محمّد محمّد الخطّابي يكتب: الصبار .. فاكهة أمريكية تبهر العالم بفوائد غذائية وعلاجات سخية

0

الصبار .. فاكهة أمريكية تبهر العالم بفوائد غذائية وعلاجات سخية


ثمار الصبّار أو الصِّبر حُلوة الطّعم. . ولكنّ نباتها الورقيّة الشّحمية السّميكة مُرّة المذاق. . ، وعسل النّحل حلوُ المذاق وفوائدُه جمّة لكنّ لدغة النّحل حارقة مؤلمة، ولا يؤتىَ العسلُ سوى بصبرٍ وتأنٍّ وأناة.. كما أنه لا تُجنى ثمار الصبّار إلاّ بحذرٍ وحيطةٍ، وفي ذلك حكمة الطبيعة الخلاّقة، ولعلّ قول الشاعر مُستوحىً من هذه المعاني والرموز العميقة إذ يقول: الصَّبر كالصِّبر مُرٌّ في مذاقهِ / ولكنَّ عوَاقبَه أحلىَ من العسَلِ . . !

ينتشر نبات الصبّار على امتداد القارّة الأمريكية مترامية الأطراف، وهو من علاماتها المميّزة، ويوليه السكّان الأصليّون من الهنود عناية خاصّة، فيعملون على زراعته ورعايته. تتعدّد أشكاله وأصنافه وألوانه وثماره، وأشهرُها المعروف عندنا في العالم العربي والأمازيغي بـ”التيّن الشوكي”، والغريب هو أنّ هذه الثمرة تُسمّى في المغرب بـ”الهندي”أو” الهندية” أيّ أنها تُنسب إلى موطنها الأصلي بلد الهنود، كما تعرف في المغرب كذلك بـ”الكرموس الهندي” أو الزّعبول.

وتُسمّى في الرّيف “تهنديث” و”تاروميث” أيّ الرّومية أو الأجنبية، وتُسمّى في سوس وما جاورها، وفي مدينة سيدي إفني وضواحيها (بوّابة جنوب المغرب) “أكناري” أو “تكاناريت” نسبة إلى جزر الكناري أو أرخبيل الخالدات المقابلة لهذه المناطق جغرافياً، وتاريخياً، وعرقيّاً، وإثنيّاً، ربما جلبوها منها، فبقي اسمُها منسوباً إلى هذه الجزر، وقد توارث الآباء عن الأجداد هذه التسميات. ولا يُعرف إذا ما كان الإسبان هم الذين استقدموا معهم هذا النبات بعد اكتشافهم للقارّة الأمريكية عام 1492 أم وصل قبل ذلك منذ أزمان غابرة.

أصلُ موطنِه القارّة الأمريكيّة

تُصدّر المكسيك نبات الصبّار، اليوم، إلى العديد من بلدان العالم؛ منها الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وإسبانيا، وألمانيا وسواها، حيث تصنع منه هذه البلدان نوعاُ من المربّى والبوظة والصّابون وبعض أصناف الشامبو ومراهم لدلك الوجه واليدين ودهانات للتجميل، فضلاً عن أقراص لتخفيف الوزن والتداوي من عدّة أمراض.

أخذ هذا النبات في الانتشار الواسع بعد أن كثر الحديث عن مزاياه الطبية، حيث يُستعمل دواء ناجعا للإقلال من نسبة السّكر في الدم. كما أنه مفيد للبِشرة والأمعاء ويقوّي شَعرَ الرّأس. وفي المكسيك، يؤكل كأيّ نبات أو فاكهة أخرى، حيث يُعتبر من أهمّ مكوّنات المطبخ المكسيكي بعد أن يُنزع عنه شوكه، كما يُنظّف ويُباع في الأسواق، ويوجد في المكسيك وحدها حوالي ثمانين وصفة غذائية منه، إذ إلى جانب مزاياه العلاجية يحتوي على قيمة غذائية كبرى، كما أنه يصلح كغذاء للماشية خاصّة البقر، وأهمّ منطقة لزراعته وإنتاجه في العالم توجد في المكسيك بالذات، وتُسمّى “ميليا ألتا”، حيث تنتج سنوياً من هذا النبات ما يزيد على 300 ألف طن، وتنتشر زراعته في هذه المنطقة على امتداد خمسة آلاف هكتار، وينظّم كلّ سنة في المكسيك معرض خاص بهذا النبات كما استحدثت أسواق لتسويقه وبيع ثماره.

مؤتمرات خاصة

نُظّمت العديد من المؤتمرات العلمية العالمية حول نبات الصبّار، انعقد أوّلها عام 1989 في مدينة سالينو المكسيكية، حيث توصّل المشاركون في هذا الملتقيات العلمية إلى الاعتقاد أن هذا النبات يمكن أن يصلح كاختيار عالمي للحدّ من آفات المجاعة وسوء التغذية؛ لأنه يحتوي على نسبة عالية جدّاً من البروتين والكالسيوم والأحماض وفيتامين “أ” و”س”، وهو غنيّ كذلك بالسيليكون والمنغنيز والصوديوم ونسبة قليلة من الحديد والألمونيوم في شكل البيكاربونات والكبريتات والفوسفات، ويوجد من هذا النبات حوالي 60 صنفاً 13 منها صالحة للأكل.

وصرّح العالم الإنجليزي وارنو هوفمان، في مؤتمر سالينو، بأنه “ممّا يبعث على الاستغراب هو أنّ هذا النبات يُقرن دائماً بالفقر والجهل، في حين أنه يُعتبر مورداً غذائياً مهمّاً ليس لسكان المكسيك وحسب، بل لجميع أولئك الذين يمكنهم الوصول إلى معرفة قيمته الغذائية ومزاياه الطبية” .

وعبّر الباحثان إستبان أوليفيرا وخَبْيير مُونينتيس، بعد أن أجريا دراسات معمقة حول القيمة الغذائية لهذا النبات، عن استغرابهما لعدم استغلاله من لدن المكسيكيين في غذائهم اليومي على أوسع نطاق، و”في حالة قيام المكسيك بإجراء تقييم علي المزايا الغذائية لهذا النبات والعمل على إعداد برامج خاصّة لتشجيع زراعته والقيام بحملات واسعة لتعريف السكان بأهميته كغذاء متوفّر بكثرة، حينئذٍ تكون قد خطت أولى الخطوات للتغلب على مشكل اجتماعي عويص وهو قلة التغذية التي تعاني منها البلاد”.

غذاء المستقبل

وحسب معلومات نشرها قسم النبات في “المعهد الوطني للعلوم البيولوجية” بالمكسيك، فإنّ القيمة الغذائية لكل 100 غرام من ثمار الصبّار هي كما يلي: الطاقة: 0. 27، البروتين :1. 7، الدهون : 0. 1،المعادن : 90. 9، سيليلوز: 6. 7، الهيدرات:5. 6، الكالسيوم: (م. غ)20. 4، الحديد (م. غ)2. 6، الفوسفور:(م. غ)17. 0، فيتامين س(م. غ) 15. 9، فيتامين ب2 (م. غ)004، فيتامين ب(م. غ)003. 1.

وصرّح المواطن الفرنسي جان باربوان، الذي كان يدرّس اللغة الفرنسية في المكسيك، بأنّ أعظم اكتشاف له في هذا البلد هو نبات الصبّار، وكان لا يشغّل أيَّ طبّاخ في منزله ما لم يكن يجيد إعداد على الأقلّ ثلاث وجبات من هذا النبات.

وبعد انتهاء مهمّته مع البعثة الفرنسية وعودته إلى بلاده، فإنه ما زال يعود الى المكسيك كلّ ستة أشهر لتناول أطباق شهيّة من الصبّار اعتقاداً منه أن صحته منذ أن بدأ يتناول هذا النبات قد طرأ عليها تحسّن كبير.

ويُستعمل الصبّار كذلك في بعض بلدان أمريكا اللاتينية، خاصة في المناطق الصحراوية أو الجرداء، كعلف للماشية.

ونظراً لوجوده وقلة ثمنه وارتفاع قيمته الغذائية، فإنّ كثيراً من خبراء التغذية يرون أنه يمكن أن يغدو بديلاً لبعض المواد الغذائية التقليدية، وبالتالي يمكن أن يصبح غذاء المستقبل للعديد من سكان العالم خاصّة في المناطق التي يصيبها الجفاف أو التي تعاني من قلّة المحاصيل.

مزاياه الطبية

ثبت علمياً لدى العديد من علماء التغذية أنّ نبات الصبّار يتضمّن قدراً مهمّاً من البروتينات التي لها تأثير فعّال على حالات صحيّة مثل داء السكري بالخصوص، وأن تناوله كشراب منعش يحافظ على توازن النسب العادية للسكر في الدم، كما ثبتت منفعته في التخلّص من مواد ذهنية معيّنة التي تكون غالبا سبباً في ظهور بعض أمراض القلب، كما يُنصح بتناوله للحفاظ على الوزن.

وقد أجرى بعض العلماء المكسيكيين تجاربَ عديدة بغاية استخراج بعض المواد من نبات الصبّار التي تصلح كعناصر مفيدة للطبّ الطبيعي، وخير مثال على ذلك الأقراص التي تباع في المكسيك خاصة في الدكاكين المتخصّصة في الأعشاب تحت اسم Nopaesbelt هذه الأقراص تساعد على الإقلال من نسبة الحموضة والغازات، وأسيد البوليم، والكوليسترول.

ويشير الدكتور أوليفيرا غومين إلى أنّ بعض سكان المكسيك في القرى ما زالوا يستعملون أوراق الصبّار الشحمية ككمادات وضمادات للحدّ من الالتهاب وعلاجه.

ويشير الطبيبان المكسيكيان ألبرتو فراتي وهيكتور بوغيس أنّ هناك بحوثاً علمية أجريت أخيراً في المكسيك تؤكّد أنّ الصبّار كعلاج مضادّ لمرضى السكري هو أقلّ ألماً وتكلفة، وهو الاختيار العلمي للملايين من الذين يعانون من هذا الدّاء في العالم.

ويؤكد الدكتور خبيير لوسايا أنه لا يوجد نبات طبّي يمكن أن يحلّ محلّ الأنسولين الذي يحتاج إليه مرضى السكرى للتقليل من نسبة السكر في الدم سوى نبات الصبّار.

كما يؤكد الدكتور غِييرمُو رُويليز، من جهته، أنه تأكد بعد إجراء عدّة تجارب في هذا المجال أنّ تناول الصبّار مفيد ونافع للتقليل من الحموضة وبالتالي يساعد على تجنب ظهور قرحة المعدة، كما أنه يعمل على الإقلال من السّمنة وينشط وظيفة الأمعاء وعلاج بعض حالات الإمساك. وقد أمكن للدكتور رويليز التأكد من مدى امتصاص الأمعاء لنبات الصبّار؛ وهو مّا قد يجعل منه بديلاً مهمّاً وأساسياً لعلاج بعض أمراض الأمعاء.

ويرى الدكتور ميشيل أوريبي في الاتجاه نفسه أنه قد ثبت علمياً أن استعمال الصبّار قد يساعد على تفادي ظهور بعض حالات سرطان المعدة.

ويُحكى أنّ القائمين على المعهد الوطني الأنثروبولوجي والتاريخي في المكسيك عندما قرّروا ترميم أحد المباني التاريخية الواقعة في منطقة ميليا ألتا، التي يرجع تاريخ بنائها إلى القرن السادس عشر، اكتشفوا أنّ البناة قد استعملوا في ذلك الوقت المادّة اللزجة أو المخاطية لنبات الصبّار كبديل للطلاء بعد مزجه بالجير لتحسين وتقوية جدران المبنى.

الصبّار وبناء مكسيكو سيتي

وهناك أسطورة نقلها المستكشفون الإسبان عن لغة نيانيو المكسيكية القديمة حول بناء مدينة مكسيكو سيتي مفادها أنه منذ زمنٍ بعيد حطّ نسر كبير في منطقة ” تلاسكو”، ونشر جناحيْه فلم يسعه المكان، فقال إن شعباً صغيراً غير جدير به، وانطلق من جديد في الفضاء متّجهاً نحو منطقة شابولتيبيك.

وعندما وصل المكان مدّ جناحيْه وأطلقهما إلاّ أن المنطقة لم تسعه، فواصل طيرانه نحو منطقة “واشينانغو” وذهب إلى المكان الذي يتجمّع فيه السكان فبسط جناحيْه من جديد وظنّ في البداية أنّ هذا المكان الشاسع سوف يتّسع لجناحيْه، عندئذٍ أطلقهما إلاّ أنّ المكان لم يسعهما هذه المرّة أيضاً لأنّ النسر كان كبيراً جدّاً.

قرّر النسر مواصلة طريقه نحو منطقة مكسيكو، حيث كان هناك نبات الصبّار الذي استرعى انتباهه والذي كان ينتشر بكثرة وسط بحيرة كبيرة ومدّ جناحيْه بعد أن استوى على نبات الصبّار فامتدّ بالتمام في هذا المكان، وكان في إمكانه أن يستدير بجناحيْه في مختلف الاتجاهات. وعندما شاهد الناسُ القاطنون في هذه المنطقة النسرَ أصابتهم الدهشة والذهول، فصاروا يتساءلون كيف وصل هذا النسر إلى هنا؟ ولماذا حطّ على نبات الصبّار بالذات؟

إنهم لم يروا قطّ نسراً في هذا الحجم، فالتفّوا حوله وعاملوه بتشريف وتكريم وطفقت الأفكار تدور في رؤوسهم، إذ ما دام النسر قد حطّ واستقرّ في هذا المكان دون سواه فهذا يعني أنّ هناك شعباً عظيماً في هذه المنطقة، فكروا مليّاً فيما يفعلون في هذا المكان بالضبط الذي توجد فيه مدينة مكسيكو اليوم، فاقترح عليهم بعضُهم بأن يقوّسوا نبات الخيزران الذي يكثر بالمنطقة ليكون أساسا أو قاعدة للمدينة حيث استقرّ النسر، فبادر السكان بالفعل إلى ملء المكان بالخيزران ومزجوه بنبات الصبّار حتى غطّى مستوى سطح الماء وقاموا بعد ذلك بعمل آخر، إذ حاكُوا وشبكُوا الخيزران بعضه ببعض حتى جعلوه كقاع سلّة، ثم وضعُوا عليه كثيراً من التراب، حيث أصبح بإمكانهم تشييد دورهم فوق تلك الغابة الكثيفة من الخيزران.

وشيئاً فشيئاً عملوا على توسيع المكان ووضعوا فوقه كثيراً من نبات السّعد في جميع الجهات، وأهالوا على ذلك مزيداً من التراب، وصار الناس الذين جاؤوا فيما بعد يقومون بما قام به أسلافُهم في توسيع ونشر الخيزران فوق منطقة مكسيكو التي حطّ عليها النّسر فأقاموا بها واستوطنوها.

وعندما تهتزّ مدينة مكسيكو فإنّ قليلين هم الذين يعرفون أنّ سبب ذلك هو قيام المدينة فوق الماء وليس على أرض صلبة، هذا ما فعله الناس بإيعاز من النسر الذي حلّق في أجواء المكسيك يوماً وحطّ فوق البحيرة التي توجد عليها اليوم مدينة مكسيكو.

وظلّ تساؤل الناس مع تعاقب الأجيال، ولماذا نبات الصبّار بالذات؟ وهم اليوم عندما يسردون هذه الحكاية يتذكّرون النسر والأفعى اللذين كانا في المكان، وقد أصبحا فيما بعد الشّعار الرّسمي للمكسيك، وينسون نبات الصبّار والرمز العميق الذي تعنيه هذه الأسطورة.

وقد استرعى نبات الصبّار انتباه الإسبان الأوائل الذين وصلوا إلى هذا البلد ونقلوه معهم إلى اسبانيا ثم إلى جزر الخالدات وبلدان شمال إفريقيا، وقد وجد المستكشفون الإسبان في كتابات السكّان الأقدمين للمكسيك أنّ هذا النبات كان يُعدّ عنصراً أساسياً في طبخهم. كما أنهّم استعملوه في علاج العديد من الأمراض وفي بعض الطقوس الدينية.

وصف الرحّالة الموصلي لنبات الصبّار

الرّحالة الكلداني الخوري إلياس الموصلي (1668- 1683) وهو أوَّلُ رحّالة عَرَبيٍّ إلى القارّة الأمريكيّة في القرن السابع عشر وصف لنا نبات الصبّار وثماره التيّن الشّوكي الذي نقله الإسبان إلى أوروبا، فيقول وهو في البيرو: “وفي هذا الدرب توجد أشجار مختلفة الأجناس، وأكثرها أشجار يسمّونها (نوغال) أوراقها في سُمك كفيّْن وما لها أغصان لكن الأوراق مشوّكة.

وفي طرف الورقة تصير الثمرة ويُسمّى في لسان الهنود (تونا) للمفرد و(توناس) للجمع، وهذا الثمر بقدر بيض الدجاج لكن أصلب منه وداخله حلو كطعم التوت، وهو مُسهّل ومبرّد، فمن خارج الثمرة يصير شوك ناعم فيلزم الإنسان أن لا يمسكها بيده إلاّ بعد أن ينظّفها من الشوك وهذا ممتلئ منه البرّ والجبال في ذلك الإقليم”.

وصف كولومبوس للصبّار

جاء في مذكرات كريستوفر كولومبوس المؤرخة في 16 أكتوبر 1492: “رأيتُ أشجاراً كثيرة من الصبّار لها أغصان متعددة ذات أشكال متباينة، وكلها تقف على جدع واحد، وكل غصن أو فرع فيها يختلف عن الآخر وهي من أغرب أعاجيب العالم لتنوّعها، وسرت بين تلك الأشجار التي كانت من أكثرها جاذبية للعين ممّا وقع عليه نظري عليه هنا حتى اليوم، بساط ممدوم من الخضرة مثلما هو عليه الشأن في شهر مايو في الأندلس. وجميع هذه الأشجار تختلف عن أشجارنا مثل اختلاف الليل والنهار، كذلك الأمر بالنسبة إلى فواكه هذه الأشجار”.

ويقول الرّاهب جوسي دي أكوستا عن نبات الصبّار وثماره: “وشجرة الصبّار مشهورة في إسبانيا الجديدة، وهذا الذي نطلق عليه شجرة هي عبارة عن كومة من الورقات الشحمية السميكة واحدة تلو أخرى، وهي من أعجب ما رأينا من غرائب صنع الطبيعة في هذه الأرض، تنبت ورقة ومنها تخرج أخرى، وفي هذه الأخيرة أخرى وهكذا حتى آخر ورقة.

وكلما تنبت أوراق في أعلى وعلى الجانبين فإنّ الأوراق السفلى تزداد سمكاً وغلظاً ويصل بها الأمر إلى أن تفقد شكلها الأصلي وتتحوّل إلى جذع ذي أغصان تعلوها الأشواك، وهي شجرة خشنة قبيحة الشكل.. ولهذا يُسمّى النبات بشوك النساج الصبار أو شوك الدراج”.

ويضيف دي أكوستا قائلاً: “وهناك أشجار أخرى لنبات الصبّار، وهي حتى وإن كانت لا تعطي تلك الفاكهة فهم يزرعونها بكثرة ويولونها عناية خاصّة؛ ذلك أنهم يستخرجون منها سائلاً يصلح للدباغة.. وهذا النبات عندما يًزرع بشكل جيّد تخرج منه بعض الدويدات (دودة القرمز) تلصق به، فيأخذونها بعناية وهي مشهورة في بلاد الهنود يستعملونها في الصباغة”.

ويشير الراهب توربيُو دي بينانبتي، كذلك في الموضوع نفسه: “وهناك أنواع أخرى من ثمرات نبات الصبّار ذات لون شديد الاحمرار، وهي ليست مُستحبّة إذ أنها تلوّن كلّ شيء لمسته، فحتى لون بول الذي يتناولها يكتسب لونَها بحيث يغدو وكأنه يشبه لونَ الدم أو أقل منه بقليل”.

التّونا أو التيّن الشّوكي في المغرب

وهناك أشجار الصبّار الأليفة، وهي تعطي فاكهة مستحبّة في بلاد الهنود تُسمّى “تونا” (أيّ التين الشوكي)، وثمرتها أكبر حجماً من فاكهة الخوخ أو البرقوق، وهم ينزعون عنها قشرتها الغليظة وبداخلها فاكهة ملحّمة وحُبيبيّة تشبه حبّاتها حبّات التين، وهي لذيذة الطعم وحلوة المذاق جدّاً خاصة منها ذات اللون الأبيض”.

وهذا النوع بالذات من التين الشوكي يكثر في شمال المغرب وفي جنوبه، ويطلق عليه العوام في الرّيف اسم “الدلاّحية”. كما يكثر التّين الشّوكي في منطقة سيدي إفني بوابة الدخول إلى جنوب المغرب، ولقد عاينتُ ذلك بنفسي حيث رأيت جبالاً كبيرة تغطيها نباتات التين الشوكي من كلّ جانب، خلال رحلة قمتُ بها إلى تلك المنطقة وهم يستعملونه كمربىّ، وفي العديد من الصّناعات، ويُقام له هناك مهرجان سنويّ كبير يستقطب العديد من الزوّار من داخل المغرب وخارجه.

وتُنتخب خلاله ملكة جمال التيّن الشوكي، ويبلغ ثمن الليتر الواحد من الزّيت المُستخرج من حبيبات التين الشوكي قرابة ألف دولار، ولا بدّ أنّ الصبّار موجود ولا ريب في سائر البلاد العربية كذلك. ويلاحظ القارئ مدى التقارب أو التشابه في النطق والمعنى في كلمة “التّين” العربية المذكورة في القرآن الكريم وبين كلمة “تونا” المُستعملة في المكسيك للدّلالة على هذه الفاكهة الشّوكية التي يُطلق عليها في إسبانيا “شونبو”، وتسمّى في اللغة العربية كما هو معروف بـ”التين الشوكي” للتفريق بينها وبين فاكهة “التين” المعروفة والمنتشرة في مختلف أرجاء العالم .

****

نقلا عن https://www.hespress.com/

*كاتب من المغرب عضو الأكاديميّة الإسبانيّة – الأمريكيّة للآداب والعلوم – بوغوطا- كولومبيا.

Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights