الشاعر محمد فريد ابو سعده يكتب : امرأة وتركَ الصورةَ ومضى

0

امرأةٌ

فى هيئتها الأولى

لم تأخذْ بعد الحنكةَ من رفِّ الذاكرةِ

ولا

نقرتْها الوسوسةُ الهاجسةُ

ولم

تقترفِ النظرةَ فى بئر أنوثتِها

أو

تتملَّى

تتواثبُ فيها الكيمياءُ

تغيِّرُ من شكلِ القارورةِ،

تصهلُ أفراسُ التدويرِ

وأفراسُ التكويرِ

فينحلُّ ويلتمُّ

ويطفرُ مثل عجينٍ

يتخمَّرُ فى بطءٍ ويحولُ

يحولُ

إلى أن يأخذَ شكلا .

تأخذُها الرجفةُ حين ترى فى الخلوةِ

قدَّامَ المرآةِ

أفاعيلَ الربِّ السريَّةِ :

كيف يكورُ نهدينِ صغيرينِ

ويلمسُ بعصاهُ زواياها

فيدوِّرُها

ويرشُّ الزغبَ الهشَّ على سطحِ أنوثتِها

ثم يحكِّكُها ،

يجلوها

حتى تتجلَّى

امرأةٌ

فى هيئتها الأولى

تتوقَّى سناراتِ الأعينِ

حين تمرُّ أمام المقهى

تضغطُ كراس الرسمِ على النهدينِ

وترخى العينينِ

وتمضى

غاضبةً

جزلي!

لا تدري

– تحت الماءِ –

لماذا ينفرُ هذا الجسدُ العريانُ

وماذا تفعلُ

حين يدغدغُ رشاشُ الماءِ

قرنفلةَ النهدينْ

أو

ماذا تفعلُ إذْ ينفتحُ البئرُ

أتسقطُ

أم تتدلَّى

امرأةٌ أحلىَ

تتفتَّحُ فى العينين حدائقُ من عسلٍ

وتشبُّ نمورٌ هانئة ٌ

تتمرَّغُ فى الضوءِ

وتنظرُ للأشياءِ

بعينٍ كسلى

امرأةٌ

فى هيئتِها الأولى

إن مالتْ للعالم مِلتُ

وإن أغْضتْ

أغْضيتُ

ولا أدري

هل كانت تخرجُ منِّى

أم

حتى تخرجَ كنتُ ،

امرأةٌ

راغبةٌ فى العشقِ

إذا همَّ العشاقُ بها

فرَّتْ

وجلى !!

تجوال ليلي

ـــــــــــــــــــــــ

تركَ الصورةَ ومضى

توقّفَ في الصالةِ قليلاً

ثم ذهب..

تأكدَ بنفسِهِ

من غلقِ صنابيرِ الماءِ والغاز

دلفَ إلى حجرةِ النوم ِ وقبّلَ زوجتَهُ

ثم أحكمَ الغطاءَ على الأولادِ

دائمًا الولدُ يرفسُ الغطاء

دائمًا البنتُ تنسى الموسيقى

كل شيءٍ في مكانِه

ابتسمَ

وذهبَ هو الآخرُ

إلى مكانِهِ

في الصورة ِ العائلية !

ـــــــــــــــــــــ

من لي بتعويذة !

ـــــــــــــــــــــــ

صوتُها يأتي من المطبخ،

يتدحرج مثل عملةٍ معدنية

: الغداء جاهز يا بيبي

تلاحظ ُ المناديل الورقية ، المبقّعة بالدم ، فتسألُ مرتاعة ً

: ما هذا ؟!

: اطمئني .

إنها ثلاث نشراتٍ من البثِ ّ المباشر !!

تمنيتُ أن تقوم المدنُ المنهارة من ركامها بحيلةٍ سينمائية ،

هل يكفى إدارة ُ الشريط إلى الوراءِ لينتهي هذا الكابوس ،

هل تصلحُ تعويذة ٌ لتنهضَ البيوتُ من جديد ،

هل تصلح الذكرياتُ كصدمةٍ كهربائيةٍ ،

فتقوم ،

ويقومُ الموتى من موتهم !

الفاروسةُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قابلتُ الدمعة َ

في منتصفِ السِّكةِ بين فمي

والوردةِ

هذا جسدُ امرأةٍ

ممدودٌ كالنخلةِ

مثقلةٍ بالعشق ِ وبالنوم ِ

وتسمحُ لي

أن أقضمَ نهديها

أن توغلَ فى التفاحةِ أسنانُ العاشق ِ

إنى مهتاجٌ

كطيورٍ جارحةٍ

ممتلىءٌ بالشهوةِ

مكسوّ ٌ برخامِ الورع ِ

أنا من آخرِ نسل ِ الرهبان ِ

وأولِ نسل ِ الماءْ

كنا نتلوّى بالعشق ِ

وكان الله يزيحُ الغيمَ قليلاً ويرانا

يبتسمُ ويغمزُ لملائكةِ العرشِ

: أنا أصطنعُ العشقَ

وأختمُ فوق قلوبِ المعشوقينْ

فلماذا تصعدُ أغنية ٌ

من قلبِ امرأة ٍ

” آهْ

لو امتلكتني فقدتني

وإن هجرتني

قتلتني “

الحجرُ المكسوّ ُ بسجّادٍ من ريمِ البحر ِ

قديمْ

أنذا كالصقرِ أحوِّمُ فوق الجسدِ

فلا أنشبتُ ولاخلّيتْ

كنا

نتجولُ فى الغرفِ المسكونةِ بالظلِّ الهشِّ

تحدّقُ فينا الزرقةُ من خلفِ شبابيكِ القلعةِ

مثل عيون الافرنج ِ

أشمّ ُ على سُرّتكِ الناتئة ِ، الواطئة ِ

كعنقِ التفاحة ِ

عرقاً آخرْ

أتحسّسُ فوق النهدين ِ المبغوتين ِ

أصابعَ رجل ٍ آخرْ

ما معنى أن يبتدىءَ العشاقُ العشقَ بأغنية ٍ

لاسعةٍ

” آهْ

لو امتلكتَني فقدتَني

وإن هجرتَني

قتلتَني “

أنذا أتشظّى

كزجاج ٍ يضربهُ السرطانُ

فمن يدخلنى النارَ سوى امرأة ٍ

تفجؤني

خارجة ً من رجل ٍ أخرْ

خارجة ً من زمن آخرْ

أتقشّرُ من ورعي

وأبيحُ لكل طيورى الوقتَ

فهل يسعفُنى الوقتُ

وهل يدخلنا الله ُ إلى مملكةِ النار ِ

كشَعْر ٍ مضفور ٍ

نتوهجُ فى التّو ِ ونصبح فوق العرش ِ

أساف َ ونائلة َ جديدينْ

انتبهي

لابد لنا من شىء ٍ آخرَ غير الموتِ

وغير مكابدةِ الكلماتِ

تعالي

نتخيل أن الأرضَ مكوّرة ٌ كحصاة ٍ

نرميها فى الريح ِ

وأن البحرَ تكوّمَ مثل الخاطئةِ

و مثل الدمعةِ

قال ابنُ أبى سعدةَ : إن المرأةَ فخذان ِ ونهدان ِ

و عُقدتهن السّرة ُ

أما العينان ِ فجوهرتان ِ

تضيئان ِ سبيلَ العاشقْ

سوف أسميكِ نَعيمى

نُعماى ونِعما ً

ونَعيماً متصلا ً

كتهجّد ِ سبعين نبيّا ً في الليل ِ،

وسوف أقولُ لكتابِ الوحي :

انتبهوا

فإذا أمليتُ العشقَ

فخطّوا الصحراءْ

وإذا أمليتُ الرجلَ فخطّوا الساقينْ

وإذا أمليتُ المرأةَ خطّوا السّرةَ والعينينْ

فإذا أخطأتُ فقوموا من خلفي للسجدةِ

سوف أسميكِ الفاروسة َ

والفاروسيّة َ

وأقومُ على أسمائكِ حتى

ليعدّ علىّ التسعونْ

قال ابنُ أبى سعدةَ فى ” تصريف الأشواق” :

هنالك خطأ ٌ شاعَ بأن الأرضينَ على قرني ثور ٍ

تتململُ

والصحّ ُ على قدمين ِ

وقالَ :

السّرّة ُ فاكهة ُ المرأةِ ، عرجونُ النخل ِ

ومتـّكأ ُ الرجل ِ

فقلتْ

انكسرتْ فى قلبى أعشاشُ النحل فيا نُعماى

انفكّي مثل الغيم ِ علىَّ

فحين أموتُ أعودُ

وبعضُ علاماتي

إن شبَّ حريقٌ فى النهدينِ وصار بخارُاللحم ِ

برائحة ِ الصندل ِ

قولى: جاءْ

سأعود إذا نادانى صوتُك ِ

مثل طيورِ نبىِّ اللهِ

بريئا ً من خوفي منك ِ

بريئا ً من خوفي منّى

وجميلاً مثل فرَاش ٍ يهوى النارَ

ولايحترقُ بها

فنغنِّي

” لو امتلكتنى قتلتني

وإن قتلتنى عرفتني

وإن عرفتنى دخلتني

وإن دخلتنى أضأتني

وإن أضأتنى رأيتَ جنّتي

و صرتُ منكَ

وصرتَ منِّي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفاروسة نسبة الى جزيرة فاروس التي بنيت عليها فنارة الاسكندرية ، وبنيت من انقاضها وفيم مكانها

قلعة قايتباي من ديوان “الغزالة تقفزُ في النار” للشاعر المصري الكبير فريد ابو سعدة

Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights