جار النبي الحلو يكتب : حين أُعلنت وفاة محفوظ دخلت حجرتى.. أغلقت الباب وبكيت

0

‏١١ ديسمبر‏، الساعة ‏١٢:٥٣ م‏ · 


ولدت فى العام 1947، العام الذى صدرت فيه الطبعة الأولى لرواية «زقاق المدق» لكاتبنا الأستاذ نجيب محفوظ، وخلال المرحلة الإعدادية تعرفت على السيد أحمد عبد الجواد فى «الثلاثية» وعباس الحلو فى «زقاق المدق»، وسعيد مهران فى «اللص والكلاب»، ونفيسة فى «بداية ونهاية»، وآل عاكف فى «خان الخليلى»، غمرنى سحر كتابات نجيب محفوظ وعذابات شخوصه وأفراحهم القليلة، كنت أشترى رواياته لأتباهى بها، ولم أكن أتصور يوما ما أننى سأرى هذا الأستاذ، ولكن فى يناير 1970 نشرت أول قصة بجريدة «المساء» فى صفحتها الأدبية التى قدمنى فيها الفارس النبيل عبد الفتاح الجمل، وأقول بعدها مباشرة أخذنى الكاتب الجميل إبراهيم منصور، وكان يجرجرنى من يدى حتى مقهى «ريش» وهناك كان جالسا وحوله مجموعة من الكتاب والأدباء، نجيب محفوظ، ذهلت، وضحك إبراهيم منصور ضحكته المجلجلة وقال لنجيب محفوظ: الواد جار جاى مصر يعمل إيه؟!.. خليه يرجع بلده. ضحك نجيب محفوظ ومد يده لى، انحنيت وسلمت، ونهض من كان بجواره من مكانه، وجذبنى الأستاذ بحنو وأجلسنى وربت علىّ وقال لهم: جار فى حمايتى. واهتز كيانى كله لأننى لم أصدق أن يده تلمس كتفى. وتكرر اللقاء على مقهى ريش، كنت أسمع له وهو يحكى فى السياسة والتاريخ والأحزاب والفن، ضحكته العذبة تشدنى، وحين يسألنى يميل برأسه إلى ليسمع الإجابة، أحيانا تعجبه إجاباتى، وأحيانا يقول لى: شوف يا جار. ثم يفهمنى ويرشدنى، ويبتسم، صار بالنسبة لى الأب الذى بدأ فى تربيتى من جديد.
أنا الذى حصل على نوبل.. مصر كلها حصلت على نوبل. هكذا هتفت فرحًا حين شرفت به جائزة نوبل عام 1988.
بعد مراسم الاحتفال فى القصر الجمهورى، وبعد أن قدم له حسنى مبارك قلادة النيل بمناسبة فوزه، تركنا صالة المسرح لنجد أنفسنا فى قاعة كبيرة جدا وواسعة ومغلقة، كنا ممثلين لكتاب وفنانى مصر، جريت إلى نجيب محفوظ واحتضنته، وضعت رأسى على كتفه، كان نحيلا مثل أبى.
من اللحظات الهامة فى حياتى تلك التى شاركت فيها بفرحتى معه، لحظتها كنت مزهوًّا بالكاتب والكتابة، بالانتصار للأدب والفن والعقل، وكان الرئيس مبارك يتجول بيننا، يبتسم، وينصت، ويتحدث، ويمشى من هنا إلى هناك، وحين مر بجوارى قلت له: «أولاد حارتنا» يا ريس. وقف فورا وواجهنى، وسألنى: ما لها ولاد حارتنا. قلت له: مطلبنا بطبع الرواية فى مصر، وكان محظورا نشرها، وقلت له: لا ينفع الاحتفال بنجيب محفوظ أمام العالم والعالم كله يعرف أن أولاد حارتنا ممنوعة من النشر. صمت الرئيس لحظة ثم سألني: أنت قرأتها؟، قلت: أيوه. قال: احكها لى. ابتسمت وقلت إنها رواية كبيرة، فسألنى باهتمام بالغ: قرأتها فين! قلت على فكرة هى نشرت زمان فى جريدة «الأهرام» – 1959- قرأتها فى طبعة لبنانية. صمت لحظة ثم قال: ستنشر.
فى اليوم التالى على صفحات الجرائد الأولى كان خبر نشر رواية أولاد حارتنا كما صرح الرئيس لأديب شاب. وتأخر هذا كثيرا.
بمناسبة الاحتفال أصدرت وزارة الثقافة كتابا بعنوان «نجيب محفوظ.. نوبل 1988» وهو كتاب تذكارى كتب فيه كبار كتابنا ورموزنا الحقيقية، وأخذت نسخة من الكتاب ووقفت أمام الأستاذ وقدمته له ليكتب لى إهداء، فكتب:
«أخى جار النبى الحلو
مع إعجابى
7/11
نجيب محفوظ».
وظلت هذه شهادة أطل عليها من حين لآخر، مرة تصحبها دمعة، ومرة فرح.
فى الاحتفالية كان توزع لوحة فنية رائعة من رسم الفنان صلاح عنانى ويتصدر اللوحة نجيب محفوظ جالسا على الكرسى وحوله بعض من شخصياته الشهيرة، اللوحة معلقة عن يمينى فوق مكتبى حتى هذه اللحظة، حين أعلنت وفاة كاتبنا الكبير، الأستاذ، دخلت حجرتى، أغلقت الباب، وبكيت.

Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights