السفير د. نعمان جلال يكتب : العسكريون والسلطة .. نظرة واقعية

الزعيم الصيني ماوتسي تونج : السلطة تتبع من فوهة البندقية ،

0
في مختلف دول العالم يشكل الجيش أو ما أصبح يوصف بالقوات المسلحة قطاعاً مهماً ذي طبيعة خاصة في النظام السياسي . لعلنا نتذكر القول المنسوب للزعيم الصيني ماوتسي تونج بأن السلطة تتبع من فوهة البندقية ، وكذلك لعلنا نتذكر أن أهم الأوسمة في العالم تسمى باسم ” فارس Cavalry or Knight ” وخاصة في أوروبا منذ العصور الوسطى ثم أن مصطلح ” فارس أو خيال ” أصبح يتغنى به المغنيون ورجال الفلكلور الشعبي فها هي سميرة توفيق المغنية الأردنية البدوية المشهورة لها أغنية باسم ” يا خيال الزرقاء ” هي اسم مدينة مشهورة وعريقة في الأردن كما أن مصطلح الإستراتيجية والتكتيك هي من المصطلحات العسكرية ثم انتقلت هذه المصطلحات بما في ذلك الأوسمة إلى الحياة المدنية .  كما أن أشهر الحكام في الدولة الحديثة في مصر الفرعونية كان اسمه ” حور محب ” وهو كان قائدا عسكريا  كذلك كان أحمس الذي حرر مصر من الهكسوس ورمسيس الثاني ، ومينا الملك الأول الذي وحد القُطرين .  باختصار العسكريون عبر التاريخ من مختلف الدول لهم مكانة خاصة وهم أسسوا معظم الدول وأشادوا الحضارات في الصين و فارس والإغريق والهند وغيرها ولعل شخصيات مشهورة مثل الإسكندر الأكبر  وبطرس الأكبر وخالد بن الوليد وغيرهم حظوا بمكانة رفيعة في التاريخ لبلادهم بحكم دورهم العسكري . وإذا انتقلنا للعصر الحديث نجد الولايات المتحدة قادها عدد من العسكريين أو شبه العسكريين من جورج واشنطن إلى إيزنهاور ، ومن ينتمي للجناح المدني فلابد أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية ولم يتهرب منها وينتقد بشدة من لم يفعل ذلك .  وأشهر قادة فرنسا المعاصرين الجنرال شارل ديجول ،  وأشهر قادة مصر الحديثة أحمد عُرابي وجمال عبد الناصر وأنور السادات  وحسني مبارك وعبد الفتاح السيسي وغيرهم كثيرون هذا لا يعني ان كل من خلفيته عسكرية ممتاز أو من خلفيته مدنية ممتاز ،  ما أريد أن أقوله هو إن المهم هو الشخص وسلوكه ومؤهلاته وخبرته وليس مجرد الأصل أو المهنة أو الوظيفة . فمثلاً مارجريت تاتشر التي عرفت باسم المرأة الحديدية أو انديرا غاندي أو بنظير بوتو ليس لهن خبرة عسكرية ولكن كن يعتمدن على الخبراء العسكريين في قراراتهن الإستراتيجية . وأثبتن حنكة وقدرة أحسن من كثير من القادة أو العسكريين . والولايات المتحدة قلبت كل المعايير الدولية لحماية جندوها من أية محاكمات دولية مهما ارتكبوا من جرائم أو أخطاء ووقعت معاهدات مع الكثير من الدول الأجنبية لحماية جنودها وبالطبع ضباطها من أية محاكمات ترتبط بجرائم دولية صد الإنسانية ، ورفضت الانضمام للمعاهدة الدولية التي أقامت المحكمة الجنائية الدولية وأحاطت جنودها بكافة الضمانات  الدولية والوطنية ، ونادراً ما قدمت جندياً للمحكمة الوطنية .  أما الضباط الأمريكيون فأنهم مهما فعلوا فأقصى موقف منهم هو إحالتهم للتقاعد كما حدث مع القائد الأمريكي في أفغانستان عندما أدلى بتصريح ينتقد فيه سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما . بريطانيا وفرنسا وغيرها تسلك نفس السلوك كما أنه من حق الرئيس الأمريكي في نهاية فترة رئاسته أن يصدر قرارات بإعفاء شخصيات سياسية أو شخصيات عامة من أية مساءلة قانونية عن أعمال تعد من الأخطاء وإلى حد كبير تسلك نفس الشيء كثير من الدول الغربية وأيضاً روسيا والصين فلا نجد أن أمرا ما استدعي توجيه النقد للقوات المسلحة من أي حزب سياسي أو أية قوة سياسية فضلاً عن خروج شباب من قليلي الخبرة للصياح ضد القوات المسلحة بما في ذلك أثناء الأزمات أو التوترات في الدول المختلفة كما في تظاهرات الشباب المشهورة عام 1968 بعد هزيمة 1967 .  وهذا لا يعني أن القوات المسلحة أو الجيوش لا أو لم ترتكب أخطاء فكل شخص يمكن أن يرتكب خطأ . ولكن العبرة هل هو خطأ مقصود وهل هدفه شخصي أو وطني مثل أخطاء الحروب ، ويمكن أن يتم التحقيق معه في الإطار العسكري أو من لجان خاصة كما يحدث في إسرائيل وفي مصر بعد هزيمة عام 1967 . التجربة في الهند وباكستان تتبع المنهج البريطاني في أمرين اولهما ان رئيس الأركان هو القائد الفعلي للقوات المسلحة  والثاني هو إن رئيس الأركان هو أقدم الضباط والجميع يحترمه وإن كان مختلفاً في توجهاته عن رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً والقرارات العسكرية يتخذها رئيس الأركان ، أما الرئيس فهو يعتمد ذلك اعتماداً سياسياً وهذا هو نفس الممارسة في كثير من الدول الديمقراطية بما في ذلك الولايات المتحدة ، ولهذا ففي ظل  الصلاحيات العملية لرئيس الأركان فأنه يمكن أن يكون وزير للدفاع مدنياً أو حتى امرأة كما حدث في اسبانيا وفرنسا والهند وباكستان وغيرها وكذلك الأمر بالنسبة لوزير الداخلية فإن صاحب القرار الرئيسي هو وكيل الوزارة المحترف المهني وليس الوزير السياسي . التجربة المصرية منذ ثورة 1952 كانت على خلاف ذلك فوزير الدفاع عسكري وكذلك وزير الداخلية وإلى حدٍ ما وزير الخارجية من الدبلوماسيين المحترفين ، وهذا لارتباط الوزارات الثلاث برئاسة الدولة ، وهو كان ذو خلفية عسكرية من عبدالناصر حتى حسني مبارك ولعل أحد أسباب انضمام الجيش للتحرك الشعبي في ثورة 25 يناير 2011 ما كان يتردد بل ويعد من قبل بعض المنافقين السياسيين من التهيئة لتوريث جمال مبارك وهو مدني وليس له أية خلفية عسكرية. ولهذا فأنني أقول إن ما أثير حول دور العسكريين في الدستور الجديد كان لغطاً لا مبرر له أملته بعض القئات للمزايدة ولتشويه صورة القوات المسلحة بالشعارات التي طرحت في المرحلة الأخيرة من الحكم الانتقالي بعد تخلي الرئيس مبارك بشعار ” يسقط حكم العسكر ” وهو شعار ارتبط تاريخياً بالعسكر الانجليز وليس بالجيش المصري الوطني ،  ولكن قوي سياسة معينة ، كان لها مصلحة في هذا التشويش والتشويه وخلط الأوراق و انساق وراءها آخرون بدون وعي ،رغبة في التحول للحكم المدني وإنا ممن يؤيدون الحكم المدني من حيث المبدأ  ولكن للضرورة احكامها خاصة في فترات الانتقال السياسي حيث تسود الفوضى وتتعدد وتتصارع القوى السياسية والحزبية وتكثر التظاهرات والآراء المتناقضة والمتعارضة كما حدث من أحزاب مصر قبل ثورة يوليو 1952 وكما هو حادث الآن من تعدد الأحزاب لأكثر من مائة حزب بطريقة غير مفهومة وتدل على ضعف الوعي والإدراك لمعنى العمل السياسي الحقيقي وليس الشكلي وكثير من الاحزاب المصرية الحالية لا قاعدة شعبية لها ولا تاريخ نضالها لقياداتها. ففي الولايات المتحدة يوجد حزبان رئيسيان وكذلك بريطانيا وأيضاً في فرنسا منذ الجمهورية الرابعة التي أقامها الجنرال شارل ديجول وما عدا ذلك فأحزاب ضعيفة لا تؤثر في الاستقرار السياسي للدولة . أما في فترات التحول والانتقال السياسي خاصة فلا يكون مثل هذا القول سليماً على إطلاقه  بل لا بد من دراسة سياسية علمية وليست منقولة من كتب التجارب الغربية الكلاسيكية بتشويه قوة وطنية قامت بدورها البطولي والوطني وبدون هذا الدور ما كانت نجحت ثورة 25 يناير أو ثورة 30 يونيه بل مثل هذا القول لا مبرر له وبجب أن يكون للقوات المسلحة مكانة خاصة  وبنص الدستور على ذلك سواء لحمايتها أو بمنحها مزايا معينة  وأيضاً لرجال الأمن من وزارة الداخلية ،  وإنا أقول ذلك رغم أنني انتمي للقطاع المدني وليس لي علاقة بالجوانب العسكرية أو بالشرطة سوى حب الوطن  وقول الحقيقة التي اعتقد فيها ولكنني استند للتجارب التاريخية في مصر والعالم وأدعو للحد من محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية إلا في أضيق الحدود مثل الاعتداء على المنشئات العسكرية أو العسكريين ولكنني في نفس الوقت أدعو لضرورة وجود الانضباط العسكري كما كان يحدث في الماضي حيث الشرطة العسكرية كانت تحاسب أي جندي أو ضابط على سلوكه في الشارع ومن يخرج عن الالتزام الصحيح من الشرطة أو الجيش أو أية مهنة مثل القضاء أو الدبلوماسيين أو خلافهم بما في ذلك رجال الإعلام يجب أن تتم معاقبتهم فليس هناك مواطن فوق القانون والمحاسبة تكون عادة أمام القاضي الطبيعي إلا في حالات الضرورة مثل حالة العسكريين أثناء تأديتهم أعمالهم أو نحو ذلك .  كما إنني لا أجد مبرر منطقياً لمنع العسكريين من الترشح للمناصب الرئاسية ،  فالولايات المتحدة ليس لديها نص يمنع ذلك ،  وفي كثير من الدول الديمقراطية طالما خلع الزى العسكري فلا يمنعه ي مانع ،  كذلك رجال الشرطة لأن الجميع في هذه الحالة مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات .  وختاما نقول تحية لقواتنا العسكرية الباسلة ولقوات الشرطة والقضاء ورجال الدبلوماسية والإعلام وكافة المواقع في الدولة وعلي الجميع أن يحترم الاخر وعلي النظام ان يراعي مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص لجميع مواطنيه فهذا هو اساس الهوية والمواطنة والوطنية.  فتحية خاصة لمن خلص مصر ممن سعي لتضييع هويتها وإسلامها المعتدل ونظرته لكل فئات وطوائف المجتمع.فالوطن ليس مكونا من مسلمين بل من مواطني مصر البررة من الاقباط علي نفس المستوي فالجميع شركاء في الوطن وفي الدفاع عنه. *****+ السفير الدكتور محمد نعمان جلال باحث في الدراسات الإستراتيجية الدولية
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights