مصطفى نصر يفتش فى الذاكرة : الستات والطلاق

0
زمان، أيام الشباب، كنت في كل يوم جمعة، أذهب إلى بيت عبد الله هاشم في باكوس سيرا على الأقدام. ، وأحيانا أمر على بيت محمود عوض عبد العال، في الظاهرية، فأجده في الدور الأرضي من بيته، الذي اتخذوه ” مأذونية ” فقد كان والده مأذون الضاحية.  في ذلك اليوم كان محمود عوض يسجل في دفتر كبير أمامه، ويساعده رجل أسمر ممتلئ، وجاءت سيدة جميلة ومعها قليل من الرجال، قالت لمحمود في ابتسام: – أريد أن اتطلق. فقال محمود: – ما عندناش طلاق. قالت وهي مازالت مبتسمة: – إننا متفقين على كل شيء. أعرف أن الطلاق يؤدي دائما لبكاء المرأة، حتى لو كانت راغبة فيه، ربما للصدمة، لكن هذه المرأة كانت مبتسمة وسعيدة طوال الوقت. قلت لنفسي ربما لو تم الطلاق ستنهار وتبكي. تدخل بعض الرجال، لكن محمود أصر على الرفض، قال: – دفتر الطلاق في المحكمة. وتدخل رجل آخر، فقال محمود: – فيه مأذون قريب من هنا ( وأخذ يصف لهم مكانه) فذهبوا. سألته: – لماذا رفضت طلاقهما؟ قال: نحن في منطقة شعبية، لو رجل طلب من زوجته أن تعد له أرز، وجاء من عمله، فوجدها قد أعدت مكرونة يطلقها. فيجب أن نحد من هذا. وقال الرجل الذي يساعده: – في أيامنا هذه تحدث أشياء غريبة، رجل كاره لزوجته، فيذهب للمأذون ويطلقها غيابيا، ويكتب عنوان البيت خطأ، فيبحثوا عن العنوان لا يجدونه، فيعيدوا قسيمة الطلاق للمحكمة، ويظل هذا الرجل يتعامل مع زوجته معاملة الأزواج، ولا تكتشف إنها مطلقة إلا بعد موته، عند حساب المعاش. وكنت أنظر من شرفة بيت عمي، فوجدت امرأة في منتصف العمر، ترتدي فستانا أسود، ومعها مجموعة من الرجال، وصلوا إلى دكان ” المأذون ” – القريب من بيت عمي – بعد العصر بقليل. فوجدوه مغلقا. وقفت المرأة وحدها شاردة وحزينة، والرجال تباعدوا واكملوا حديثهم. فرمى زوجها سيجارته واقترب منها في وجل. مد يده لمس خشب الباب المتآكل، فتابعته وقد أشاحت بوجهها إلى الناحية الأخري في غضب. اقترب منها أكثر، ابتسم قبل أن يتحدث، ثم أمسك كم فستانها وتحدث معها في صوت خافت. بكت المرأة وصاحت. فمد يده ناحية كم فستانها ثانية وابتسم، فأكملت حديثها الغاضب والعاتب. لمس كتفها وابتسم. ثم شد يدها فأبعدتها عنه وهي مازالت تتحدث حديثها الغاضب، داعبها وهمس لها فلانت قليلا؛ وتحدثت في صوت أقل حدة، شد يدها، فسارت خطوات قليلة أمام دكان المأذون المغلق وكادت تقع، لكنه أسندها وسارا معا. اكتشف الرجال ما حدث فساروا خلفهما وعادوا جميعا من حيث جاءوا. هذا ما شاهدته بالتفصيل، يعني لو وجدوا دكان المأذون مفتوحا لتم الطلاق، واتخرب البيت. يا من تدعون أنكم رجال دين إسلامي، اتقوا الله في المسلمين، فالطلاق الشفهي سبب خراب بيوت كثيرة، وتوثيق الزواج لم يبدأ في مصر إلا في عام 1930، وكان كل الزواج شفهيا، وبالطبع سيكون الطلاق شفهيا. لكن الآن مادام الزواج موثق، فلا يتم الطلاق إلا موثقا. والله لو كان الأمر بيدي لمنعت الطلاق على يد المأذون، ولا يتم الطلاق إلا على يد قاضي يبحث ويعيد النظر والتدقيق، ثم يقول كلمته، خراب البيوت ليس سهلا.
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights