د. نعمان جلال يكتب ل مصر المحروسة . نت :اكتوبر بين الحرب والسلام في الضمير العربي

0
يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام “الا لله في ايامكم نفحات فتعرضوا لها” ولا شك انه كما فضل الله بعض البشر على بعض وفضل بعض الانبياء على بعض وكذلك اختص الايام والشهور بنفحات خاصة دون ان يعنى ذلك اي اقلال للايام الآخرى وانما هي ميزات اضافية للبعض مع احترام القاعدة الاساسية القائمة على المساواة لان الجميع من خلق الله تعالى. من هذا المنطلق برز شهر أكتوبر من الشهور المباركة والذي شهد حدوث تغيرات هامة في  العالم ومنها نجاح الثورة الصينية والثورة السوفيتية وغيرها ولكن ما يعنينا في هذا المقام هو ان هذا الشهر شهد واقعة تاريخية هامة ارتبطت بتطور المنطقة العربية وتتمثل في حرب أكتوبر 1973 والتي وقعت مواكبة للعاشر من رمضان المبارك. والذي وقعت فيه غزوة بدر فاتحة انتصارات الاسلام. ولقد ظهرت دراسات عدة تتناول هذه الحرب من زوايا عسكرية وسياسية واقتصادية ونفسية وما تزال ذكرى هذا الحدث تستدعي المزيد من التفكير والتأمل بين الحين والآخر، لان بعض الاحداث ليس من السهل سبر غورها أو استكشاف كافة ابعادها وآثارها في وقت قصير لان ضخامة الحدث تؤدي إلى تداعيات متتالية تظهر نفسها وتكشف ردود الافعال المرتبطة بها كلما تقادم الزمن. ولقد حاولت في دراسة سابقة استكشاف بعض الابعاد والاثار بعنوان “آثر حرب أكتوبر على الحياة العامة وعلاقات مصر الدولية” نشر من الهيئة المصرية العامة للكتاب وهو من تأليف مشترك مع الدكتور المستشار بمجلس الدولة مجدى المتولى. كما ظهرت عدة دراسات عسكرية واقتصادية في الندوات العديدة التي عقدتها اكاديمية ناصر للعلوم العسكرية ونشرت في عدة مجلدات بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتلك الحرب. ولكن في تقديري أن الايام تتوالى وتكشف عن أبعاد جديدة أو عن أبعاد كانت معروفة ولم يسلط عليها الضوء الكافي. ولعل في مقدمة تلك الابعاد الجانب العربي في هذه الحرب. فمن المعروف أن الجانب العسكري لحرب أكتوبر يتمثل في أسمى مظهر له في طابع المفاجأة الاستراتيجية التي أنهكت العدو الاسرائيلي وأخذته على حين غرة ومن ثم أوقعت به الهزيمة في الايام الاولى للمعركة واضطر إلى الاستغاثة العاجلة بالولايات المتحدة وواجهت كل من جولدامائير رئيسة وزراء اسرائيل وموشى دايان وزير دفاعها آنذاك حالة شبه انهيار نفسي وكارثة بعد المفاجأة العسكرية بعبور القوات المصرية حاجز مائي ضخم وهو قناة السويس، وحاجز ترابي منيع هو خط بارليف وهو مالم يتصوره القادة العسكريون في اسرائيل بل وبعض المفكرين والكتاب المصريين والعرب والذين كتب أحدهم قبل ذلك ببضعة شهور مقالات تظهر حاجز القناة وخطبارليف بأن اقتحامهما من شبه المستحيلات وقد أدت تلك المقالات آنذاك لموجة من الاحتجاج في الدوائر العسكرية المصرية لأنها كانت تحمل نوعا من الاحباط وبعث اليأس، ومن هنا عندما تعالت صيحة الجنود والضباط المصريين وهم يقتحمون خط بارليف ويهتفون “الله أكبر” كان ذلك إيذاناً وتأكيداً بأن النصر من عند الله لمن يعملون من أجله ويتمسكون بحقوقهم ويسعون من اجلها، وإن النصر مع الصبر وهو أيضا مع الاعداد الجيد للقوة والاستراتيجية والتكتيك السليمين كما حدث في غزوة بدر حدث في أكتوبر 1973. وقد تعززت عملية حرب أكتوبر المصرية السورية بايدي بيضاء من بعض الدول العربية على ثلاث جبهات: الاولى: والاهم هي موقف الدول العربية البترولية التي قامت بفرض حظر بترولي على الدول المؤيدة لاسرائيل ومن ثم دخل سلاح البترول المعركة لأول مرة وأدى هذا لتعاظم المكانة العربية لانه عكس وجود إدارة عربية قادرة على اتخاذ القرار من أجل المصلحة العربية العامة غير مكترثة بالنتائج والضغوط هذا من ناحية، ومن ناحية آخرى ارتفعت أسعار البترول في السوق العالمي مما أدى مكسبا لمصلحة الدول البترولية فكأنها لم تخسر شيئأ بل على العكس كسبت إحتراماً ومكانة وأموالا. وكان ذلك دليلاًعلى بُعد نظر القيادات العربية من ناحية وعلى وجود تضامن عربي حقيقي كامن ظهر للعيان في اللحظة المناسبة. الثانية: مشاركة رمزية من بعض الدول العربية الاخرى بقوات أو بمعدات عسكرية. أيا كان حجم تلك المشاركة ومحدوديتها فإن الدلالة الرمزية هي الأهم لأنها عكست وحدة المصير وإنصهار الدم العربي معا للدفاع عن المصلحة العربية والكرامة العربية. ولا ينبغي أن ننسى أن تدخل مصر في حرب 1967 كان استجابة ودفاعاً عن الأمن القومي العربي لأن سوريا تعرضت لتهديدات آنذاك كما أن الأردن كانت تحت ضغوط إسرائيلية مكثفة. الثالثة: مشاركة سياسية عربية فاعلة في دهاليز الامم المتحدة حيث نشطت المجموعة العربية مؤيدة من دول عدم الانحياز والدول النامية وغيرها من الدول المحبة للسلام، كذلك نشط السفراء العرب في مختلف دول العالم في إتصالاتهم مع المسئولين في تلك الدول لشرح وجهة النظر العربية. كما كثفت القيادات السياسية العربية إتصالاتها الدولية لتأييد الحق العربي. وهكذا شعر كل عربي بان ما تحقق من نصر أكتوبر إنما هو نصرله وهو رد إعتبار للعسكرية المصرية بإعتبارها جزءاً لا يتجزأ من العسكرية العربية بل إن مصر دائما في مقدمة الصفوف العربية عسكرياً وسياسياً، كما شعر كل مواطن عربي بفخر واعتزاز لأن أي نصر لمصر هو نصر للعرب كما إن أي هزيمة لها هي هزيمة للعرب ومن ثم ساعدت حرب أكتوبر على تعزيز اللحمة العربية في العمل وفي الاحاسيس والمشاعر. ولقد قال لي البروفسور من شفيع اجواني رئيس جامعة جواهر لال نهرو آنذاك وهو مسلم ومتخصص في الشرق الاوسط. “إن حرب أكتوبر جعلت العرب القوة السادسة في العالم بعد الدول الخمس دائمة العضوية في الامم المتحدة”. لقد أطلقت حرب اكتوبر عملية السلام في الشرق الاوسط بعد أن ظلت تراوح مكانها وتدور في حلقات مفرغة منذ حرب 1967 وصدور قرار مجلس الامن الشهير رقم 242 ومباحثات جونار يارنج مبعوث الامم المتحدة ومبادرات دولية واقليمية عديدة وقرارات لا تحصى ولا تعد صدرت من المنظمات والمؤتمرات الدولية والاقليمية ولكنها كانت أشبه ما تكون بالمحاورات البيزنطية قبل حرب اكتوبر وتحول جزء منها إلى حقائق ملموسة لان الشعار الحقيقي الذي رفعه الزعيم جمال عبدالناصر بعد حرب 1967 إن ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة كان يعبر عن الفلسفة الواقعية للسياسة الدولية ومازال هو القانون الذي يحكم مسيرة هذه السياسة والتصرفات بين الدول. ولقد ظهرت ثلاث نتائج جانبية لهذه الحرب ولإستخدام سلاح البترول العربي فيها وهي: الأولى:مبادرة الحوار العربي الأوروبي وكانت تستهدف إرضاء العرب والتعبير عن الندية في التعامل معهم والأخذ في الحسبان مصالحهم، ولكن مع مضي السنين وتقادم الحدث تراجع هذا الحوار وتغلبت وجهة النظر الاوروبية على وجهة النظر العربية. وكما هو معروف كان الحوار يدور حول معادلة المصالح الاقتصادية الاوروبية مقابل التأييد السياسي للقضايا العربية العادلة. ولكن تدريجيا ضمنت أوروبا مصالحها ثم تراجع تأييدها السياسي ووضعت له شروط وقيود ولذلك توقف الحوار وتراجع الإهتمام به وبرزت على إثره حوارات جديدة ومفاهيم جديدة للتعامل الجزئي والاقليمي وأحيانا الفردي مع الدول العربية، ومن ثم ضعفت الشوكة وتراجعت القوة الشاملة لصالح مصلحة الدول فرادي. الثانية: التعاون العربي الافريقي والذي تم تدشينه في مؤتمر مشترك للطرفين في القاهرة عام 1977 وكانت المصالح المشتركة للطرفين متشابهة في مقاومة الاحتلال والعدوان والدفاع عن السيادة الوطنية، وأدى إرتفاع أسعار البترول إلى معاناة بعض الدول الافريقية والدول النامية لذلك قدمت لهم الدول العربية سعراً مخفضاً للبترول الذي يستوردونه كما قدمت مساعدات مالية وأقامت عدة مشروعات. ولكن لم تكن بالقدر الكافي الذي تطلع إليه الاخوة الافارقة ثم جاءت التطورات اللاحقة وأدت إلى تجمد الاطار الدولي للتعاون العربي الافريقي وانحصاره إلى التعاون في المجال الثنائي وهو ما أدى إلى إنتهاء الغرض الحقيقي منه. الثالثة: بروز تجمع الدول المنتجة للبترول “الاوبك” وتعاظم قوتها، ولكن في مواجهتها ظهر تجمع غير رسمي للدول المستهلكة وخاصة الغربية التي بدأت تبحث عن مصادر جديدة للطاقة وأيضا عن بدائل آخرى فضلا عن ترشيد استهلاكها ومارست ضغوطاً مكثفة على الدول المنتجة للبترول وخاصة العربية وأقنعتها بضرورة المحافظة على التوازن الاقتصادي الدولي وعدم رفع الاسعار وأنتهى الامر كله بأن فقد سلاح البترول فاعليته وأصبح مجمداً بل أن البعض أصبح يعتبره سلاحا خطراً إذا لجأ العرب إليه لأن ضرره الأن أكثر من نفعه. ولاشك إن هذا من حيث الصورة العامة قد يبدو صحيحا ولكن هناك وجهات نظر أخرى وآليات آخرى يمكن اعتمادها للافادة من تأثير هذا السلاح لخدمة المصالح العربية. وهكذا عاد الموقف العربي بعد مضي ما يقرب من خمسة واربعين عاما على حرب أكتوبر نقول عاد من جديد إلى نقطة البداية، وعادت المبادرات الدولية من أجل السلام، وكذلك المبادرات الإقليمية وبخاصة العربية يتم طرحها دون تجاوب حقيقي من الاطراف الدولية أو من الخصم الاسرائيلي  كما في مبادرة الملك فهد التي اقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002  ومع هذاالذي استمر القمع الاسرائيلي يجثم على صدور الفلسطينيين وقلوبهم وأرضهم ويقتلع أشجارهم ويدمر منازلهم ويحرق مزارعهم ويصادر أراضيهم. ولا شك أن هناك سلسلة من الاخطاء ارتكبت من بعض القيادات العربية في هذه الدولة أو تلك في مراحل تاريخية مختلفة أدت إلى فقدان الكثير من أدوات القوة العربية وإلى حالة الضعف التي يعيشها العالم العربي في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة. ولكن الاكثر خطورة هو ما تعرضت له الامة العربية والاسلامية بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 نتيجة العمل الارهابي في واشنطن ونيويورك وانطلاق القوة الامريكية الضخمة لمقاومة الارهاب الذي تم الصاقه  بالاسلام ومن ثم جرى تشويه الطابع العربي والاسلامي وأصبح العرب بوجه عام موضع شك وريبة حيثما وجدوا في كثير من الدول الغربية وعلى الاخص في الولايات المتحدة. ومن هنا نقول إنه بمناسبة ذكرى حرب اكتوبرالمجيدة وما أعادته للكرامة العربية، وما أدت إليه من انبعاث القوة العربية، إنه قد آن الاوان مرة ثانية أن نبحث عن منطق جديد ويقظة وصحوة جديدة تعبران عن روح أكتوبر وتدرس آثارها ومصادر قوتها والمزالق التي تعرضت لها المسيرة وأن تعيد بعض الحياة لروح الامة العربية لتستطيع مقاومة التحديات والضغوط التي تمارس ضدها. وليس لدى أدنى شك أن مصادر القوة العربية قائمة ويمكن إستخدامها في اللحظة المناسبة ولكن ذلك كله يحتاج إلى المبادرة بترتيب الأوراق، ودراسة استخدامها في الوقت المناسب ووضع استراتيجية وتكتيك صحيحين في اطار عربي شامل بقدر الامكان مع وجود فلسطيني موحد يحارب العدو بمنطق وليس بالشعارات أو الاعمال الانفرادية التي أدتللكثير من الكوارث على هذا الشعب الفلسطيني البطل نقول إن مواجهة الموقف الملائم بالاسلوب الملائم هو الوسيلة الناجحة حتى يصبح العرب من جديد موضع إحترام الاصدقاء والاعداء على حد سواء كذلك نتمني أن يعود الفلسطينيون الي رشدهم ووحدتهم ويتخلوا عن الصراع  فيما بينهم ويتركوا التشكيك في بعضهم البعض ويتركوا ارتباطهم بالدول الاخري في المنطقة او في العالم وعليهم أن يدركوا أن الله لا يساعد إلا من يساعدون أنفسهم وان اعداد القوة اساسه وحدة صفوفهم. ———————————————– **خبير الدراسات الاستراتيجية الدولية
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights