حسام إبراهيم يكتب ل "مصر المحروسة .نت " :حرب الجواسيس بين سكريبل وادب الجاسوسية وصالح مرسي !…

يبدو اننا سنشهد عجبا مع "ظهور نسخ جديدة من حروب باردة  في العالم" كما يحدث الآن في "قضية سكريبل" التي قد تتحول لرواية وفيلم على الشاشة

0
  الأزمة الحالية بين بريطانيا وروسيا جراء محاولة اغتيال ضابط مخابرات روسي منشق تثير تداعيات سياسية بقدر ماتلفت لما يعرف “بأدب الجاسوسية” والذي قد يجري توظيفه سياسيا في الغرب على وجه الخصوص لخلق صور وانطباعات معينة وخدمة مصالح اطراف بعينها. باتت الصحافة ووسائل الاعلام عبر العالم تردد مصطلح “حرب الجواسيس” على إيقاع الأزمة المتصاعدة بين بريطانيا وروسيا جراء الاتهام البريطاني لموسكو بالتورط في محاولة اغتيال “الجاسوس الروسي المنشق سيرجي سكريبل وابنته يوليا بغاز الأعصاب القاتل” في مدينة  “ساليزبيري” ببريطانيا. سيرجي سكريبل البالغ من العمر 66 عاماوصل الى بريطانيا عام 2010 في سياق “عملية تبادل جواسيس كانت الولايات المتحدة طرفا فيها”   بعد ان ادين وسجن في روسيا عام 2006 لقيامه بتسريب معلومات لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية المعروف بالاختصار “ام اي 6”. وبقدر ما افضت هذه الأزمة التي اندلعت مؤخرا بين بريطانيا وروسيا وانخرطت فيها واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي مصطفة الى جانب لندن لتحليلات وتعليقات ذات طابع سياسي فانها تثير الخيال العام بشأن مايعرف بحرب الجواسيس وقد تحفز الكتاب المتخصصين فيما يعرف “بأدب الجاسوسية” لكتابة اعمال جديدة سرعان ماتتلقفها السينما لتعرض كأفلام على الشاشة الكبيرة. ومع ان العديد من المعلقين حتى داخل بريطانيا أشاروا لعدم توافر “ادلة دامغة تعزز الاتهام البريطاني لروسيا بالتورط في محاولة اغتيال الجاسوس سيرجي سكريبل وابنته البلغة من العمر 33 عاما” فان كتاب الجاسوسية في الغرب يخدمون مواقف دولهم والرؤى الغربية حيال الصراعات في العالم وان قاموا بذلك بصورة تتميز غالبا بالقوالب الأدبية المشوقة والمبهرة أحيانا. ومن الدال ان “صفقة تبادل الجواسيس” التي افرج بمقتضاها عن سيرجي سكريبل تضمنت اطلاق سراح جاسوسة روسية تدعى آنا تشابمان كانت قد اعتقلت في الولايات المتحدة ووصفتها وسائل الاعلام “بالجاسوسة الأكثر سحرا”..كما ان من الدال في هذا السياق ان رواية “العصفور الأحمر” التي تحتل في الأسابيع الأخيرة مكانة متقدمة بقوائم اعلى مبيعات الكتب في الولايات المتحدة والغرب هي رواية تدخل في “ادب الجاسوسية” وبقلم الكاتب وضابط المخابرات الأمريكية السابق جاسون ماثيوس. وهذه الرواية التي كتبها هذا الضابط الكبير السابق في قسم العمليات السرية بوكالة المخابرات الأمريكية تتناول أجواء الحرب السرية بين الأمريكيين والروس وتتمحور حول جاسوسة روسية تجيد فنون الاغراء والغواية فيما تحولت لفيلم سينمائي انتجته هوليود بالعنوان ذاته ومنحت بطولته للنجمة جينيفر لورانس ليعرض حاليا في دور السينما بشتى انحاء العالم. واذا كان ضابط المخابرات الأمريكية السابق جاسون ماثيوس قد امسى من اهم كتاب “ادب الجاسوسية” في الغرب فان النقاد يؤكدون على وجود فارق اساسي بين الروائى وبين رجل المخابرات.. فالروائى يتابع على الورق انفعالات وعواطف وأعمال أشخاص وهميين ومن صنع الخيال احيانا أما رجل المخابرات الذى يبنى شبكة الجاسوسية فانه يتعامل دوما مع أشخاص حقيقيين ويوجه أحاسيسهم وأعمالهم. فاذا جعل الروائى أبطال قصته يسلكون سلوكا يتنافى مع العقل والحك مة أى سلوكا مخالفا لكيانهم السيكولوجى فان الناقد الأدبى سرعان ما يضع أصبعه على هذا العيب ويهاجم الروائى الذى خلق موقفا لايمكن تصديقه أما رجل المخابرات الذى يبنى شبكة التجسس فانه اذا وضع خطة ما وأدخل فيها ارتباطات متناقضة غير منطقية ولايمكن تصديقها فان خطته ستنتهى بالفشل وسوف يجد أبطاله الأحياء أنفسهم وراء القضبان كما حدث مع سيرجي سكريبل عندما سجن في روسيا قبل ان يطلق سراحه في “صفقة تبادل الجواسيس”. ولئن تحولت رواية “العصفور الأحمر” الى فيلم ينتصر للولايات المتحدة والغرب عموما في مواجهة روسيا فلن يكون من المثير للدهشة ان تتحول الأزمة الحالية بشأن ضابط المخابرات الروسي الذي خان بلاده وقدم معلومات سرية للبريطانيين الى رواية وفيلم سينمائي. وبصرف النظر عن حقيقة الاتهام البريطاني لموسكو بالتورط في  محاولة اغتيال سكريبل وتبادل الجانبين لإجراءات عقابية تتضمن طرد الدبلوماسيين وتهديدات بطرد الاعلاميين فماحدث يبرهن على اننا مازلنا نعيش فى عالم غير أمن بقدر ماهو غامض ومحير وفى السنوات الأخيرة توالت عدة وقائع تؤكد على هذه الحقيقة ومن اشهرها في سجل العلاقات البريطانية-الروسية حادث هلاك الجاسوس الروسى السابق الكسندر ليتيفيننكو بجرعة اشعاعية قاتلة في شهر نوفمبر عام 2006بلندن. فهذه  القضايا تدخل في قصص الجاسوسية التى أشتهر بها كتاب في الغرب مثل الكاتب  البريطاني جون لو كاريه الذي ولد في التاسع عشر من أكتوبر عام 1931 وبرع في ادب الجاسوسية ومازال يكتب في شيخوخته..وشاد جون لوكاريه عالما روائيا مشوقا مستمدا من قصص التجسس ابان الحرب الباردة وتناول فى بعض ابداعاته حروب المخابرات فى الشرق الأوسط كما فعل فى رواية “الطبالة الصغيرة” الصادرة عام 1983 . ولئن ابدع جون لوكاريه في ابتكار شخصية “جورج سمايلي” واضفى عليه طابع “الجاسوس الغربي الجذاب” فمن الذي ينسى شخصية جيمس بوند التي ابتكرها الأديب والصحفي البريطاني ايان فليمنج وعرفت طريقها للشاشة الكبيرة منذ عام 1962 لتحقق اعلى الإيرادات في السينما فيما أدى ستة نجوم هذه الشخصية وهم :شون كونري وجورج لازنبي وروجر مور وتيموثي دالتون وبيرس بروسنان ودانييل كريج . وايان فليمنج الذي ابتكر شخصية “جيمس بوند” ولد في الثامن والعشرين من مايو عام 1908 بلندن وقضى في الثاني عشر من أغسطس عام 1964 خدم كضابط في استخبارات البحرية البريطانية ابان الحرب العالمية الثانية فيما بدأت سلسلة روايات جيمس بروايته “كازينو رويال” ثم “العين الذهبية” وعمل مؤلفون اخرون على هذه السلسة بعد وفاته لانتاجها سينمائيا. وروايات جيمس بوند التي تصنع في نهاية المطاف صورة مبهرة لضابط المخابرات البريطاني والغربي على وجه العموم وتحفل بجميلات السينما الأمريكية مازالت تلهم هوليود بإنتاج المزيد من الأفلام التي تحمل اسم هذا الجاسوس الغربي الشهير “بالعميل 007” حتى ان جزءا جديدا من هذه السلسلة الهوليودية من بطولة النجم دانييل كريج وتأليف نيل بورفزو وروبرت ويد سيعرض في شهر نوفمبر من العام القادم . وفي عام 2016 اختارت لجنة التحكيم في جوائز بوليتزر الأمريكية الشهيرة وهي من اهم جوائز الصحافة والأدب في العالم رواية “المتعاطف” التي لاتخلو من “ادب الجاسوسية” للمؤلف فيت ثانه نجوين لتمنحه جائزة الرواية..و الرواية تتناول الحرب الفيتنامية والفترة التالية لنهايتها في منتصف سبعينيات القرن العشرين وبطل رواية “المتعاطف” هو “جاسوس شيوعي نصف فيتنامي ونصف فرنسي” ويعيش حياة مزدوجة في لوس انجلوس اما مؤلف الرواية ذاته فهو ينتمي لعائلة من اللاجئين الفيتناميين في الولايات المتحدة وشب عن الطوق في ولاية كاليفورنيا وكان معجبا دوما بروايات وقصص الجاسوسية. واذا كانت هذه الجائزة الثقافية الأمريكية قد منحت لرواية “المتعاطف” التي تتناول الحرب الفيتنامية كما تستعرض وقائع مابعد انتهاء هذه الحرب التي تورطت فيها الولايات المتحدة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بقلم كاتب فيتنامي الأصل  فان الأمريكيين لن ينسوا اسم هوارد هانت الذي جمع مابين صفة الكاتب وصاحب الكتب المتعددة والعمل السري في المخابرات الأمريكية مثلما فعل صاحب “العصفور الأحمر” جاسون ماثيوس. وهوارد هانت الذي قضى في الثالث والعشرين من يناير عام 2007 عن عمر يناهز ال88 عاما بعد مسيرة طويلة فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سى آى ايه” اصدر 73 كتابا كما سجل علامات فارقة فى تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الشهيرة بالاختصار “سي أي ايه” مثل دوره فى تنظيم عملية خليج الخنازير التى أستهدفت كوبا فى ظل قائدها الثورى فيدل كاسترو وهددت بمواجهة أمريكية-سوفييتية فى مطلع الستينات من القرن الماضى. وهذا الضابط الكبير في المخابرات الأمريكية عرف ككاتب له أسلوبه الأدبى المميز وكان يكتب قصصا قصيرة منذ أن كان شابا فى الثالثة و العشرين من عمره وبدا أسلوبه قريبا من أسلوب الكاتب الكبير أرنست هيمنجواى..وكتب هوارد هانت مذكراته تحت عنوان “جاسوس أمريكى” وسجل وقائع أيامه فى الكتابة والأدب بنشوة وهو يصف حفاوة النقاد بقصصه وأقدام هوليوود على شراء بعض هذه القصص لتحويلها لأفلام سينمائية وهذا ماحدث مثلا مع قصته “سباق بيمنى” التى باعت 150 ألف نسخة وأشترتها شركة” وارنر براذرز” للأنتاج السينمائى. وفيما لعب هوارد هانت دورا خطيرا فى الاطاحة بنظام حكم الرئيس اليسارى جاكوب أربينز فى جواتيمالا عام 1954 وشغل منصب رئيس محطة المخابرات المركزية الأمريكية فى مونتفيديو عاصمة أرجواى ونشط فى أمريكا الجنوبية لمحاربة الفكر اليسارى والتصدى للأشتراكيين فان الكاتب الشهير نورمان ميللر استوحى شخصيته فى قصة “شبح هارلوت” التى صدرت عام 1991 وتناول فيها بعض أنشطة السى آى أيه..وفى مقابلة صحفية وصف نورمان ميللر رجل المخابرات هوارد هانت بأنه رجل جمع بين المتناقضات فشخصيته المدهشة مزيج من الخير والشر والفضائل والسيئات والمناقب والأباطيل. هذا كله تجلى فىا أيام الحرب الباردة ومعارك المخابرات الرهيبة بين الغرب والشرق وقد أنتجت القريحة الخصبة لضابط المخابرات والقاص والروائى هوارد هانت العديد من القصص والروايات التى تتحدث عن هذه الحقبة وخاصة فى سنوات الستينات عندما أستعرت الحرب الباردة غير أن هذه الكتابات كانت من وحى خياله ولاعلاقة لها بمهامه الفعلية كضابط كبير فى المخابرات الأمريكية وكثير منها صدر بأسماء مستعارة. ويبدو اننا سنشهد عجبا مع “ظهور نسخ جديدة من حروب باردة  في العالم” كما يحدث الآن في “قضية سكريبل” التي قد تتحول لرواية وفيلم على الشاشة الفضية..انها “الذاكرة الجديدة القديمة لأدب الجاسوسية كما اقترنت وتقترن بالحروب الباردة والسرية” ولكن السؤال الكبير :”من سينتصر هذه المرة في تلك الحرب الجديدة بالألفية الثالثة” ؟!..والسؤال المحزن أيضا :”اين ادب الجاسوسية عندنا منذ رحيل صالح مرسي صاحب الصعود للهاوية”؟!..للأسف منذ ان رحل الكاتب والصحفي الكبير صالح مرسي عن الحياة الدنيا في عام 1996 لن تجد عملا ادبيا مصريا ينتمي لما يعرف بأدب الجاسوسية على مستوى “الحفار” او “رأفت الهجان” او “دموع في عيون وقحة” واغلب مايكتب عندناتحت هذا العنوان يفتقر للجاذبية بقدر مايحفل بالسذاجة ويخلط مابين الرواية البوليسية وادب الجاسوسية..مشكلة كبيرة فعلا لكن المؤكد ان مصر لم تنضب من كنز المواهب التي تنتظر فقط من يزيح عنها غبار الاهمال!!.  
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights