د. محمد نعمان جلال يكتب السياسة والاقتصاد بين واشنطون وبكين

0
  منذ  أواخر الحرب العالمية الثانية ظهر علي الساحتين السياسية والاقتصادية ما عرف بتوافق واشنطن من ناحية ومدرسة شيكاغو في الاقتصاد ومن ناحية اخري سياسة الاحلاف العسكرية في الناتو وانتشارها في عدة مناطق في العالم.لم تكن الصين في تلك الفترة قوة كبري عالمية في القرن العشرين وإن كان لديها كافة الامكانيات لتحقيق ذلك .ويرجع الفضل في حدوث تغير جوهري في الصين سياسة واقتصادا ومنهجا في العلاقات الدولية للزعيم الصيني رائد الانفتاح الاقتصادي دنج سياو بنج  ثم خليفته الصاعد الرئيس الصيني الحالي شي جينبينج. وإذا كان دنج دعا الي الانفتاح الاقتصادي تحت شعار الاشتراكية بخصائص صينية معتمدا علي التراث الثقافي الصيني في تحديد وبلورة السلوكيات فان الرئيس الصيني الحالي شي جينبنج اعتمد علي التراث الصيني العظيم ومدارسه الفكرية المتعددةوهو فكر لديه السبق في مجالات فلسفية وعملية عديدة واستدعاء ذلك الفكر أو بعض مدارسه  المتخصصة والمعتمدةعلي الحضارة الصينية مع صبغها بصبغة القرن الحادي والعشرين ومن هنا قدم فلسفة رئيسية في الاقتصاد والسياسة تعتمد علي عدة ركائز منها:
  • الكسب للجميع
  • التعاون والتنمية وليس المساعدات والمنح والهبات
  • انشاء مجموعة من البنوك والمؤسسات المالية التي تقدم قروضا للبنية الاساسية
  • اعتمادشعار”الحزام و الطريق “كوسيلة للإنعاش والتعاون الاقتصادي
ومن هنا تلعب المؤسسات الاقتصادية التي تساهم الصين في تمويلها والتي طرحت أفكارها وخطط عملهامختلفة عنما سمي مؤسسات بريتون وودز التي كانت نتيجة الفكر الرأسمالي الامريكي والأوروبي ونتيجة مدرسة شيكاغو  في سياسة التقشف  والحد من الدعم للسلع مقابل الاصلاح الذي أدي في حالات كثيرة إلي كوارث اقتصادية في دول أمريكا اللاتينية والشرق الاوسط  وإفريقيا. ان فلسفة  مؤسسات بريتون وودز تقوم علي ربط التعاون الاقتصادي بالتبعية السياسية للقوي المهيمنة ولعل نموذج وقف امريكا لتمويل المشروع التنموي لبناء السد العالي بأسوان عام 1956 مما أدي إلي العدوان الثلاثي إثر تأميم مصر عبد الناصر لشركة قناة السويس لتمويل المشروع. الذي اطلع بالدورالرئيس فيه انذاك الاتحاد السوفيتي والعمالة والخبرات المصرية .  في عام 2008 واجه العالم أزمة مالية تحولت لازمة اقتصادية ومالية عالمية ولها تداعيات سياسية فأعاد الغرب اقتراح نفس التفكير التقشفي من خلال مؤسسات بريتون وودز  بينما الصين بادرت من خلال مدارسها الاقتصادية في جامعات بكين وشنغهاي بوجه خاص إلي اطلاق مبادرة الحزام والطريق ثم التمويل بعدة مصارف وصناديق للمشروعات في اسيا وإفريقيا.وقد شعرت الولايات المتحدة أن طريق الحرير يهدد سياستها في أسيا الوسطي وفي أفريقيا وإن المؤسسات المالية  التي اطلقتها الصين ودعمتها بمعظم رؤؤس الاموال تهدد احتكارها لمؤسسات بريتون وودز وانتهجت عكس سياسات مدرسة شيكاغو التي تسببت وما تزال تتسبب في رفع الدعم عن الطبقات الفقيرة والعمل لمصلحة الاغنياء. ومن هنا اطلقت عدة مؤسسات مالية جديدة مثل البنك الاسيوي لتمويل البنية الأساسية وأيضا صندوق لتمويل مشروعات طريق الحرير البري.ولم تطلب الصين من الدول النامية تنازلات سياسية كما يفعل الغرب وإنما  طلبت شروطا اقتصادية مثل دراسات الجدوىوالبنية القانونية ونحو ذلك من شروط تؤدي لنجاح المشروعات لمصلحة الشعوب والدول. ولم تطلب تطبيق مبادئ مدرسة شيكاغو الاقتصادية الامريكية في التقشف بل عمد الفكر الصيني لسياسة التوسع في الانفاق وتعزيز البنية الاساسية ونشر مفهوم الادارة والتدريب المهني ونقل الخبرات والتكنولوجيا للدول النامية. وهنا نقول إن ثمة فارقا كبيرا بين المدرستين وما أصبح يطلق عليه توافق واشنطن وتوافق بكين  وهو توجه اقتصادي وسياسي مختلف في المضمون و الفلسفة والإجراءات التنفيذية بل إن توافق بكين يحرص علي مساعدة الدول الغنية أيضا فالصين  من اكبر المساهمين في تمويل السندات الامريكية لبنك الاحتياطي الامريكي بلا قيود أو شروط .أي أنها تساعد منافسيها لإيمانها بان التقدم الاقتصادي لكافة الدول هو ركيزة للتقدم والاستقرار السياسي ونستذكر هنا الشعار الصيني المشهور والذي تم الترويج له عبر مجموعة من المؤتمرات الدولية التي تم عقدها بمبادرة صينية وعلي أرض صينية وهو شعار “العمل معا والتنمية معا والازدهار معا ” ولقد شاركت كخبير في عدد من تلك المؤتمرات والندوات وفي البداية كنت أعتقد أنها شعارات من قوي من المثقفين والأكاديميين ولكن سرعان ما تحولت إلي حقائق علي أرض الواقع وانطلقت المؤسسات التمويلية في تقديم القروض والمنح للمشروعات لتنموية في الدول المختلفة وتعزيز البنية الاساسية علي طريقي الحرير ونستذكر هناك الانفراج السياسي في العلاقات بين الصين والهند وهما دولتان جارتان بينهما تنافس وحساسيات وأحيانا سوء تفاهم بل وحروب كما حدث عام 1962 ولكن كل هذا لم يمنع من الزيارات والتشاور والتفاهم بتعزيز علاقات الطرفين.ونفس الفلسفة انتقلت لعلاقات الصين بأمريكا واليابان وكوريا الجنوبية . وهو ما ادي لازدهار كل هذا الدول وتجنب الكوارث الاقتصادية او السياسية فرغم الانتقادات الامريكية للصين فان الأخيرة تحرص علي دعم الاقتصاد الامريكي والتعاون مع الولايات المتحدة واليابان والهند وفي زيارة رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي ولقاءاته مع الرئيس الصيني خير شاهد علي ذلك . وامتدالفكر الاقتصادي والسياسي الصيني إلي علاقات الكوريتين ولا ننسي أن الصين كثيرا ما نصحت كوريا الشمالية بانتهاج الانفتاح علي اللعالم أسوة بما فعلت الصين  وأدي ذلكلازدهارها.ما هو الهدف من هذا التحليل الذي نقدمه ؟ إن هو التمني بأن تفكر الدول العربية ودول الشرق الاوسط بوجد خاص في المنهج الصيني وتوافق بكين بدلا من أن تعيش في دورة الغزو والتوسع والسيطرة وإنشاء مناطق نفوذ وتكوينأحزاب تتبعها أو تنتهج سياسةإثارة الفتن والأحقاد والدمار .في الدول الاخري وبخاصة دول الجوار وهذه واضح لمن يتابع الاوضاع في الشرق الاوسط وبخاصة الدول العربية التي تتعرض لفكر متخلف من دول الجوار يعيش في عالم التوسع والسيطرة المذهبية والاقتصادية والسياسية وينفق الكثير علي العملاء بدلا من رفع مستوي شعوبها . فهل يمكن أن يفكر قادة دول الجوار العربي وبعض الدول التابعة لهم والأحزاب النائمة أو النشطة يفكر بمنهج العمل لمصلحة الجميع والتوسع والغزو والعدوان علي الاخري بشتيالطرق أن هذه سياسة بائدة ولا تعكس فكر وفلسفة القرن الحادي والعشريين وأخيرا نتساءل هل يمكن لإسرائيل أن تتخلي عن الاعتماد علي الولايات المتحدة في سياساتها المتشددة  والتوسع وبناء المستعمرات في الاراضي ألفلسطينية  ؟ وهل يمكن أن تتخلي تركيا وإيران عن مفهوم السيطرة علي دول الجوار؟ وهل يمكن لبعض الأحزاب التابعة لغير دولها أن تعيد النظر في فكرها وفلسفتها. إن علي الجميع أن يفكر استراتيجيا في المستقبل ولا يعيش في عالم مضي حيث بناء الامبراطوريات والتوسع والاستعمار وتكوين العملاء والتابعين في الدول الاخري ++++++++++++ خبير الدراسات الصينية أول مايو 2018
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights