فصل من كتاب مستقبل المملكة العربية السعودية في عيون شبابها تأليف: كاريل مورفي ترجمة: أحمد هريدي
خلت الشوارع الرئيسية في قلب مدينة الرياض(في 11مارس 2011م) إلا من وحدات كثيفة لشرطة المرور، بالإضافة إلى انتشار قوات مكافحة الشغب وتحليق طائرة مروحية في السماء، فقد كان من المفترض تسمية ذلك اليوم “يوم الغضب” وفيه(طبقاً لعدد من المنظمين غير المعروفين على شبكة التواصل الاجتماعي “فيس بوك”)يخرج آلاف السعوديين ويحاكون تظاهرات المصريين والتونسيين ضد حكامهم. كنت ضمن مجموعة كبيرة من الصحفيين الأجانب نستقل حافلة تتجول بنا في مدينة الرياض زودتنا بها وزارة الداخلية التي رغبت في أن ترينا أن الشوارع خالية من المتظاهرين. توقفنا خارج بناء محكمة وبدأنا التجول في مجموعات صغيرة على غير هدى يلفنا شعور بالملل من الشوارع الخاوية إلا من أفراد الشرطة ومسئولي وزارة الداخلية بوجوههم الجامدة. فجأة اقترب مني ومن صحفي آخر رجل يرتدي بنطلوناً أسود قصيرا وتي شيرت أبيض ونظارة سوداء، وبدأ في الصياح واصفاً المملكة العربية السعودية “السجن الكبير”، وبسرعة التف صحفيون ومصورون حول المتظاهر الوحيد في ذلك اليوم الذي قال بأعلى الصوت: “لاحق لنا في الحديث وإذا تحدثت يودعونك السجن بعد خمس دقائق” وأضاف بأنه يريد “حكومة من الشعب”، ولأنه يتوقع إلقاء القبض عليه ذكر لنا اسمه وسنه ووظيفته: “خالد الجهيني(40عاماً) مدرس لغة عربية وأب لأربعة. ولقد تأكدنا في وقت لاحق في اليوم نفسه من قيام قوات الأمن السعودية بإلقاء القبض على “الجهيني” أثناء وجوده في منزله. وكان “الجهيني” في السجن(لمدة عام تقريباً) عندما خرجت تظاهرة من نوع مختلف في 7 مارس 2012م في جامعة الملك خالد بمدينة أبها(جنوب غرب المملكة). هاتان الواقعتان اللتان يفصل بينهما عام واحد تقدمان رسائل مهمة حول المستقبل السياسي للشباب السعودي، منها غياب الشباب السعودي عن مشهد تظاهرات شباب الدول العربية(ذلك الحدث الذي شهد رواجاً اعلامياً في المملكة) حتى أنه لم يخرج سوى متظاهر واحد في 11 مارس2011م يبلغ من العمر 40عاماً(ضعف عمر الشباب السعودي الذي تشمله هذه الدراسة) وهو الأمر الذي يؤكد ما لاحظته(أثناء تواجدي بالمملكة لسنوات ثلاث) من أن أكثر السعوديين شعوراً بعدم الرضا عن سياسة المملكة وأكثرهم تمرداً هم بشكل أساسي في عمر الثلاثينيات والأربعينيات.تشير واقعة أبها في عام2012م إلى أن الدافع الأساسي لتظاهرة شباب جامعة الملك خالد هو عدم رضاهم عن الظروف المادية أكثر من عدم رضاهم عن افتقاد الحقوق السياسية والحريات المدنية، كما أن تظاهرات أبها التي لم تكن لها مطالبات سياسية وكان لها صدى خافت في جامعات سعودية أخرى في أسابيع تالية، لم تشعل شرارة حركة شابة على نطاق واسع في أرجاء المملكة؛ كما أنه في غير المنطقة الشرقية بالمملكة(تتركز فيها نسبة عالية من الشيعة الذين يشعرون بالغبن والإقصاء)لم يلجأ الشباب السعودي إلى الشوارع مثل نظرائهم في أماكن أخرى بالعالم العربي. كل هذا يطرح تساؤلات حول وجهات النظر السياسية للشباب السعودي: لماذا لم يستجب الشباب السعودي بالطريقة ذاتها التي استجاب بها الشباب في الدول العربية الأخرى؟ وهل ظهر على الشباب السعودي أي تأثر باحتجاجات الشباب العربي، وإذا كان الأمر كذلك فكيف؟ وماذا عن طموحات الشباب السعودي السياسية؟. للإجابة على هذه الأسئلة يتطلب الأمر اتخاذ خطوة إلى الخلف للنظر في ملاحظاتي عن الشباب السعودي(أثناء مقابلاتي ومحادثاتي العديدة معهم خلال فترة وجودي بالرياض) ثم طرح السؤال والجواب في محاولة لتحديد ملامح المستقبل السياسي للمملكة العربية السعودية. اهتمام قليل بالسياسة عدد كبير من الشباب السعودي لا يبدي اهتماماً يذكر بالسياسة ولا يشعر بأي قلق فيما يتصل باكتساب حقوق سياسية، فضلاً عن أنهم لا يفكرون كثيراً في كونهم مواطنين في دولة ذات نظام ملكي حتى أن شاباً التقيته بالمملكة قال لي أن الكثيرين من السعوديين لا يزالون يقولون “الوالد عبد الله” بدلاً من “الملك عبدالله”؛ ومثل هذا الشاب كثيرون مقتنعون الآن بالكيفية التي تدار بها أمور بلادهم طالما أن الدولة مستمرة في توفير الاحتياجات المالية لهم وفي التأكيد على الهوية الإسلامية لها؛ وهناك شباب يعرب عن أمل غير واضح في حدوث تغيير قد يجري في زمن قادم غير معلوم.
قال طالب(19عاماً)من الرياض يدرس اللغة الإنجليزية في ولاية فلوريدا الأمريكية: “لا أهتم كثيراً بالتفكير في إصلاح سياسي ولا أرى ضرورة لذلك لأنني أعلم أن الحكومة ستختار الشيء الأفضل للشعب ولهم. وهناك من الشباب السعودي من يرى أنه لا حاجة للتغيير مثلما يقول طالب(22عاماً) يدرس الهندسة بجامعة الملك سعود: “أحب الطريقة التي تدار بها المملكة حالياً فكل فرد يشعر بالرضا وكل شيء جيد حتى الآن، ربما هناك مشاكل صغيرة مثل الفقر وحظر قيادة السيارة على النساء لكنها مشكلات يمكن حلها”. لم يكن لدى هذا الشاب رغبة في مزيد من الحديث عن حكومته فهو لا يعتقد أن برلماناً منتخباً يمكن أن يفيد المملكة في شيء “لدينا عائلة ملكية تحقق مطالب شعبها وتمنحهم المال وتزودهم بالأشياء التي يريدونها”. ومثل طالب الهندسة في جامعة الملك سعود هناك شباب سعودي(إما غير راغبين في برلمان منتخب أو يشعرون بشيء من التردد إزاءه) يعتقدون أن برلماناً منتخباً يمكن أن يقود إلى قيادة غير رشيدة وإلى اضطرابات في الحياة اليومية وربما أسوأ من ذلك وهم لا يريدون ذلك بالطبع. أيضاً أعرب طالب(26عاماً)حصل على شهادة الماجستير في نظم المعلومات من الخارج عن ارتياحه للطريقة التي تدير بها العائلة الملكية الحكم لكنه ينظر بغير رضا للانتخابات التي ستؤدي في رأيه بالضرورة إلى انتخابات عشائرية “ربما أنتخب شخصاً لأنه طبيب من قبيلتي الأمر الذي يتسبب في مشاكل عديدة لأن هذا الطبيب ربما لا يكون جديراً بانتخابه لعدم كفاءته ولكن لأن قبيلته كبيرة ومنتشرة في ربوع البلاد فانه سيحقق ال فوز” ومدرس مساعد(25عاماً)يحضر رسالة ماجستير في ولاية فلوريدا الأمريكية قال: “أؤيد اجراء انتخابات على المدى عندما يدرك السعوديون أن يمنحوا أصواتهم لشخص ليس لأنه من قبيلتهم أو من مذهبهم الديني، وأنا أفضل الآن الملك عبد الله وأي أمير يأتي به في حكومته بدلاً من أن يكون لي حق التصويت، لأنني أعلم أن السعوديين في الوقت الراهن لديهم طرائق تفكير غير جيدة”. طالب آخر(25عاماً) يدرس التسويق في كندا لا يتحمس لإجراء انتخابات: “أعلم أن الانتخابات تأتي بمزيد من الديمقراطية والمذاهب السياسية لكن يتولد عنها مشكلات ونحن الآن نتبع مذهباً واحداً هو القرآن”، وأضاف: ” المملكة مكان يوفر للشباب السعودي الأمان لحياتهم الشخصية ولمستقبلهم ولعائلاتهم ويتم في تلبية كل الاحتياجات لهم ولا شيء آخر نحتاجه من السياسة”. ويعرب طالب من الرياض(19عاماً) يدرس الانجليزية في ولاية فلوريدا الأمريكية عن عدم اهتمامه بالسياسة قائلاً: “ما أريده فقط هو أن أعيش حياتي وأستمتع بها”؛ وحول موقفه من التظاهرات في مصر وتونس أجاب: “لا أهتم كثيراً بما يجري لأنني لا أعرف الكثير عن الرئيس المصري حسني مبارك الذي أطيح به ولا يعنيني الأمر كثيراً”. البحث عن صوت سياسي هناك شريحة كبيرة من الشباب السعودي لديه أفكار سياسية ويشعر باستياء شديد من افتقاد الحقوق السياسية والمدنية ويحب أن يدلي برأيه في إدارة البلاد، وهذه الشريحة من الشباب تشمل نشطاء إسلاميين وبعض التقدميين والليبراليين الذين يرون في الغرب نموذجاً يحتذى في بلادهم وثقافتهم ويرغبون في رؤية خطوات تدريجية سريعة نحو حكومة تتسم بالشفافية والمسئولية؛ وفي هذا الشأن قال مصور فيديو من جبيل: “كثير من الشباب لا يحب الوضع الحالي الذي لا يمنحهم الوسيلة لإحداث تغييرات والذي يقتصر فيه صنع القرار على مجموعة أفراد تتكون منهم الحكومة”. وفي السياق ذاته قالت لي طالبة جامعية(23عاماً) في جدة: “الكثيرات من صديقاتي يرغبن في التغيير والتطوير ونحن بالتحديد كشابات نريد أن نكون جزءاً من عملية التغيير من خلال منحنا حق التصويت”. وحسب وصف شاب التقيته أثناء وجودي بالمملكة: “هناك شباب سعودي يبدون إعجاباً بأحداث مصر وتونس في بدايات عام 2011م وهم جالسون في مقاعدهم الوثيرة لساعات طويلة يمسكون بيد جهاز التحكم عن بعد في قنوات التليفزيون وباليد الأخرى شريحة البيتزا” ؛ كما قال لي أيضاً شاب(25عاماً)متخرج من كلية طب أبها: “أثار إعجابنا في تلك الأيام هؤلاء المتظاهرون الشباب الذين يطالبون بالحرية والعدل وهو ما أطالب به أنا ايضاً فأنا لا أختلف كثيراً عنهم”. ومحاضرة بأحد جامعات الرياض(27عاماً) تنتمي إلى عائلة ناشط إسلامي عبرت عن إعجاب مماثل قائلة: “أثار إعجابنا شباب قادرون على التغيير ويمكنهم على الأقل اختيار حاكم بلادهم”؛ ومشيرة إلى تظاهرات جامعة الملك خالد في أبها وفي بعض الجامعات الأخرى بقولها: “مطالب الطلبة السعوديين قليلة الآن لكن في اعتقادي أن مطالبهم ستزيد في المستقبل وستشمل اجراء انتخابات لحاكم البلاد”. وطالبة شابة أخرى(19عاماً) بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض من عائلة رجل دين معروف قالت: “:أكثر شيء أسعدني فيما يخص التظاهرات العربية التي أثرت فينا كثيراً أن شباباً مثلنا صنعها، وأضافت: “على الرغم من أن الأشياء التي نريدها قليلة جداً مقارنة بمطالب الشعب الذي نجح بالإطاحة برئيسه إلا اننا شعرنا بأهميتنا وبأن لنا صوت يمكنه إحداث تغيير”. في اعتقادي أن الشباب السعودي لديه أفكار حول إصلاحات يرغبون في إجرائها ولديه الأمل في الانتقال من نظام ملكي إلى نظام ملكي دستوري لا يكون فيه رئيس الحكومة هو الملك ولكل أفراد الشعب بمن فيهم العائلة الملكية نفس الحقوق ولا أحد فوق القانون ويشارك أفراد منتخبون في صنع القرار. طالب طب(23عاماً) من جدة يقول: “سنعطي أصواتنا لدولة دستورية لأن النظام الملكي الدستوري هو الحلم الذي نريد تحقيقه”؛ أيضاً تقول شابة(22عاماً) من الرياض متخرجة من جامعة جورج واشنطن: “أؤيد بشدة النظام الملكي الدستوري فطالما أنه ناجح في بريطانيا فلماذا لا ينجح في بلادنا؟ وأتمنى أن يحدث التحول هذا في غضون السنوات العشر المقبلة”؛ وفي رأي طالب من المنطقة الشرقية بالمملكة: “لا يجب أن نقبل بأي شيء أقل من الملكية الدستورية لأن أي شيء أقل من ذلك يعد مضيعة للوقت”. يرغب الشباب السعودي في هذ الشريحة العمرية(العشرينيات) كثيراً في عملية الانتخابات لكنهم لا يزالون يريدونها بالتدريج، فبحسب قول مدرس مساعد(26عاماً) من الرياض قبل سفره إلى ولاية فلوريدا ليدرس الماجستير: “نحن في احتياج إلى سماع صوت الشارع وإن كنا نحتاج حدوث ذلك خطوة خطوة حتى يرغب الشعب في فعل التغيير وفي تبنيه”، ومتوقعاً أن يتم اختيار نصف مجلس الشورى بالانتخاب خلال فترة تتراوح بين 10 و15عاماً يضيف: “يريد الملك من الشعب أن يختار ممثليه ليصنع قراراته بنفسه لكنه يريد التغيير على نحو تدريجي لأنه لا يمكنه أن يحدث التغيير الآن فليس هناك من يضمن أن يكون الانتخاب على أساس مصلحة الشعب وليس مصلحة العشيرة أو القبيلة”. وهناك شباب آخر يؤمن بالإصلاح مثل عامل بمستشفى في الرياض(23عاماً) من عائلة دينية محافظة يقول: “لقد تأخر انتخاب مجلس الشورى كثيراً وكان من الضروري أن يحدث قبل عشرين عاماً لأنهم ممثلو الشعب وعليهم أن ينقلوا ما تتحدث الأمة بشأنه”، كذلك تؤكد طالبة(27عاماً) ترتدي الحجاب وتدرس القانون الإسلامي: “على الحكومة أن تفتح باب الانتخاب لاختيار كافة المسئولين بالمملكة باستثناء الملك”. مشاركة الأفكار ما يجمع بين الشباب السعودي المهتم بالتطوير والإصلاح هو مشاعر الحب التي يحملونها للملك عبد الله الذي يرونه جميعاً حاكماً خيراً وكريماً يضع مصالح شعبه في قلبه، وهذا الشعور العاطفي الذي يربط بين الشعب السعودي والملك عبد الله لا يشمل كل أفراد العائلة الملكية وإن كان الشعب السعودي يقدر آل سعود باعتبارهم العامل الضروري لتوحيد البلاد؛ ويؤكد هذا قول طالب ماجستير(28عاماً) في ولاية فلوريدا: “أنا أحب عائلة آل سعود التي بدونها قد نعود إلى عصور ما قبل الإسلام التي شهدت قتل القبائل بعضها البعض”. و الأكثر أهمية من ذلك هو أن الشعب السعودي يرغب في التطور وليس في الثورة ويفضل التغير التدريجي بمبادرة من أعلى قمة السلطة حيث الأمان والمسئولية وليس من الشارع الذي قد يعرقل أوضاع الاستقرار؛ وهو الأمر الذي يتضح من خلال كلمات لطالب طب(22عاماً) من جدة (يفضل النظام الملكي الدستوري) نشرها في صفحته على “الفيس بوك” : “البعض قد يميل إلى ثورة مصحوبة بعنف و أنا لا أؤيد ذلك وإنما أؤيد التغيير لأن الثورة تعني التدمير وأنا أريد أن أبني ولا أريد أن أدمر” أما السبب الأهم الذي يرجع إليه حب السعوديين للملك عبد الله فهو تقديرهم للأمن و الأمان الذي ينعمون فيه بالمملكة مقارنة بما جرى في الأعوام الأخيرة من اضطرابات وسفك دماء وخسائر في الاقتصاد في العراق واليمن والبحرين ومصر ومؤخراً في سوريا، وحول أجواء عدم اليقين مما قد تسفر عنه نشوب تظاهرات في أماكن أخرى يقول شاب(19عاماً) بجامعة الملك سعود بالرياض: “في البداية كنت معجباً بالتظاهرات لكن بعد رؤيتي للوضع غير المستقر في مصر الذي قد يؤدي في أي وقت إلى ثورة اخرى وتغيير آخر وتظاهرة أخرى داخلني شك في أن التظاهرات طريقة إيجابية لتغيير نظام”؛ ومن جانبه يعتقد معالج على جهاز التنفس الصناعي(23عاماً) من الرياض: “لقد أدت التظاهرات المشتعلة في أماكن أخرى خارج المملكة إلى تقوية روابط الولاء للمملكة العربية السعودية لأننا رأينا كيف تراجع الاقتصاد في مصر وسوريا إلى ما قبل خمسين عاماً وعليهم البدء من جديد”. وبعض من أجريت معهم مقابلات في المملكة ذكروا أسباباً أخرى لعدم خروج الشباب في تظاهرات فهذا طالب(19عاماً) يدرس اللغة الانجليزية قال لي: “شكراً لله فنحن لا نريد تظاهرات كالتي تحدث في بعض الدول العربية وأكثر من80% من السعوديين سعداء”؛ وأيضاً قال طالب(22عاماً) يدرس الهندسة في جامعة الملك سعود: “يحب الشعب السعودي الملك عبد الله كثيراً إلى درجة أن في أية تظاهرة لا أحد يجرؤ على المطالبة برحيله”. من ناحية أخرى قام الدين بدور في عدم ميل السعوديين إلى الخروج في تظاهرات فالنسخة شديدة المحافظة للإسلام (التي تفضلها الدولة) تعلم السعوديين أن المقاومة الصريحة للحكومة(خصوصاً تظاهرات الشوارع) محظورة وأنه يتعين أن يجري نقد السلطات خلف الأبواب المغلقة”؛ وفي رأي فتاة(19عاماً) بمعهد الدراسات الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض: “هناك دور مهم جداً يقوم به ديننا الذي يحض على الوحدة ولذلك تتناقض الحرية المطلقة في معارضة الحكومة مع فكرة الوحدة وتتسبب في حدوث اضطرابات وقلاقل بين المسلمين”، وتضيف قائلة: “من المهم اتباع ما يحض عليه ديننا لتفادي حدوث النزاعات مع تقديم النصح سراً إلى الحكومة لإحداث تغيير”. مع هذا لم يكن إعلان الملك عبد الله في فبراير2011م عن حزمة اقتصادية قدرها 130 بليون دولار أمريكي بالعامل الذي يمكن إغفال أهميته الكبيرة، فقد استهدفت هذه الحزمة الاقتصادية السخية الشباب السعودي واشتملت على إعانة بطالة لمدة عام والمساعدة في شراء منزل؛ وحول هذا الأمر علق شاب(22عاماً) خريج جامعة جورج واشنطن: “المال يتحدث”؛ وقالت كاتبة(29عاماً) من الرياض: “من الناحية الاقتصادية هناك أمل في إيجاد فرص عمل جديدة للشباب وفي زيادة الرواتب والمنح الدراسية”؛ وأكدت على ذلك طالبة(28عاماً) تدرس في ولاية فلوريدا: “نحن لا نعاني من شيء في المملكة العربية السعودية ونحيا فيها حياة رغدة”. وأتى بعض الشباب أخيراً على ذكر الورقة الرابحة عند العديد من الحكومات، فهذا طالب مرشح لمنحة الماجستير يقول: “الخوف من الحكومة هو السبب الرئيسي لعدم الخروج في تظاهرات فاذا أودع شخص في السجن لن يرى الشمس أبداً، ومن يلقى به في السجن ربما لشهرين لن يتحدث إليه أحد وسيكره نفسه”؛ لقد أشار هذا الشاب إلى التعذيب الذي يتعرض له المعارضون والناشطون السياسيون الذين يتجاوزون الخطوط الحمراء التي تضعها الدولة وإلى الاعتقال والحبس الانفرادي لفترات طويلة، وإلى الأعداد الكبيرة من قوات الأمن المنتشرة في شوارع الرياض الأمر الذي يفس لماذا لم تخرج تظاهرات في 11 مارس 2011م كما كان من المفترض أن تخرج. لا للثورة .. ليس الآن على الأقل عند التحدث في الشأن السياسي أجد أن أقوال الشباب السعودي معي تعكس ما اطلعت عليه أنا في فترة اقامتي بالمملكة، فعلى الرغم من توق الشباب الشديد إلى إصلاح سياسي وإلى حكومة تشارك فيها شريحة كبيرة من الشباب إلا أنه من غير الواضح – حتى الآن على الأقل – أن الأعداد الكبيرة من الشباب المطالبة بإصلاحات سياسية من هذا النوع يمكن أن تهدد حكم آل سعود، وفي هذه الآونة وعلى الأرجح لسنوات طويلة قادمة لن تواجه الحكومة السعودية جيلاً غاضباً أو متمرداً في سن العشرينيات؛ وتؤكد على ذلك كاتبة(29عاماً) من الرياض :”أعتقد أن الناشطين السياسيين والمطالبين بالتغيير أعدادهم قليلة مقارنة بتعداد سكان المملكة ونحن نسمع صوتهم لأنهم متواجدون بكثافة في وسائل التواصل الاجتماعي على الرغم من أنهم يشكلون أقلية”. لكن من الواضح أن المستقبل سيحمل معه الكثير من حيث ظهور قوى تتجاوز قدرات الحكومات كالعولمة وثورة المعلومات التي تقودها شبكة الانترنت الدولية وأيضاً التعرض المتزايد لثقافات أخرى وآفاق تعليمية جديدة، وجميعها ستؤثر في الشباب السعودي وتقود الكثير منهم للمطالبة بمزيد من المشاركة في حكومة تتمتع بالشفافية، وقد لا يطلق الشباب على مطلبهم هذا “ديمقراطية” على الرغم من مطالبتهم بنظام سياسي يمنحهم المشاركة في السلطة؛ لكن إذا واجهت الأعداد المتزايدة من الشباب الباحث عن وظائف في السنوات المقبلة مصاعب اقتصادية بسبب مشكلة البطالة فان تلك الرغبة في إجراء إصلاحات ستتزايد بدرجة كبيرة. ومن الأشياء التي أطلعني عليها الشباب السعودي شعورهم بأن الولاءات العشائرية( التي لا تزال مهمة لنظرائهم من الشباب) تخفت بالتدريج في الوقت الذي تتنامى فيه مشاعر الانتماء للدولة؛ فهذا شاب(23عاماً) من الرياض تحدث عن أصدقاء له قائلاً: “إن ولاءهم للقومية السعودية أصبح أقوى من ولائهم للقبيلة”. ومع ندرة الأنشطة الاجتماعية في المدارس والجامعات السعودية ومع اختفاء دور المجتمع المدني تقريباً، فان هناك طرقاً ينتهجها الشباب السعودي(متجاوزاً دوائر القبيلة) يكتسب من خلالها صداقات عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تسمح بمزيد من التواصل الذي يتجاوز الانقسامات بين الشباب السعودي الذي ينتمي إلى مناطق وقبائل مختلفة. صدمة التظاهرات العربية بالرغم من اختفاء الاحتجاج الصريح تقريباً بين الشباب إلا أنهم يؤكدون أن التظاهرات العربية قد أثرت في الشعب السعودي والحكومة السعودية، ومن هؤلاء شاب (23عاماً) يدرس في جدة قال :”لقد امتلك الشباب السعودي شجاعة تجاوزت مطالبتهم بأشياء سواء كانت حقاً أو امتيازاً أو حلماً، ومشيراً إلى تظاهرات جامعة الملك خالد في أبها أضاف: “كنا نريد أشياءً من قبل لكن الآن نملك شجاعة أكثر لنطالب بها”؛ أيضاً ترى طالبة(19عاماً) بمعهد الدراسات الاسلامية بجامعة الامام محمد بن سعود في الرياض: “كان للتظاهرات في الدول العربية وقع الصدمة خاصة في مجال حرية التعبير، وقد لاحظت ذلك مع صديقاتي عندما بدأن نناقش مسائل سياسية وموقف الحكومة السعودية منها، كذلك علقت والدتي بقولها أن مثل هذه الأشياء لم تعلم بها عندما كانت في مثل عمري”. وطالب آخر(23عاماً) يدرس الطب في جدة أشار إلى الفرق بين جيله وجيل واديه: “الجيل السابق من أكثر الأجيال التي تملكها الخوف فقد علمونا أثناء تربيتهم لنا ألا نتحدث وفقط نذهب إلى أعمالنا وننتظر رواتبنا ونربي اطفالنا، أما الآن فالأمر مختلف فعندما تجالس أي شخص فانك تتحدث بحرية”. ولقد أوضح لي بعض الشباب في المملكة أن الحكومة السعودية أصبحت الآن أكثر استجابة لمطالب الشباب بعد خروج التظاهرات في بعض الدول العربية، وأثناء حديثي مع شاب(23عاماً) بلحية كبيرة وينتمي إلى عائلة دينية محافظة قال: “عمداء الكليات الجامعية الآن يستمعون أكثر إلى الطلبة ربما لأن الطلبة اقلعوا عن التزام الصمت”؛ وعلق شاب(25عاماً) مرشح للحصول على منحة ماجستير في الولايات المتحدة الأمريكية قائلاً: “النقود التي منحنا إياها الملك عبد الله ليست لأنهم يحبوننا (وحتى أكون أميناً معك) ولكن لأنهم يخشوننا”. وفي جرأة قالت طالبة(19عاماً) تدرس الانجليزية في جامعة الامام محمد بن سعود في الرياض: “ربما تجدين حديثي سخيفاً أو يبعث على الهزل لكنني أقول لك أن التظاهرات التي خرجت في دول عربية لم تؤثر فقط في الشعب السعودي ولكن أثرت أكثر في العائلة الملكية وجعلتهم قلقين وخائفين من أن ما حدث في مصر وتونس ربما يصل إليهم لذلك تجدينهم من تلقاء أنفسهم يمنحوننا بعض الحقوق مثل حرية التعبير”. ومدير في مجال نظم المعلومات قام بمساعدة الحكومة السعودية في تطوير مواقعها الالكترونية أوضح أنه منذ بدأت تظاهرات الدول العربية لاحظ شيئاً شديد الأهمية تجلى في عبارة “اتصل بنا” التي أصبحت شعاراً للمسئولين الحكوميين الذين يطلبون من المدراء التنفيذيين ” اعطوا الفرصة لأفراد الشعب للاتصال بنا.”