إيهاب خليفة وحسام إبراهيم يكتبان : كيف يوظف ترامب تغريدات"تويتر" في التواصل المباشر مع الرأي العام؟
ملامح تغريدات الرئيس
يأتي الرئيس ترامب في مرتبة متأخرة نسبيًّا ضمن القائمة التي يصدرها تويتر بالمائة شخصية الأكثر تأثيرًا، بناء على عدد المتابعين والتغريدات الخاصة بحسابات المشتركين، إذ استحوذ على المرتبة 68 في هذه القائمة، مقارنة بالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي حاز المرتبة الرابعة، وهو ما توضحه القائمة التالية: وتوضح الإحصاءات من موقع تويتر أنه منذ تأسيس ترامب حسابه في مارس 2009، وحتى يوم 19 يناير، أي قبل توليه المنصب الرئاسي رسميًّا، شارك بأكثر من 34 ألف تغريدة Tweet ورد Reply، وتابعه أكثر من 20 مليون متابع، وحظي متوسط إعجابات بلغت أكثر من 72 ألف إعجاب لتغريداته، في حين وصل معدل إعادة التغريد له من قبل جمهوره إلى 17 ألف إعادة تغريدة. ومنذ بداية شهر نوفمبر 2016، أي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بحوالي أسبوع وحتى 19 يناير قبل تسلم ترامب مهامه الرسمية كرئيس للولايات المتحدة، تم ذكر ترامب في تويتر أكثر من 5.8 ملايين مرة، وشارك فيها أكثر من 8.4 ملايين مشترك، وكان الاتجاه الغالب لهذه المحادثات سلبيًّا بنسبة 39%، وإيجابيًّا بنسبة 24%، فيما بدا الذكور (56.4%) أكثر اهتمامًا بهذه المحادثات من النساء (43.6 %). وبالنسبة لجنسيات الدول التي تحدثت عن ترامب خلال الفترة من نوفمبر حتى 19 يناير 2016، فقد تصدرتها الولايات المتحدة بنسبة 85.7%، بما يقارب 5.7 ملايين تغريدة، تليها المملكة المتحدة بنسبة 2.7% (تقريبًا 180 ألف تغريدة)، ثم كندا بإجمالي تغريدات قاربت 111 ألف تغريدة. وضمت هذه القائمة أيضًا دولا أخرى، مثل: المكسيك، وفرنسا، وإسبانيا، وأستراليا، والهند، وألمانيا، وعددًا آخر من الدول في مراتب أقل. ويميل ترامب من خلال حسابه على تويتر إلى كتابة تغريدات بنسبة تصل إلى 93%، أي بإجمالي 436 تغريدة، وكانت أغلب هذه التغريدات عبارة عن نصوص وتصريحات موجهة إلى جمهوره عبر تويتر وإلى وسائل الإعلام المختلفة، وذلك بنسبة 69%، أي بإجمالي 303 تغريدات. إلا أن ذلك لم يمنع من أن تحتوي بعض تغريدات ترامب على روابط لأخبار أو فيديوهات أو صور، وقد كانت أكثر التغريدات التي يتفاعل معها عادة جمهور ترامب على تويتر هي التي تحتوي على صور كما يوضح الشكل التالي: وعادةً ما يميل الرئيس الأمريكي في تغريداته إلى الجمل القصيرة الصغيرة، فقد جاء أكثر من 107 آلاف تغريدة في متوسط 45 حرفًا فأقل للواحدة، بينما تجاوزت 75 ألف تغريدة ذلك لتقع في حدود 46 إلى 90 حرفًا، أما إجمالي التغريدات التي جاءت بين 91 إلى 140 حرفًا فكانت تقارب الـ90 ألف تغريدة، كما يظهر في الشكل التالي. وتوضح نتائج التحليل الإحصائي لتغريدات ترامب، أن يوم الاثنين هو أكثر الأيام التي يقوم فيها بالتغريد، وإن كان الفارق بينه وبين باقي أيام الأسبوع قليلا، وقد يرجع ذلك إلى أن هذا اليوم هو أول أيام العمل الأسبوعي في الولايات المتحدة.قضايا التغريد قبل تنصيب ترامب
هيمنت العديد من القضايا على تغريدات ترامب قبل توليه منصب الرئاسة؛ إلا أن هنالك أربع قضايا بارزة عكست توجهاته تجاه السياسة الداخلية والخارجية، وهي على النحو التالي: أولا: التوتر مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية: حيث عبر ترامب في أكثر من تغريدة عن موقفه تجاه تقييم أجهزة الاستخبارات الأمريكية لمسألة التدخل الرسمي في الانتخابات الأمريكية. إذ وظف تلك التغريدات في انتقاد هذه الأجهزة، إلى درجة وصفها بأنها تستخدم “أساليب النازية”، وهو ما أثار جدلا واسعًا بين المسئولين والخبراء الأمنيين الأمريكيين السابقين الذين اعتبروا تغريدات ترامب تنتقص من مصداقية أجهزة الاستخبارات، وتخلق عنها صورة سلبية أمام الرأي العام الأمريكي. ثانيًا: علاقة ملتبسة مع وسائل الإعلام: عكست تغريدات ترامب عن علاقته بوسائل الإعلام الأمريكية مسارين؛ الأول -وهو الغالب- ويتعلق بانتقاداته لوسائل الإعلام التقليدية، مثل شبكة C.N.N، وذلك على خلفية تقييمه لتغطية الشبكة لقضايا تتعلق بترامب. إذ اعتَبَرَ أن تقارير الشبكة تتسم بالتحيز ضده، وبعضها يتضمن معلومات مغلوطة. وحازت تلك التقارير جزءًا من تغريدات ترامب، إلى درجة أنه خصص تغريدة انتقد فيها وسائل الإعلام التقليدية، واصفًا إياها بمؤسسات إنتاج الأخبار المغلوطة. أما المسار الثاني المضاد، فيتعلق بقيام ترامب بإعادة نشر بعض التقارير التي نشرتها صحيفتا “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست”، وتحملان رواية إيجابية عن سياسات وخطط ترامب المتعلقة بالقضايا الداخلية، كما وجه ترامب الشكر لمجلة “التايم” وصحيفة “فاينانشيال تايمز” على اختياره شخصية العام. ثالثًا: قضايا السياسة الخارجية: فقد احتلت قضايا السياسة الخارجية مرتبة متقدمة في اهتمامات ترامب على تويتر، وبشكل خاص العلاقة مع روسيا والصين وإسرائيل. إذ وظف ترامب تويتر في الدفاع عن موقفه بشأن ما أثارته الصحافة بخصوص امتلاك روسيا وثائق فضائح تدينه، كما دافع عن أفراد حملته الانتخابية الذين نشرت الصحافة تقارير حول علاقاتهم بروسيا، وزيارته لها. وفي هذا الصدد، أكد ترامب أنه لا يوجد بينه وبين روسيا صفقات أو أي شيء. وبعيدًا عن هذه التقارير، ركز ترامب على استخدام تويتر في بث رسائل إيجابية عن العلاقة مع روسيا. ففي إحدى تغريداته بتاريخ 7 يناير 2017، قال إن “وجود علاقة جيدة مع روسيا يُمثل أمرًا جيدًا”، وأضاف: “وحدهم الأغبياء والحمقى الذين يعتقدون أن هذا يُعتبر أمرًا سيئًا”. وفي مقابل ذلك، تبنى خطابًا أكثر حدةً مع الصين، فبعد حادثة الطائرة الأمريكية بدون طيار التي استولت عليها الصين في منطقة بحر الصين، قال ترامب في تغريدة له بتاريخ 17 ديسمبر 2016: “يجب أن نبلغ الصينيين أننا لا نريد استرجاع الدرونز التي سرقوها، دعوهم يحتفظون بها”. بالمثل أيضًا، فبعد الانتقادات التي أثيرت بسبب تلقيه مكالمة من رئيسة تايوان وتغريدته حول هذا الأمر، واعتبار دوائر أمريكية أنه انتهك بذلك مبدأ الصين الواحدة الذي تبنته السياسة الخارجية الأمريكية منذ عقود، رد ترامب في تغريدة له بتاريخ 2 ديسمبر 2016: “إنه أمر ملفت، كيف تبيع الولايات المتحدة معدات عسكرية لتايوان بملايين الدولارات، في حين أنني يجب ألا أقبل مكالمة هاتفية للتهنئة؟!”. وفي إطار قضايا السياسة الخارجية، عبر ترامب عن دعمه لإسرائيل في مواجهة التصويت الذي حدث في مجلس الأمن بشأن اعتبار المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، كما أنه تحدث عن قضايا أخرى على تويتر، ومنها مسألة بناء جدار على الحدود مع المكسيك، وكذلك توجيه انتقادات للاتفاق النووي مع إيران، والتعامل مع الأزمة السورية. رابعًا: الاقتصاد وخلق الوظائف: حيث خصص ترامب جزءًا من تغريداته لإعادة نشر مؤشر زيادة عدد الوظائف في سوق العمل الأمريكية أكثر من مرة، ليُثبت أن زيادة عدد الوظائف خلال الفترة الأخيرة يرجع إلى خطابه بشأن الاقتصاد، وضرورة خلق الوظائف. من ناحية أخرى، أشار أكثر من مرة إلى اجتماعاته مع قادة شركات تصنيع السيارات، وكرر في أكثر من تغريدة ضرورة عدم تصدير الوظائف للخارج، وضرورة خلق وظائف كثيرة في مصانع السيارات داخل البلاد.طبيعة التغريدات بعد تولي الرئاسة
بعد تسلم ترامب مهام منصبه رسميًّا، واصل استخدام حسابه الشخصي على تويتر، وقد كشف تحليل تغريدات الرئيس في الفترة ما بين 21 و25 يناير 2017 عن تباين واضح في تعامله مع تغريداته على حسابه الشخصي، التي أصبحت أكثر مراعاة للمنصب الرئاسي إلى حد ما، ويمكن هنا طرح عدة ملامح أساسية بعدما أصبح ترامب رئيسًا مقارنة بمرحلة ما قبل تنصيبه، وذلك على النحو التالي: أولا: قلة عدد التغريدات اليومية: حيث أصبح معدل تغريدات الرئيس الأمريكي تغريدة واحدة أو اثنتين مقابل عدد أكثر من التغريدات في الفترة السابقة لتنصيبه. ثانيًا: اختلاف مضمون التغريدات: حيث ركز ترامب (الرئيس) على تسجيل نشاطه اليومي فيما يتعلق بإدارة أمور السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية، سواء الإشارة إلى القرارات التنفيذية التي وقَّعها، أو اللقاءات الرسمية التي عقدها في إطار تنفيذ سياساته تلك، ومنها -على سبيل المثال- لقاءاته مع مسئولي صناعة السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية. ثالثًا: رسائل التغريدات: على عكس الرسائل التي كان ترامب يركز عليها قبل توليه المنصب، وتتضمن انتقادات لأجهزة الاستخبارات ووسائل الإعلام وخصومه السياسيين، فقد سعى الرئيس الأمريكي الجديد للتركيز على محاولة بث رسائل تؤكد تحويل الشعارات الانتخابية التي رفعها إلى واقع وسياسات. وفي هذا الإطار وبعد توتر العلاقات مع أجهزة الاستخبارات، أشار في تغريدة له يوم 22 يناير 2017 إلى اللقاء الذي عقده مع مسئولي وكالة الاستخبارات المركزية C.I.A، ووصف هذا اللقاء بأنه “رائع”، واستخدم تعبيرات إيجابية في وصف العاملين بالوكالة. وعلى الرغم من استياء ترامب من المقارنات التي عقدتها وسائل الإعلام الأمريكية بين مستوى الحضور يوم تنصيبه مقارنةً بالرئيس أوباما عام 2009، إضافة إلى استيائه من المسيرات النسائية التي خرجت في المدن الأمريكية احتجاجًا على سياساته المعلنة وما جاء في خطابه يوم التنصيب؛ إلا أنه استخدم مفردات وتعبيرات تبدو أقل حدة، وبعضها إيجابي في تناول المسألتين في تغريداته. كما وظّف ترامب تغريدات أيضًا للحديث عن السياسات التي بدأ يتخذها، والتي تتعلق بتنفيذ تعهداته الانتخابية، سواء اللقاء الذي عقده مع مسئولي شركات السيارات، أو توقيعه على قرار تنفيذي بشأن إعادة العمل في خط The Keystone XL، هذا بالإضافة إلى إشارته إلى بعض قضايا الأمن القومي، خاصةً ما يتعلق بحلف الناتو.دلالتان رئيسيتان
أظهر استطلاع للرأي العام أجرته شبكة NBC، بالتعاون مع صحيفة “وول ستريت جورنال” في منتصف شهر يناير 2017، قبل تولي ترامب منصبه رسميًّا، أن 69% من الأمريكيين يعتقدون أن عادات ترامب المرتبطة بالتغريدات المستمرة على تويتر تُعتبر أمرًا سيئًا، في حين رأى 26% منهم أنها أمر جيد. وبينما أشار ترامب في أحد تصريحاته من قبل إلى أنه يفضل استخدام تويتر لأنه يستطيع توصيل رسالته مباشرة للرأي العام؛ اعتبر موقع USnews في تقرير له يوم 6 يناير 2016 أن ترامب يستخدم تويتر “كسلاح استراتيجي”. هذا التباين في تقييم توظيف ترامب لموقع تويتر، وحالة الجدل المستمرة التي تخلقها تغريدات ترامب، سواء قبل أو بعد توليه الرئاسة؛ تعكس دلالتين بشأن توظيف أكثر الرؤساء الأمريكيين إثارة للجدل لمواقع التواصل الاجتماعي، وتتمثلان في: الدلالة الأولى: التواصل المباشر: حيث استطاع ترامب أن يجعل من تويتر نافذة التواصل الرئيسية المباشرة مع الرأي العام الأمريكي والدوائر الخارجية، متجاوزًا بذلك أشكال الاتصال المختلفة، سواء الحديث عبر وسائل الإعلام التقليدية التي حظيت بمرتبة أقل في اهتماماته، أو عقد مؤتمرات صحفية مباشرة. وبرغم الدور الذي سيلعبه المتحدث باسم البيت الأبيض في التعبير عن سياسات الرئيس، والتفاعل مع وسائل الإعلام، أو الحساب الرسمي على تويتر للرئيس على موقع البيت الأبيض؛ فإن ترامب لن يتخلى عن توظيف هذه الأداة كقناة اتصال رئيسية ومباشرة مع الرأي العام لكن بشكل أقل كثافة. الدلالة الثانية: وضع الأجندة: إذ سعى ترامب من خلال موقع تويتر إلى وضع أجندة النقاش والحوار السياسي العام في الدوائر الأمريكية، وفرضها على وسائل الإعلام والطبقة السياسية في واشنطن، حيث تتابع توجهاته وأفكاره من خلال التغريدات القصيرة التي يضعها على تويتر. فعلى سبيل المثال، وضع ترامب تغريدة يوم 25 يناير 2017 يشير فيها إلى “أنه سيطالب بإجراء تحقيقات في حدوث تزوير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بما في ذلك قيام ناخبين بالتصويت في ولايتين”، كما نشر تغريدة أخرى في نفس اليوم يطالب فيها “بضرورة أن تقوم السلطات الأمنية في ولاية شيكاجو بمواجهة ما سماه المجازر التي تحدث “Carnage”، وإشارته إلى أن عدد حوادث إطلاق النار ارتفعت في الفترة الأولى من عام 2017 بنسبة 24%” مقارنة بعدد الجرائم التي وقعت في نفس الفترة من عام 2016، وأنه إذا لم تقم سلطات الولاية بذلك فسوف يرسل إليها مسئولين فيدراليين للقيام بذلك. وبعد هاتين التغريدتين للرئيس الأمريكي صعدت هذه القضايا على جدول أعمال وسائل الإعلام التقليدية، سواء في حوارات البرامج الإخبارية في شبكات التلفزيون أو مقالات الرأي والتغطيات الإخبارية في الصحف. ويبقى توظيف ترامب (الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة) لموقع تويتر حالة جديرة بالاهتمام فيما يتعلق بالدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في الاتصال السياسي بين القادة والرأي العام، إذ استطاع ترامب استخدام هذا الموقع في مخاطبة الرأي العام بأقل الكلمات، وبشكل مثير للجدل، سواء قبل توليه منصبه الرئاسي، أو حتى بعد توليه، ونجح في أن يجعل لكلمات تغريداته الصغيرة على الموقع قوة تأثير تُنافس وسائل الإعلام التقليدية، وتدفع كافة المعنيين بالسياسات الداخلية والخارجية الأمريكية إلى متابعة ورصد هذه التغريدات لمعرفة توجهات الرئيس الأمريكي وأجندة عمله.