الكاتب التونسي عبد الحميد الرياحي رئيس تحرير صحيفة الشروق يكتب تهديدات جدّية لاستقلالنا

0
يحتفل شعبنا بالذكرى 62 للاستقلال، هذا المكسب الذي ناضلت في سبيله أجيال من التونسيين والذي دفع أباؤنا وأجدادنا ضريبة الدم من أجل انتزاعه ودحر قوى الهيمنة والاحتلال الفرنسي. ولئن دأب التونسيون والتونسيات على الاحتفال بهذه الذكرى الخالدة المجيدة، الا ان هذا الاحتفال بصدد التحول الى مجرد عادة او ذكرى يتوقف عندها الجميع ثم تمضي… دون أن تستفز الذمم والضمائر ودون أن تطرح في العقول والأذهان تلك الأسئلة العميقة والحارقة حول طرق تحصين هذا المكسب.. وذلك حول سبل تعزيز هذا المكسب بكل مقومات الاستقلال الاقتصادية منها والغذائية والفكرية والثقافية والأمنية بما يضمن صمود بلادنا وسط محيط هادر يعج بالتحديات وبالمخاطر التي باتت تشكل تهديدا فعليا وحقيقيا لمعاني الاستقلال ولمضامين السيادة الوطنية وحرية القرار الوطني. ولئن شكل الاحتلال المباشر وضرورة دحر أدواته عنوانا كبيرا لنضالات الشعب التونسي منذ انتصاب «الحماية الفرنسية» عام 1881، فإن التطورات والتحولات الدولية جعلت صنوفا أخرى من الاحتلال تبرز الى الوجود وأسهمت في بروز تحديات وتهديدات جديدة لا تقل خطورة عن الاحتلال المباشر.. ولا يقل مفعولها دمارا عن الدمار الذي يسببه الحضور العسكري المباشر للمحتل.. اليوم صار علينا أن ندرك بأن شعبا يأكل من وراء البحر ليس شعبا مستقلا بل هو شعب تابع للجهات المزوّدة.. وشعب لا يوفر الشغل وسبل العيش الكريم لكل أبنائه وفي الطليعة منهم الشباب ليس شعبا مستقلا. وشعب يساهم في ضرب صناعته ومنتوجه الوطني بالاقبال على استهلاك مواد مورّدة ومهرّبة هو شعب يأخذ الأموال من خزائنه ليضخها في خزائن أجنبية تساهم في نمو وازدهار اقتصاديات أخرى تعود وتمارس سيطرتها وهيمنتها علينا. علاوة على هذه الشواهد برزت تحديات جديدة نتيجة التحوّلات الصاخبة التي تشهدها بلادنا والمنطقة العربية عموما في السنوات الأخيرة. وهي تحديات باتت تشكّل تهديدا حقيقيا لمقومات السيادة ولفكرة السيادة الوطنية كما عرفناها. فقد بات يعيش بين ظهرانينا من لا يؤمن بالانتماء إلى تونس وإلى الراية بل إلى ـ الأمة ـ وإلى رايات أخرى… أكثر من هذا فقد أسهمت التحوّلات وطغيان قيم المادة والاستهلاك في بروز أصناف إن لم نقل رهوطا جديدة من المسؤولين الذين يتبوّؤون مواقع حساسة في الدولة ولكّنهم لا يتورعون في بيع الذمم والضمائر في مزادات المصالح والحسابات الشخصية فيتعاملون مع الإرهاب والتهريب غير عابئين بالدمار والأذى الذي يلحقونه بالبلاد وبالعباد ومن وراء ذلك باستقلال البلاد وبسيادتها الوطنية. إن المصلحة الوطنية العليا تقتضي العمل دون إبطاء على تحصين استقلالنا الوطني وهذه طريق طويلة تبدأ بإنعاش معاني الانتماء وقيم التضحية والفداء في سبيل الوطن لدى الجميع صغارا وكبارا… وليكن أباؤنا وأجدادنا قدوتنا. فقد دفعوا دماءهم وأرواحهم في سبيل الاستقلال والمنطق يقتضي أن نقدّم إسهامنا الواعي والفاعل في تحصين هذا المكسب الذي لا يضاهيه مكسب.  
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights