محمد ابو الحديد يكتب : سقوط الديمقراطيات الغربية !

0
القتل هو القتل. أياً كان نوع السلاح المستخدم فيه. وهو جريمة مدانة بكل المقاييس. وفي كل الديانات السماوية والمواثيق الوضعية. إذا طال مدنيين أبرياء.  ومع احترام قوانين تصنيف الأسلحة المستخدمة في القتل. ما بين أسلحة تقليدية. وأخري كيماوية أو نووية. فإنه لايوجد أدني فرق بين من يسقطون برصاص الاحتلال الإسرائيلي من أبناء الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. وبين من يسقطون من أبناء الشعب السوري ضحايا هجوم كيماوي . أيا كان مصدر هذا الهجوم. علي الأراضي السورية.  هؤلاء وأولئك بشر.. رجال ونساء وأطفال. أبرياء. لم يرتكبوا جرماً. ولم يخرقوا قانوناً.. ولم يذهبوا إلي الحرب. بل الحرب هي التي جاءت إليهم. والمفترض أنهم تشملهم جميعاً المظلة الدولية لحقوق الانسان.  الذين سقطوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي من أبناء الشعب الفلسطيني خلال الأسبوع الماضي. كانوا يشاركون في مظاهرات سلمية. من تلك التي تعتبرها “النظم الديمقراطية الغربية” نوعا من أنواع التعبير عن الرأي. الذي يستحق الحماية كحق أصيل من حقوق الانسان.  والذين سقطوا ضحايا هجوم كيماوي قيل إنه وقع في “الدوما” السورية. كل ذنبهم أنهم موجودون في منطقة حولتها الجماعات الإرهابية. تحت مظلة الصراع الدولي بين القوي العظمي إلي ساحة حرب ومنطقة قتال واقتتال. دون ان يكونوا طرفا فاعلا في الصراع.  ولو أن المجتمع الدولي يصدر أحكامه بمعايير الحق والمنطق والعدل. لكان عليه أن يوجه إدانة متساوية ومتزامنة للفعل في الحالتين. وهو فعل قتل المدنيين الأبرياء. فهو جريمة. ثم يضيف بعد ذلك ماشاء من إدانات تنصب علي نوع السلاح المستخدم في هذه الجريمة.  لكن المؤسف. أن المجتمع الدولي اعتاد الخضوع لمنطق القوة حتي وهي تستخدم بشكل أحادي بعيدا عن مؤسساته الممثلة للشرعية الدولية. وأن يسمح بالرد علي الجريمة في حالة. وغض الطرف عن الجريمة المماثلة لها في حالة أخري وفقا لمعايير مزدوجة.  ومثلما أعجزت الديمقراطيات الغربية المجتمع الدولي ومؤسسات الشرعية فيه عن توجيه إدانة لجريمة قتل المدنيين في فلسطين وسوريا علي السواء. فإنها قدمت لنا نموذجا مشوهاً وبغيضاً لـ”القضاء الدولي” مخالفا تماما لما تتشدق به وتطبقه في مجتمعاتها المحلية.  ففي الوقت الذي تظهر احترامها لسيادة القانون. ولحقوق المتهم وكونه بريئاً حتي تثبت إدانته من خلال تحقيقات موثقة وأدلة اتهام مؤكدة قبل ان تصدر أحكامها ضده. فإنها. علي المستوي الدولي قامت وحدها بكل الأدوار جميعا.. ودور الإدعاء. وتوجيه الاتهام. وتأكيده. وإصدار الحكم. وتنفيذه بضربة عسكرية ثلاثية.. ثم بعد ذلك إرسال بعثة من المنظمة الدولية للأسلحة الكيماوية للتحقيق فيما إذا كان الاتهام صحيحا أم لا.. وهل هناك أدلة ثبوت أم أدلة نفي له؟.  ثم جاءت السقطة الثالثة للديمقراطيات الغربية. في جلسة مجلس الأمن التي دعت إليها روسيا عقب العدوان الثلاثي الأمريكي البريطاني الفرنسي ضد سوريا بسبب الهجوم الكيماوي المفترض.  لقد أدانت روسيا لجوء الدول الثلاث لاستخدام القوة العسكرية خارج مؤسسات الأمم المتحدة. دون إذن من مجلس الأمن الدولي. ضد دولة مستقلة ذات سيادة. عضو بالأمم المتحدة. هي سوريا.  فماذا كان رد دول العدوان الثلاث؟!  قال مندوبو هذه الدول. إنهم بدأوا باللجوء لمجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بإدانة النظام السوري بسبب هجومه الكيماوي في “الدوما” وبما يسمح بالرد علي هذا الهجوم. لكن روسيا هي من عرقل صدور هذه الادانة علي مدي أسبوع كامل. فاضطرت الدول الثلاث إلي تحمل مسئولياتها منفردة وقامت بتوجيه ضربتها الثلاثية لسوريا.  هذا الرد في منتهي الخطورة والأهمية معا. لأنه يؤسس لقاعدة خاصة في العلاقات الدولية. وهي أنه في حالة تعمد إحدي الدول الخمس الكبري ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن عرقلة إصدار قرار من المجلس بإدانة دولة ما. من خلال استخدام الفيتو. يصبح من حق الاطراف المتضررة من هذه العرقلة التصرف منفردة. ولو باللجوء لاستخدام القوة العسكرية. وشرعنة هذا الاستخدام.  وكنت أود أن يظهر بين مندوبي الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن. في تلك الجلسة. من يلتقط هذا الخيط ويقوم بالبناء عليه. لكن. للأسف. لم يحدث ذلك.  إن الدول الثلاث المعتدية. اعتبرت أن قيام روسيا بعرقلة صدور قرار بادانة النظام السوري لمدة أسبوع. مسوغا للتصرف منفردة خارج مجلس الأمن. واللجوء إلي القوة العسكرية.. فما بالنا والولايات المتحدة تعرقل علي مدي سبعين سنة كاملة صدور أي قرار من مجلس الأمن يدين إسرائيل. مهما قتلت. ومهما اعتدت. ومهما احتلت وتوسعت. منذ قيامها عام 1948 حتي اليوم ونحن في عام 2018؟!  هل يحق للأطراف المتضررة. وعلي رأسها الشعب الفلسطيني نفسه التصرف خارج مؤسسات الأمم المتحدة. واستخدام القوة العسكرية ضد إسرائيل. خاصة وأن في يد هذه الاطراف عشرات من قرارات الشرعية الدولية التي صدرت بحقوق الشعب الفلسطيني. وضربت بها إسرائيل عرض الحائط ولاتزال؟!.. وهل سيكون هذا التحرك دفاعا عن “شرف الأسرة الدولية” وهو التعبير الذي وصف به الرئيس الفرنسي “ماكرون” العدوان الثلاثي ضد سوريا؟!  ورغم السقوط المخزي للديمقراطيات الغربية في امتحان الأزمة السورية. تماما كما سقطت نفس هذه الديمقراطيات في امتحان “أزمة السويس” بعدوانها الثلاثي ضد مصر. فإن أزمة “الكيماوي” السوري والعدوان الثلاثي. لاتزال تثير أسئلة أكثر مما تطرح من إجابات نظرا لتضارب تصريحات المصادر الرسمية لأطرافها.. فمثلا:  * هل تمت الضربة الثلاثية بعلم روسيا أم دون علمها؟! وإذا كانت قد تمت بعلمها.. فهل كان هناك تنسيق حول حدود هذه الضربة وحجمها؟! فالملاحظ أن روسيا نفسها كانت هي الحريصة علي تأكيد تعاونها مع أمريكا. وأن خطوط الاتصال بين العسكريين الأمريكيين والروس في سوريا لم تنقطع.  * هل أسقطت الدفاعات السورية بالفعل 70 صاروخا من الـ103 صواريخ الغربية. وفقا لما أكدته وزارتا الدفاع الروسية والسورية.. أم لم تسقط أي صاروخ وفقا لما أكدته وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”؟! ولماذا لم تقدم روسيا أو سوريا دليلا ماديا علي ماتقول بعرض بقايا أي صاروخ من التي قالت إنها أسقطتها؟!  * هل القواعد العسكرية الروسية. البحرية والجوية. الموجودة علي الأراضي السورية. مهمتها فقط حماية نفسها وقواتها ومجالها الجوي.. أم المساعدة في حماية سوريا نفسها. لأن الملاحظ أن روسيا كانت حريصة فقط علي التأكيد بأن الصواريخ الغربية لم تقترب من المنطقة المحمية بشبكات الدفاع الجوي التي تقع فيها قواعدها العسكرية؟!   
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights