الكاتب التونسي النوري الصّل يكتب: في سقوط الخطاب السياسي

0
ندما يطغى السباب والشتائم على معظم حواراتنا ونقاشاتنا و يصبح سنة دارجة يتساوى فيها المثقف و المسؤول و النائب و العامّي فذلك بلاريب علامة على انحطاط خطير يهدد الحياة السياسية و مؤشّر جادّ و «حادّ» على انعدام الرؤية يضع التجربة التونسية برمتها على محك اختبار حقيقي ومصيري. لم يعد خطاب الرداءة و البذاءة «اختصاصا» تحتكره بعض القنوات التلفزية والاذاعية فحسب، بل امتد ليؤثث خطاب جل السياسيين على أعلى المستويات حضورا في المشهد الإعلامي، وأصبح سلاحا فتاكا يستعمل في المعركة بين مختلف الفاعلين السياسيين. بشكل عام، انتقل الخطاب السياسي اليوم إلى درجة واضحة من الانحدار والسقوط: اتهامات بـ”الكذب” والفساد والرشوة و طعن في الاخلاق و الشرف وما إلى ذلك من المناوشات الدائمة بين الأطراف السياسيين، لدرجة أن الكثير من الاستحقاقات السياسية، تحوّلت إلى مناسبات لممارسة هواية «الشتم الجماعي»…مما حوّل البرلمان الذي يفترض أن يكون فضاء لبناء مستقبل أبنائنا وبناتنا عبر ايجاد السبل الكفيلة بحل مشاكل الصحة والتربية والتعليم والتشغيل والاصلاح إلى مسرح للعبث السياسي والتهريج وإلى فضاء للفوضى والضجيج. إننا اليوم إزاء خطاب سياسي يعبّر عن مأزق أخلاقي خطير تورّط فيه كثيرون ممن تسللوا إلى «لعبة» السياسة دون الإلمام الجيد بقواعدها والاستعداد لممارستها، و ممّن لم يستطيعوا استيعاب الدروس واستخلاص العبر، فسقطوا بذلك سقوطا سريعا و مريعا في فخ التشنج وعصبية الانتماء الضيق ..الامر هنا تجاوز الصبغة التقليدية المملة في الخطاب الوعظي القديم و اصبح أشبه بلعبة لا تخضع الى قوانين و لا الى أحكام. إن أخطر ما في هذا السقوط في الخطاب السياسي انه ترافق مع انحطاط قيمي و أخلاقي لم يعد معه السياسيون و النواب يتحرجون حتّى من كذبهم و جهلهم، بل لم يعد ثمة راي عام يمكن ان يخشاه هؤلاء…لم يعد عيبا ان يكذب المسؤول ويدافع عن كذبه و لم يعِدُ السياسي يجد حرجا حين يتنكرلوعوده ..الأمر تجاوز ذلك الى الحدّ الذي أصبح فيه الانحدار بلغة الخطاب السياسي أمرا عاديا! ليس غريبا وسط هذا الكم من العبث السياسي الصّارخ في الخطاب السياسي كما في الممارسة السياسية ان تضيع الحقيقة و أن نفقد معها البوصلة بعد ان انخرط الجميع في صراعات سياسية عدمية وسقطوا في دوامة إنتاج «اللاّمعنى» و الفراغ عبر إطلاق مواقف لا تميّز بين «الخطبة» والخطاب و لا تفرّق بين النقاش السياسي الهادئ و بين الشتم وهتك الأعراض.. . اننا اليوم في حاجة الى خطاب سياسي رصين و مسؤول يراعي مستوى الوعي الموجود و يرتقي به من خلال خطاب مفهوم يحترم عقل وشعور المخاطبين ليس بالوعود الواهية و الافتراءات وانما بالعمل السياسي الجاد و النبيل، الذي يستوجب إلى جانب الكفاءة والاستحقاق، التحلي بروح المواطنة والاحساس بالمسؤولية ونكران الذات.    
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights