جديد للأمة العربية وهدم دولها الوطنية وتغيير خرائطها وهكذا فان هذه الجماعات لاتخدم في نهاية المطاف سوى “اسيادها الأجانب حول الاقليم وفي العالم ككل.
وجند مصر الذين يحاربون الإرهاب الآن هم من نبت طاهر للمقاتلين في حرب السادس من اكتوبر 1973 ويكتبون صفحة مجد جديدة في “جغرافيا الشهداء” وهم يدحرون الارهاب الظلامي العميل ويردون غائلته وشروره عن التراب الوطني المصري و”كل منهم يحمل في داخله روح فارس الشهداء عبد المنعم رياض الذي قدم النموذج المضيء للتضحية والفداء واستشهد وهو رئيس الأركان وسط جنوده ليكون فخر العسكرية المصرية والرمز الحالد للوطنية في ضمير مصر وروحها”.
فمنذ نحو 49 عاما وفي “حرب الاستنزاف التي انطلقت كمقدمة لحرب السادس من أكتوبر وتحرير الأرض المحتلة في سيناء” كان دمه الطاهر هو الق الوطن والبشارة والعلامة.. وعلى مسافة لاتزيد عن 250 مترا من نيران العدو كان البطل عبد المنعم رياض يشرع قامته النبيلة ويركض ساطعا كوهج النور نحو حلم الشهادة فاذا بالغياب حضور يزداد توهجا مع الأيام والسنين.
ومازلنا بحاجة لأفكاره وجوهر تفكيره الاستراتيجي وهو الذي شغل منصب رئيس اركان القيادة العربية الموحدة في عام 1964 بينما واجب الوقت الآن تشكيل قوة عربية مشتركة لمحاربة الارهاب ومن يقفون خلفهوقد بات العدو يستخدم اقنعة مموهة بشعارات دينية ويستعمل قوى الارهاب وجماعات التكفير لتحقيق أهدافه .
بالتأكيد تختلف التفاصيل والتحديات المتعلقة بفكرة القوة العربية المشتركة عن زمن فارس الشهداء عبد المنعم رياض ولكن الجوهر الاستراتيجي لن يختلف كثيرا.. ولعل هذه القوة العربية المشتركة سيكون عليها تبني فلسفة العمل الاستباقي والمباغتة بناء على معلومات دقيقة لاجهاض الارهاب في مكمنه ناهيك عن ضرورة وجود قيادة تمتلك ثقافة استراتيجية تشكل جماع الأفكار الخاصة بالأمن القومي بقدر ماهي بيئة فكرية تحدد الخيارات السلوكية للدول العربية التي تمتلك الارادة للمشاركة في هذه القوة والقدرة على توصيف الأعداء الحقيقيين ومصادر التهديد الفعلية.
وبعد حرب يونيو 1967 المشؤومة شغل عبد المنعم رياض منصب رئيس اركان حرب القوات المسلحة المصرية دون ان يغفل عن اهمية العمل العسكري العربي المشترك ودعا لتشكيل “الجبهة الشرقية الموحدة” لتضم جيوش سوريا والأردن والعراق..لكن الجنرال الذهبي لم يكن غافلا عن اهمية “الأبعاد السياسية” والحساسيات بين الأنظمة العربية ولم تغب عن ذهنه الحقيقة المتمثلة في ان التعاون العسكري هو اعلى انواع وارقى مراحل التعاون السياسي .
انطلق عبد المنعم رياض في دعوته للعمل العسكري العربي المشترك من حقيقة ان مايجمع العرب اكثر مما يفرقهم وان التناقضات بين انظمتهم يمكن ان تكون تناقضات ثانوية قياسا على التناقض الرئيس مع الأعداء التاريخيين للأمة العربية ثم انه استند في دعوته على اطار مؤسسي توفره معاهدة الدفاع العربي المشترك وهذه المعاهدة لابد من تفعيلها وتطويرها الآن لتحقيق فكرة القوة العربية المشتركة التي دعت لها مصر على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي.
و في الذكرى التاسعة والأربعين لرحيل فارس الشهداء عبد المنعم رياض يمكن استخلاص الكثير من افكاره كرجل امتلك الثقافة الاستراتيجية في عصره وتطويرها لخدمة قضايا مصر والأمة العربية وتحقيق فكرة القوة العربية المشتركة في عصر العولمة والثورة الاتصالية العظمى بما يعنيه ذلك من ضرورة تجديد مفاهيم الأمن القومي وبناء نموذج معرفي جديد اكثر قدرة وملائمة في التعامل مع تحديات العصر ومستجداته المذهلة !.
فاذا كان الارهاب يشكل خطرا مشتركا على العرب فلابد من رد فعل عربي مشترك كما ان هناك حاجة “للتفكير الناقد والابتكاري” للجنرال الذهبي عبد المنعم رياض لتجاوزاي عقبات تعرقل العمل العربي المشترك واعلى مراحله اي التعاون العسكري ضمن قوة دفاع عربية مشتركة..فنحن اليوم بحاجة لذهنية عبد المنعم رياض كصاحب “تفكير ناقد وابتكاري وابعد مايكون عن التقليدية والنمطية” وقدرة على التعامل مع المشاكل المعقدة مع تمتعه بادراك لمتغيرات عصره ورؤية مستقبلية وقومية معا.
و الفريق اول عبد المنعم رياض الذي استشهد يوم التاسع من مارس عام 1969 كان دائم الاطلاع ويقرأ في مختلف الثقافات بالعربية والانجليزية والفرنسية والروسية فيما يدرس الرياضيات والالكترونات وينتسب وهو برتبة “الآميرالاي” لقسم الرياضة البحتة بكلية العلوم حتى يتعمق في دراسة الصواريخ المضادة للطائرات.
كما انتسب الى كلية التجارة وهو برتبة الفريق لايمانه بأهمية الاقتصاد في الاستراتيجية واحتفظ في مكتبته العامرة بكتب الاقتصاد والعلوم والحرب والسياسة فيما حصل على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية اركان الحرب بعد ست سنوات فقط من تخرجه من الكلية الحربية.
وفي الثالث والعشرين من ديسمبر عام 1944 وفي الدورة السابعة من دورات كلية اركان الحرب يصف تقريرها “اليوزباشي” عبد المنعم رياض الذي جاء ترتيبه الأول في التخرج :”يوصى به كضابط اركان حرب فهو ضابط مجد جدا وعنده روح الابتكار في عمله ويدرس كثيرا ويبحث عن الحقيقة المجردة والعلم وله افكاره الخاصة وعنده الشجاعة لابداء رأيه”.
وارتبط عبد المنعم رياض بالقضية الفلسطينية منذ بداياتها وحصل على وسام “الجدارة الذهبي” لقدراته العسكرية المتميزة في حرب 1948 فيما ظلت القضية في قلبه وعقله حتى لحظة الشهادة في حرب الاستنزاف.
وبين التاسع من ابريل عام 1958 والحادي والثلاثين من يناير عام 1959 اتم العميد اركان حرب عبد المنعم رياض دورة تكتيكية تعبوية في اكاديمية فرونز العسكرية السوفييتية وحصل ايضا على تقدير الامتياز فيما يسجل تقريره عن خدمته في شعبة العمليات وهو يشغل منصب نائب رئيس الشعبة عام 1962 صفحة مجد له وللعسكرية المصرية معا .
فقد جاء في هذا التقرير الذي كتبه رئيس شعبة العمليات حينئذ:”ان كل مايكتب عن اللواء عبد المنعم رياض لايفيه حقه فهو مثل يحتذى وقدوة في جميع النواحي ثقافة وذكاء وسعة في الأفق وانكار للذات وبمناسبة نقله من شعبة العمليات فاني اؤكد عن ايمان ان الشعبة خسرت نائبا لرئيسها وهو خير من ترشحه رئيسا لها”.
وخلال الفترة من السادس من مارس عام 1965 وحتى الثاني عشر من يوليو عام 1966 اتم الفريق عبد المنعم رياض دراسته بكلية الحرب العليا وكان قد ترقى الى رتبة الفريق خلال دراسته بهذه الكلية التي التحق بها في البداية منتسبا ولما عهد فيه مجلس التعليم انتظاما وجدية اجتمع في جلسة خاصة وقرر تحويله الى دارس منتظم..وحسب التقرير الذي كتب عنه لدى تخرجه من كلية الحرب العليا فقد “اظهر الفريق عبد المنعم رياض ابتكارا ومبادأة ونشاطا كبيرا ومقدرة على تطبيق الناحية النظرية تطبيقا عمليا واقعيا وخلاقا.
وعبد المنعم رياض ينتمي لطراز نادرمن القادة العسكريين على مستوى العالم فهو العسكري الوطني المثقف والقادر على ادراك المعني الفلسفي العميق لقضايا الحرب والسلام وارادة المقاومة ولماذا تكون الحرب ضرورة اخلاقية احيانا في سياق حركة التاريخ ..وكان لجمال عبد الناصر ان يبتسم لأول مرة بعد هزيمة يونيو وعبد المنعم رياض يطلب منه بالحاح بعد ان اختير رئيسا للأركان يوم الحادي عشر من يونيو 1967 آلا يقبل ابدا اى عرض لاعادة سيناء لمصر حتى دون شروط مؤكدا على ان الحرب واجب اخلاقى لاستعادة هذه الآرض المصرية الغالية والثأر لهزيمة يونيو ودماء الشهداء “حتى لاتضيع الأخلاق ويتحول البلد الى كباريه أو ملهى ليلي”.
كان فارس الشهداء و”صاحب التفكير المختلف” يؤمن بأن الغد سيكون افضل من اليوم ويرى ان مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وانه لابد من الجندى المثقف والفرد المتعلم في المعركة..هنا كان يبدع ثقافة جديدةوقال:”لن نستطيع ان نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة..وعندما اقول اقول شرف البلد فلا اعني التجريد وانما اعني شرف كل فرد في هذا البلد”.
ولعل القراءة العميقة لمغزى هذه العبارة التى قالها عبد المنعم رياض في لحظة حالكة يقف فيها العدو على شاطىء القناة يمكن ان تساعد في فهم اللحظة المصرية الراهنة التي تستدعي ان تتكاتف كل الجهود والسواعد المصرية من اجل مصر.
وفي كتابه “حرب الثلاث سنوات”-يخصص الفريق اول محمد فوزي وزير الحربية الأسبق بعض الأسطر للحظة استشهاد عبد المنعم رياض فيقول:”جاءت لحظة من اللحظات التي لاتحدث الا نادرا اذ شاهد العدو رتلا من عربات القيادة قادما من بور سعيد الى الاسماعيلية على الطريق الموازي لقناة السويس واستشعر ان به شخصية عسكرية هامة”.
ويضيف الراحل فوزي:”تتبع العدو سير هذا الرتل حتى موصل الى الموقع رقم 6 في الاسماعيلية واطلق عددا من قذائف المدفعية 155 مم فاستشهد البطل عبد المنعم رياض وفقدت بذلك نائبي وزميلي وصديقي يوم 9 مارس 1969 في الخندق الأول للموقع الأول في النسق الأول لقوات الجيش الثاني وتحولت جنازته في وسط القاهرة الى ملحمة وطنية”.
وكان الرئيس جمال عبد الناصر قد نعى يومئذ للأمة العربية “رجلا كانت له همة الأبطال وتمثلت فيه كل خصال شعبه وقدراته واصالته” موضحا ان الشهيد عبد المنعم رياض “كان في جبهة القتال وأبت عليه شجاعته الا ان يتقدم الى الخط الأول بينما كانت معارك المدفعية على اشدها”.
هنا في الخندق الأول للموقع الأول بالنسق الأول على خط النار وقف البطل مفردا في صيغة وطن وحلم شعب وقضية امة..ومن هنا اختار “فارس الشهداء” عبد المنعم رياض ان يوجه الرسالة لكل من يعنيه الأمر:”مصر لن تموت رغم غيوم الخديعة وجبروت الغدر والمكر المخاتل..مصر باقية شامخة مابقى الزمان والمكان “..وهذه هي الرسالة التي يحملها الآن كل جندي مصري وتشهد عليها ثقافة الشهادة التي تزداد توهجا في الذكرى ال49 لفارس الشهداء .
مصر المحروسه . نت صوت العرب فى كل مكان .. موقع مصرى مستقل وشامل.. سياسى واقتصادى ورياضى واجتماعى وثقافى وفكرى
- Comments
- Facebook Comments