الكاتب المغربى محمد مصباح يكتب المغرب بسرعتين

0
يسير المغرب بسرعتين. الأولى هي التي يسير بها القطار فائق السرعة بين الدار البيضاء وطنجة، أما الثانية، فهي سرعة البغلة (شرف الله قدركم)، التي تحمل سيدة حامل في جبال الأطلس نحو أقرب مستوصف يبعد مسافة نصف يوم من المشي. هذا التوصيف ليس تعبيرا مجازيا، ولكنه واقع لا يمكن تغطيته بالغربال نال اعتراف أعلى سلطة في البلاد. هذا يعني أن خيارات التنمية فشلت في تحقيق أهدافها خلال العقدين الماضيين. وأفرزت مغربا بسرعتين (في خطابات المنظمات)، أو باستعمال لغة مباشرة أنتجت مجتمعين تحت سقف واحد: الأول هو مغرب القرن 21 (مغرب المحظوظين)، والآخر مغرب القرون الوسطى (مغرب المحرومين). حيث التفاوتات الاجتماعية ليست فقط، طبقية بين الأقلية التي تستحوذ على الموارد، والأغلبية التي تصارع من أجل البقاء في مجتمع تنافسي، ولكن أيضا تفاوتات أفقية، بين الجهات المحظوظة والجهات التعيسة، بين المغرب النافع والمغرب غير النافع. لسوء أو لحسن الحظ، أصبحت هذه التفاوتات أكثر وضوحا للعيان بفضل التكنولوجيات الحديثة، وسهلت على المواطن في أقاصي الجبال مقارنة الإقصاء الذي يعيشه مع الجهات المحظوظة. نتيجة هذه الوضعية أصبح مواطن الهوامش مستبطنا لفكرة أن الدولة تتعامل معه بشكل انتهازي وتستعمله عند الحاجة كخزان انتخابي، وكأدوات للصراع السياسي في مسيرات ولد زروال، من دون أن تقدم له بديلا اقتصاديا حقيقيا. وهذا التعامل الانتهازي مع المواطن مدعاة لفقدان الثقة في الدولة وأجهزتها ودافع للاحتجاجات. أين يكمن المشكل بالضبط؟ المشكل الأول، هو أن الرهان على المشاريع الضخمة مثل القطار فائق السرعة ودار الأوبرا وكازا مارينا تستفيد منها الحيتان الكبيرة والمناطق المحظوظة بشكل أساسي، في حين أن استفادة المواطن البسيط من هذه المشاريع تبقى هامشية. خذ مثالا على ذلك مشروع القطار السريع الذي خطط ليربط المناطق الاقتصادية المحظوظة (محور الدار البيضاء – طنجة)، في الوقت نفسه لا تتوفر أغلب المناطق على خطوط السكك الحديدية العادية، وبعضها كانت محظوظة لأنها من غنائم الاستعمار وإلا لم يكن ممكنا لسكانها الانتقال عبر القطار، من دون الحديث عن غياب عناصر السلامة والتأخر في المواعيد الذي أصبح هو الأصل. إنه لمن الترف أن يقتني المغرب قطارا فائقا للسرعة، في حين تفتقر مئات الدواوير للخدمات الأساسية الضرورية وغياب التغطية الصحية عن أكثر نصف المغاربة. المشكل الثاني، هو أن هذه المشاريع الضخمة لا يتم اعتمادها عبر مسار تشاور عمومي مع المواطنين، ولا تعبر بالضرورة عن أولوياته. وفي أحايين كثيرة، لا تكون الحكومة على علم بهذه المشاريع وغير مشاركة في صياغتها. بعض وزرائها يحضر بروتوكوليا للتوقيع على مشاريع يجهل مضمونها. كما هو الحال مع مشروع الحسيمة “منارة المتوسط”، الذي سمع به رئيس الحكومة السابق من خلال وسائل الإعلام ولم تشارك الحكومة في صياغته، ولحد الساعة لا يعرف المواطن كيف تم اعتماد هذا المشروع، ومن ثمة يصعب تحديد دقيق لربط المسؤولية بالمحاسبة في هذا الحالة. لنأخذ على سبيل المثال رهان تنظيم المونديال سنة 2026. الفكرة ليست سيئة في حد ذاتها، ولكن سواء تم تنظيمه أم لا، على المغرب الالتزام بصرف 15 مليار دولار المخصصة للاستثمار في هذا المشروع على البنيات التحتية من طرق ومستشفيات ومدارس ومعامل. وبالمناسبة هذا هو المبلغ الذي يحتاج المغرب إلى استثماره في الجهات الفقيرة لتحقيق الحد الأدنى من التوازن بين الجهات، كشرط أساسي لنجاح مشروع الجهوية الموسعة. إذن، جوهر مشكل التنمية في المغرب سياسي وليس تقنيا. وهو مرتبط، أساسا، بغياب ربط حقيقي للمسؤولية بالمحاسبة، ومن ثم ما لم تتحمل الحكومة المنتخبة كاملة صلاحياتها في وضع وتنفيذ مشاريع التنمية، فسيتم تكرار الأخطاء ذاتها باستمرار.
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights