حسام إبراهيم يكتب : شيء من الأمل!

0
العالم الآن يمر بمرحلة تشاؤم تفضي أحيانا للعدمية المدمرة ومن ثم فهناك اهتمام ملحوظ في الغرب بثقافة الأمل والتفاؤل كرد فعل مضاد للتشاؤم والعدمية ومن احدث هذه الكتب كتاب  جديد صدر بالانجليزية بعنوان “التنوير الآن :دفاعا عن العقل والعلم والإنسانية والتقدم” لستيفن بينكر الذي يوصف في الصحافة ووسائل الاعلام الغربية بأنه “احد اكثر المفكرين تأثيرا في العالم”. وستيفن بينكر الذي ولد يوم الثامن عشر من سبتمبر عام 1954 في مونتريال بكندا أستاذ في جامعة هارفارد الأمريكية وهو عالم متخصص في اللغويات وعلوم الادراك وصاحب فتوحات علمية فيما يعرف “بعلم النفس اللغوي” وصدرت له من قبل عدة كتب بعناوين دالة من بينها :”الغريزة اللغوية” و”كيف يعمل العقل” و”الكلمات والقواعد” و”مادة التفكير”. وفي هذا الكتاب الذي عرف طريقه بسرعة لقوائم اعلى مبيعات الكتب في الولايات المتحدة والغرب عموما يرى ستيفن بينكر ان على الانسان المعاصر آلا يشعر بالسعادة فحسب وانما عليه أيضا ان يشعر بالامتنان كونه يعيش في عالم حاضره افضل من الماضي..ويقدم بينكر العديد من الأسانيد والأدلة التي تعزز وجهة نظره المتفائلة حيال العالم بحاضره ومستقبله بقدر مايسعى لتفنيد ودحض حجج هؤلاء الذين يذهبون مذهبا يوغل في التشاؤم وقد يدفعهم هذا التشاؤم وهم يمعنون في الشكوى والأنين لصب اللعنات على رؤوس المتفائلين!.                             وفي الأرض التي يحيا بها الآن أي الأرض الأمريكية يقول ستيفن بينكر ان لفيفا ممن ينتمون لليسار واليمين معا “حسب المفاهيم السياسية في الولايات المتحدة” قد حولوا الأيديولوجيا التي يعتنقونها لنوع من “العقيدة” التي “اكتسبت قداسة” حتى تكاد ان تحجب عنهم رؤية النور او تدفعهم دفعا للتعامي عن ضوء الشمس فيما يعتبرهم جميعا من “أصحاب الأرواح الفقيرة”. وتلك النزعة كما يلاحظ ستيفن بينكر تدفع المنتمين لكل تيار الى التقوقع معا في جيتو مغلق من الأفكار الواحدة والتي ترفض الأفكار الأخرى او “تشيطن” كل ماهو مغاير ومختلف عن أفكارهم التي تجمعهم معا في ظل اقتناع خاطيء بأنهم قد احتكروا الحقيقة وتعريف الحق. فالعالم يمضي نحو الأفضل رغم المعاناة التي لاتنكرها العين هنا وهناك والغد الأفضل بالإنجازات سيفضي لانحسار أمواج المعاناة والألم الإنساني في بقاع شتى من هذا العالم كما يرى المفكر ستيفن بيكر في سياق دفاعه عن العقل والعلم..ولن يكون من قبيل المبالغة وصف ستيفن بينكر صاحب هذا الكتاب الجديد الذي اثار اهتماما كبيرا في الصحافة الثقافية الغربية  بأنه “ايقونة لثقافة التفاؤل والأمل” في عالم اليوم دون ان يغفل عن دق أجراس الإنذار حيال ظواهر سلبية وقضايا تلحق اضرارا بالانسانية كلها مثل “التغير المناخي”. وفي الغرب اتفق الكثير من النقاد الثقافيين الذين تناولوا هذا الكتاب على أهميته وهو “ينتصر بالأدلة والبراهين للبناء والإنجازات الإنسانية وثقافة التفاؤل والأمل في مواجهة أصحاب النزعات العدمية التي قد تتطرف لحد الرغبة في تدمير العالم بما يلحق المزيد من الآلام والأذى بالإنسان في كل مكان”. وواقع الحال ان بينكر نذر الكثير من جهده المعرفي المعزز بالأرقام والإحصاءات وبيانات المعلومات المتنوعة لمجابهة “أعداء التقدم” من يسميهم “بالمصابين بفوبيا او رهاب التقدم” ويستخدم في تلك المجابهة “ذخيرة ثقافية تنتمي بامتياز لثقافة التفاؤل والأمل على قاعدة قيم التنوير”. وفي وقت تتوالى فيه علامات القلق حيال مسألة مثل اعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مايسميه البعض “بالحرب التجارية ضد الصين” فان ستيفن بينكر يقف في خندق المدافعين عن توسيع قاعدة فرص النمو والتقدم في العالم ككل وبكل اجزائه معتبرا ان تزايد فرص التصنيع والنمو في الصين وبلدان تنتمي لما يعرف بعالم الجنوب هي ظاهرة مثيرة للتفاؤل وتدعو للاحتفال الإنساني بها حتى لو تحدث البعض بغضب في الولايات المتحدة معتبرين ان مثل هذه الإنجازات في الصين على وجه الخصوص تأتي على حساب الأمريكيين وخصما من مكاسبهم. ولئن سعت “أصوات الشعبوية” في الولايات المتحدة لتحريض المنتمين للطبقات والشرائح الدنيا والمتوسطة في المجتمع الأمريكي وتصوير المكاسب التي تحققها الصين بأنها تلحق اضرارا بمصالحهم وفرصهم في الحياة فان ستيفن بينكر يؤكد في المقابل على ان هذه الإنجازات سواء في الصين او غيرها حول العالم هي “انتصار للإنسانية كلها وتوسيع للحراك الإنساني على قاعدة الانجازات وباعث على التفاؤل وبشير الأمل بغد افضل للجميع”. وتتفق هذه الرؤية مع رؤى عبرت عنها من قبل كتب صدرت في الغرب وأفكار عبر عنها مفكرون وعلماء مثل تشارلز كيني الذي يتبنى نظرية متفائلة فحواها ان تحقيق دولة ما لمكاسب قد لايعني حتما خسارة دولة اخرى وهي رؤية سوية تتسق مع الذهنية المصرية وفطرتها الطيبة. واذا كان ستيفن بينكر الذي يعد احد اكثر المفكرين تأثيرا في عالم اليوم يدعو الانسان المعاصر للفخر والغبطة بما أنجزته وتنجزه الإنسانية سواء على مستوى الفتوحات والاكتشافات العلمية او التطبيقات التقنية واوجه التقدم في مجالات متعددة سواء في الغرب او عالم الشمال وكذلك في عالم الجنوب او الدول النامية فان مصر في الأعوام الأربعة الأخيرة تشكل نموذجا لاريب فيه لهذا التقدم. يصعب انكار ان الكثير تحقق في البنية الأساسية بتفاصيلها التي تمتد مابين الطرق والطاقة والتقدم  بمشاريع تنموية من وادي النهر الضيق نحو الصحراء والبحركما يصعب تجاهل أصوات مخلصة تدعو لمزيد من الحرية والبيئة التنافسية السياسية لخدمة المواطنين في دولة القانون وبالتأكيد ايضا لايمكن غض الطرف والنظر عن حقيقة ان الإرهاب يشكل خطرا وجوديا على المصريين ودولتهم ومن ثم فالأمر بحاجة لمعادلة ذكية ومتوازنة بدقة بالغة مابين ضرورات الحرب على الإرهاب واجواء الحرية الضرورية لثقافة الأمل وضمان النمو الطويل الأمد او مابين حماية الدولة الوطنية كقضية وجود وحماية تنوع الآراء وتعدد الأصوات في بنية ديمقراطية مستقرة كقضية حياة وضمانة لاغنى عنها لأي إنجازات على الأرض المصرية. وتأمل التاريخ المصري على امتداده المديد يكشف دون عناء عن ان التفاؤل سمة اصيلة للانسان المصري مهما واجه من تحديات وان ارادة الحياة عند المصري اقوى بكثير من عوامل التشاؤم ومثيرات الاكتئاب واسباب اليأس ودعاوى العدمية المريضة والتي تتحول لعوامل هدم وتدمير ..واذا كان لايجوز تناسي ان المفكر ستيفن بينكر رهن إمكانات التقدم والغد الأفض باشتراطات الديمقراطية فان استشراف المستقبل بعين البصيرة وعبر التاريخ يحمل الأمل بتحول ديمقراطي فاعل في الحياة السياسية المصرية لحظة الحاق الهزيمة النهائية بالإرهاب الظلامي والقضاء على هذا الخطر الوجودي..وهاهم المصريون يستعدون لمنعطف جديد مع الانتخابات الرئاسية الوشيكة ليهزموا مجددا  دعاوى اليأس والاحباط بقدر مايستجيبوا لاستحقاقات التقدم نحو الغد الأفضل والجدير بهذا الشعب العظيم.
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights