معتز خورشيد يكتب :الصناعات الإبداعية والثقافية «مصدر القوى الناعمة لمصر»

0

يدور حوار مجتمعى مُكثَّف فى الوقت الراهن حول ضرورة عودة دور مصر القيادى على مستوى المنطقة العربية فى مجال «القوى الناعمة» بصفتها قوى مؤثرة فى تحول مصر إلى مجتمع معرفى مبدع من ناحية، ونظرًا لدورها الفاعل فى استدامة التنمية من ناحية أخرى. وتُعد الصناعات الإبداعية والثقافية المصدر الرئيسى لإنتاج القوى الناعمة لمصر. وترتكز الصناعات الإبداعية والثقافية من حيث المبدأ، على توافر رأسمال بشرى «مبدع» وقادر على الابتكار. فهى تنتج سلعاً وخدمات رمزية مثل الأفكار والرؤى والتجارب والصور والموسيقى من خلال الاستثمار فى «الأصول غير الملموسة». وتعتمد قيمة المنتج فى هذه السلع والخدمات الرمزية على فك المستهلك النهائى (المشاهد، المستمع، أو المستخدم) للشفرة أو الفكرة أو المعنى المتضمن فى المنتج.

وقد أوضحت، فى مقال سابق بـ«المصرى اليوم»، أن مؤشرات التنمية العالمية تشير إلى أن الدول التى حققت معدلات أداء مرتفعة من التقدم العلمى والتكنولوجى والمعرفى توجِّه نسبة عالية من إنفاقها الرأسمالى لصالح الأصول المنتجة للقوى الناعمة. إذ مثلت الصناعات الإبداعية والثقافية بالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال نحو (7.75%) من الناتج المحلى الإجمالى فى بداية الألفية الثالثة. كما ساهمت فى توفير ما يقدر بنحو (5.9%) من فرص العمل على المستوى القومى، وبلغ عائد صادراتها فى نفس الوقت ما يزيد على (85) بليون دولار سنويًا. وقد ساهمت الصناعات الإبداعية والثقافية بالمملكة المتحدة بالمثل فى إنتاج عائد بلغ (112) بليون جنيه إسترلينى فى عام (2002)، بينما أتاحت هذه النوعية من الصناعات ما يعادل (1.3) مليون فرصة عمل. وتفيد المؤشرات الدولية أيضًا بأن عوائد الصناعات الإبداعية والثقافية بأستراليا تقدر بنحو (25) بليون دولار.

وفى ظل تزايد الدور التنموى والمعرفى للصناعات الإبداعية والثقافية على الصعيد العالمى، قام عدد من المؤسسات الدولية والإقليمية بالمفاضلة بين المنتجات الإبداعية والثقافية ووضع التصنيفات الملائمة لها بهدف صياغة خططها الاستثمارية المناسبة. إذ تتبنى منظمة الإنكتاد (UNCTAD) على سبيل المثال، تقسيماً رباعياً يفرق بين المنتجات الثقافية، والفنون الاستعراضية والبصرية، والوسائط السمعية والبصرية والرقمية، وخدمات التصميم والإبداع الأخرى.

وتنقسم الصناعات الثقافية بدورها إلى منتجات التراث (مثل الحرف الفنية، والتعبير عن التقاليد، والمهرجانات الشعبية)، ومواقع ثقافية (مثل المواقع الأثرية، والمتاحف، والمكتبات، والمعارض). أما الفنون الاستعراضية (المسرح، الموسيقى، الرقص،…) والفنون البصرية (الرسم، النحت، التصوير،…) فتحتل مرتبة هامة فى مجال الإبداع. كما تتضمن المنتجات الإبداعية الوسائط السمعية والبصرية والرقمية (مثل التلفاز، والمذياع، والسينما، والكتب، والأعلام، والمحتوى الرقمى، والبرمجيات).

ومن أجل قيامها بمهامها القانونية، تتبنى المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) تقسيم المنتجات الثقافية والإبداعية إلى الإعلان، والأفلام الروائية، والموسيقى، والفنون الاستعراضية، والنشر، والبرمجيات، والتلفاز، والمذياع، والفنون البصرية والجرافيك، بصفتها منتجات تخضع لقواعد حقوق الملكية الفكرية.

وتفيد مؤشرات الاقتصاد والتكنولوچيا الدولية، بأن أداء مصر يمثل نقطة انطلاق مناسبة نحو تطوير قواها الناعمة وزيادة دورها فى جهود التنمية المستدامة والتحول المعرفى. إذ تحتل مصر المرتبة (43) فى مؤشر صادرات الخدمات الابداعية والثقافية، والمركز (39) دوليا فى مؤشر صادرات السلع الإبداعية بدليل المعرفة العالمى فى عام (2018). فى حين تقدر معدلات أدائها بدليل الابتكار العالمى بالمرتبة (28) من ضمن (126) دولة فى مجال السلع الإبداعية فى عام (2018). ومن ثم فإن التقارير التحليلية الدولية للأبداع والابتكار تعتبر هذا الأداء إحدى نقاط قوة مصر فى مجال القوى الناعمة. بيد أن الأمر يتطلب أيضا زيادة استثمارات مصر فى الأصول غير الملموسة من أجل تحسين معدلات أدائها فى مجالات حقوق الملكية الفكرية (المركز 69 عالميا)، وإنتاج العلامات التجارية (المركز 101 دوليا)، والتصميمات الصناعية (المرتبة 57 على المستوى العالمى).

بناءً على ما سبق، فإن هناك ضرورة لأن تصيغ مصر استراتيجية ترتكز على تميزها النسبى فى مجال القوى الناعمة المعتمدة على السلع والخدمات الإبداعية والثقافية بهدف تعظيم معدلات إنتاجها وزيادة حجم صادراتها إلى محيطها العربى والشرق أوسطى، فى ظل رؤية متكاملة تسعى إلى دعم جهود التنمية المستدامة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights