حسام إبراهيم يكتب الحوت الأزرق و"الشغل في الأزرق"!!

0
“الشغل في الأزرق” تعبير مصري دال على منغصات الدنيا وهؤلاء الذين يحلو لهم التنغيص على الآخرين ومااكثرهم للأسف !!..اما “الحوت الأزرق” فمآساة لايجوز التقليل من مخاطرها  لأنها تخطف زهرة شبابنا وفلذات اكبادنا !!..ومن مظاهر “الشغل في الأزرق” ان يستخف البعض بمآساة انتحار شاب او محاولة فتاة قتل نفسها ويتساءل في سخرية ودون ادراك لتفاصيل المشهد العالمي :”ولماذا لم ينتحر كل الذين يمارسون هذه اللعبة الالكترونية وماأكثرهم حول العالم” ؟!!. واقع الحال ان الألعاب الالكترونية الخطرة على شبكة الانترنت مثل “لعبة الحوت الأزرق” تثير الآن حالة من القلق العارم حول العالم واهتماما لافتا بين المثقفين بعد ان اسفرت عن حالات انتحار في عدة دول لتشير “للوجه القاتم لثقافة ومستحدثات العصر الرقمي”..وفيما باتت الصحف ووسائل الاعلام تتحدث باسهاب عن لعبة “الحوت الأزرق بعلاماتها واشاراتها ومستوياتها وتحدياتها” فان بعض الخبراء والمتخصصين في الدراسات النفسية والاجتماعية والتربوية اكدوا على ان الاهتمام بالأنشطة الإبداعية والرياضية يمكن ان يسهم في ابعاد الأطفال والنشء عن هذه اللعبة وغيرها من الألعاب الالكترونية الخطرة التي تسمى “بمجموعة الموت”. وتأمل كتابات المثقفين حول العالم وعلى اختلاف اللغات والتوجهات يؤكد على حالة من القلق العام بينهم حيال هذه الألعاب الالكترونية الخطرةكافراز سلبي من افرازات العصر الرقمي ويكاد يتكثف في تساؤل استنكاري :”ماالذي فعلته التكنولوجيا في الانسان”؟!..ولاريب ان هذه الألعاب على شبكة الانترنت امست تثير مشاعر القلق والخوف لدى العديد من الأسر التي تضم أطفالا ومراهقين وهي حالة ظاهرة في مصر والعالم العربي ككل ضمن سياق عالمي فيما تساءل مثقف هندي هو موخرا برايا أستاذ الأنثربولوجيا او علم الاناسة في جامعة البنجاب :”هل الحوت الأزرق لعبة ام جريمة” وقدم مواطنه بارساراثي رامامورثي وهو أستاذ للطب النفسي دراسة معمقة حول سبل مواجهة هذه الظاهرة التي تغوى بعض المراهقين على الانتحار. وسواء في عالم الشمال او عالم الجنوب فان اغلب الكتابات التي تتصدى لاشكالية الألعاب الالكترونية الخطرة مثل “الحوت الأزرق” تتفق في توصيف ممارسي هذه الألعاب بأنهم “يقترفون في حق انفسهم جريمة إيذاء الذات والتي تصل أحيانا للانتحار” فيما تتوالى دراسات معمقة حول هذه الإشكالية وخاصة في بلدان كالهند حيث تتضافر جهود علمية تنتمي لتخصصات مختلفة من بينها الطب النفسي والأنثربولوجيا وعلم النفس الاجتماعي للإجابة على تحديات “ظاهرة الحوت الأزرق”. وحسب بيانات وتقارير منشورة فان لعبة “الحوت الأزرق” ظهرت عام 2013 في روسيا وانتشرت هناك بين الشباب والمراهقين على نطاق واسع منذ عام 2016 لتثير حالة من الذعر بين الآباء والأمهات بعد ان وقعت عدة حالات انتحار جراء الانهماك في هذه اللعبة فيما ادين مخترعها الروسي فيليب بوديكين وهو شاب يبلغ من العمر 21 عاما امام القضاء وحكم عليه بالسجن في شهر يوليو الماضي لمدة ثلاث سنوات “لتحريضه المراهقين على الانتحار”. وإذ توصف لعبة “الحوت الأزرق” في الصحافة الغربية بصفات مثيرة للقلق مثل وصفها بأنها “اخر كوابيس مواقع السوشيال ميديا” او التواصل الاجتماعي أصدرت محاكم في بعض الدول ومن بينها روسيا وتونس والهند احكاما تقضي “بحجب لعبة الحوت الأزرق والعاب خطرة أخرى على شبكة الانترنت وإزالة روابطها” كما حذرت السلطات الفرنسية كل مرتادي الشبكة العنكبوتية من المخاطر الجسيمة لهذه النوعية من الألعاب الالكترونية. والفئة العمرية الأكثر استهدافا من جانب “لعبة الحوت الأزرق الحافلة بألوان إيذاء النفس” هي فئة الأطفال والمراهقين مابين 12 عاما و16 عاما وتشير بعض الكتابات والمراجع مثل “ويكيبيديا” الى ان فيليب بوديكين الذي كان يدرس علم النفس استوحى اسم هذه اللعبة من “اقدام الحوت الأزرق أحيانا على الانتحار عند الشاطيء”..والى جانب الجهود الرسمية في دول شتى للتصدي لهذه الألعاب الالكترونية الخطرة على شبكة الانترنت كان من الدال ان يدشن بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مبادرات خاصة وفردية أحيانا للتحذير من تلك الألعاب القاتلة وتقديم “بدائل حميدة للتسلية”. وبعض اعلانات العاب الفيديو في دول كالولايات المتحدة تحمل عبارات تسوق القتل كلعبة مستحبة مثل:”اقتلهم جميعا” ومن هنا يتحدث المعلقون فى وسائل الاعلام الأمريكية عن “ثقافة الموت التى تمولها الاعلانات فى الميديا وتفضى لتبلد الأحاسيس الانسانية”..ومن هنا ايضا فان الأمر يبدو اكثر تعقيدا من حلول سطحية او اجراءات عاجلة وربما مطلوبة ومبررة بشدة مثل الدعوة لتسليح حراس المدارس للتصدى لأى هجمات على التلاميذ لأن القضية فى جوهرها كما اتفق العديد من الكتاب فى الصحافة  الأمريكية هى قضية ثقافة لابد من تغييرها..وهي ثقافة تكاد تقدس العنف وابعد ماتكون عن حميمية التواصل الانسانى الدافىء. وتفسر تلك الثقافة الجرائم المروعة  التي تقع من حين لآخر في الولايات المتحدة مثلا عندما يتعرض أطفال في مدارسهم لهجمات بالأسلحة النارية فيما ينتمي اغلب مرتكبي هذه الجرائم النكراء لفئة مدمني الألعاب الالكترونية والعاب الفيديو..وهاهو الكاتب الأمريكى جارى ويلز يرى ان مايحدث فى  جرائم العنف المروعة لم يكن نتاج اشخاص معتوهين  بقدر ما يعبر عن ثقافة منحطة حيث ترتكب جرائم ضد الأطفال وليس هناك اسوأ من تقديم الأطفال قربانا للشر المجنون. كما لايجوز تناسي ظواهر أخرى اقترنت بهذه الألعاب الالكترونية مثل .لعبة “البوكيمون جو” التي اجتاحت العالم منذ نحو عامين  واثارت تساؤلات قلقة حتى في الأوساط والدوائر الثقافية على مستوى الكرة الأرضية ..ولئن وصفت لعبة “البوكيمون جو” التي ابتكرتها شركة يابانية  بأنها “تطور نوعي جديد في عالم الترفيه” فانها بذلك  تأتي تحت العنوان الأكثر شمولا الذي يتعلق بالتغيرات في عالم الترفيه مع توالي منجزات العصر الرقمي وماتنطوي عليه هذه المنجزات من ايجابيات وسلبيات ناهيك عن التأثير الكبير والملموس بقوة لعالم الترفيه على اوجه الحياة الانسانية وخاصة الاقتصاد..وجوهر لعبة “البوكيمون جو” او فكرتها الأساسية تتمثل في محاولة مستخدم اللعبة اصطياد “البوكيمون” وهو عبارة عن حيوان افتراضي صغير مستعينا في ذلك بخرائط “الجي بي اس” والتطبيقات الالكترونية على شاشة هاتفه المحمول غير انه يمكن يتعرض لمخاطر حقيقية اثناء سيره في الطريق وهو يركز كل انتباهه في البحث عن البوكيمون  دون تركيز على ماقد ينطوي عليه الطريق ذاته من مخاطر فيسقط في بالوعة مثلا او تصدمه سيارة  !. وبينما اضطرت السلطات اليابانية لاصدار “دليل سلامة” لمستخدمي اللعبة فهناك تحذيرات كثيرة في دول عديدة حول امكانية استخدام لعبة “البوكيمون جو” لتصوير منشآت او اماكن محظور الاقتراب منها وتصويرها بينما تنقل كل الصور في هذه اللعبة فورا “للجهة الخارجية التي تمسك في الواقع بكل خيوط اللعبة” !..وهكذا ثارت شكوك في كثير من الدول والمجتمعات  حيال هذه اللعبة الالكترونية والجامعة مابين العالمين الافتراضي والواقعي  وتساؤلات حقيقة الأهداف الكامنة وراء لعبة “البوكيمون جو” بقدر ما طرحت سيلا من الاسئلة المؤرقة في العديد من دول هذا العالم المحاصر بالألم والشر والباحث دون جدوى عن السعادة المراوغة. واذا كانت لعبة “الحوت الأزرق” وغيرها من الألعاب الالكترونية الخطرة تمارس عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية مثل “فيس بوك وانستجرام وتويتر” فان جديد  المصطلحات والمفردات وتعبيرات “العصر الرقمي” تتوالى  مثل مقولة “الانسان الرباعي الأبعاد”..وثمة اسئلة ثقافية كبرى يطرحها مفكرون ومثقفون كبار هنا وهناك من بينها :”هل اصبح وجودنا الانساني مجرد وجود رقمي خادع على شبكة عنكبوتية تعلي الجدة على حساب الأصالة” ؟! . وفي كتاب صدر بالانجليزية بعنوان :”الانسان الرباعي الأبعاد” يوضح المؤلف لورنس سكوت مايقصده بعنوان هذا الكتاب حيث بات الانسان في العصر الرقمي مضطرا للاقامة في بيئة تختلف جذريا عما ساد من قبل فيما سقطت الحتميات القديمة للمسافة والزمن او مسلمات المكان والزمان ليظهر “الانسان الاون لاين” ..واذا كان لورنس سكوت وهو في الأصل اديب وناقد  يتصدى في هذا الكتاب الجديد لمهمة ثقافية من الوزن الثقيل للاجابة على اسئلة كبرى ووجودية مثل بحث تأثير التقنيات الرقمية الجديدة على مدركاتنا وتصوراتنا ومشاعرنا فان هناك حاجة لاسهامات ثقافية عربية تتصدى لظواهر كظاهرة “الحوت الأزرق” ضمن القضايا والاشكاليات التي يثيرها العصر الرقمي ومستحدثات التقنية الرقمية. نعم نحن بحاجة لثقافة عربية رقمية جديدة تجيب على تحديات الشبكة العنكبوتية حتى يكون العصر الرقمي طريقا لمستقبل افضل لا صرخة في طريق للهاوية وايذاء الذات و”اشتغالة جديدة في اشتغالات الأزرق” !!.    
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights