محمد عبد الظاهر المطارقى يكتب عن حكايات صفاء عبد المنعم وأحلامها الملونة

0

الأحلام الملونة هى العمود الفقرى الذى تتكأ عليه صفاء عبد المنعم فى بث حكاياتها للأطفال. إنها تؤمن بقوة الحكاية، وقدرتها على صنع عالم جميل ومحبب لدى الطفل، بل إن الحكاية ـ بذاتها ـ تمتلك القدرة على صناعة مستقبل أكثر إشراقا من خلال تزكية خيال الطفل، وتحديد هدفه وإكسابه الهمة على تحقيق هذا الهدف النبيل.

ولا غرو فإن الكاتبة  صفاء عبد المنعم  نفسها تعترف أنها تأثرت بحكايات جدتها منذ أن كان عمرها ثمانى سنوات.. إنها صنيعة تلك الحكايات ، ولأنها استطاعت ـ الى حد كبير ـ أن تحقق أحلامها القديمة بأن تصبح فى يوم ما مديرة مدرسة، وكاتبة لها العديد من المؤلفات، فهاهى تحاول جاهدة أن تقوم بدور الجدة ولكن بطريقة تتماهى مع طفل عصرى، يتعاطى الثقافة بطرق وأساليب متعددة تختلف إلىذ حد كبير عن أسلافه من الصغار..

 صفاء عبد المنعم  ـ بجانب الحكايات القديمة لجدتها. استفادت أيضا كباحثة فى التراث الشعبى، وبكونها أم تهتم بشئون صغارها بجانب حرصها على استخدام الحكاية كعنصر أساسى ومهم فى التنشئة والتربية..كذلك من طبيعة عملها كمعلمة، ثم مديرة مدرسة.. بل إن احتكاكها الأكثر تأثيرا هو ورش الإبداع التى تلتقى فيها مباشرة مع الأطفال المبدعين وهو جمهورها المستهدف الذى لاغنى عنه لكل من يكتب للطفل، بالإضافة إلى ورش تدريب الموهوبين وهى عبارة عن ورش حكى تتبع قصور الثقافة.. نحن إذن أمام كاتبة لها رصيد مشبع من التراث الشعبى، والكتابات الإبداعية المتنوعة، ومحملة بقدر هائل من الأحلام الملونة المدهشة التى تعمل على تقديمها للطفل.

ولقد تجلت أحلام الكاتبة صفاء عبد المنعم بوضوح فى مجموعتها القصصية  حكايات بسملة”.. الصادرة عن المركز القومى لثقافة الطفل.

المجموعة تمتاز بالأسلوب البسيط الذى لا يشكل أى عائق للطفل المتلقى، فضلا عن كونه يتسق مع طبيعة الشخصية والحوار. والشخصية الرئيسة فى المجموعة هى شخصية البنت “بسملة”. تلك البنت الجميلة، التى تحرص دائما على طرح الأسئلة لتعرف، وكأن الكاتبة تؤكد على أن مفتاح العلم هو السؤال. فلابد لكى نتعلم ونعرف أن تكون هناك علامات استفهام تحتاج منا الى البحث والاستفسار، للوصول الى إجابة منطقية ومقنعة.ودائما الإجابة تأتى من مصادر موثوق بها. نجد ذلك فى قصة “بسملة تحب القراءة”  حين دخلت الصغيرة مكتبة خالها لتبحث عن كتاب تقرأه.

وقفت بسملة أمام صفوف الكتب فى حيرة، وهنا بدأ الحوار بين الطفلة”بسملة”، وخالها.. إنها الأسئلة التى تشغل بالنا حين تبدأ أولى خطواتنا مع رحلة القراءة والكتب، فالمكتبة تحمل بين أجنحتها كتب: تاريخ، فلسفة، قصص، روايات، خيال علمى، أديان.. كتب كثيرة وجميلة وشائقة جدا.

واحتارت بسملة، وبدأت علامات الاستفهام تداهمها، لكن خالها باعتباره شخصية محبة للقراءة، قدم إليها الإجابة ببساطة أقتعت بسملة وأقنعتنا معها نحن كقراء صغار، نريد أن نعرف ونتعلم كيف نبدأ حياتنا مع الكتاب. ينبغى أن نبدأ أولا بمجلات الأطفال، وبعد أن نتعود على القراءة نبدأ بالمعلومات البسيطة  مثل كتب تبسيط العلوم، وكتاب قطر الندى وكتب مكتبة الأسرة الخاصة بالأطفال.. إنه الأسلوب الأمثل لنعتاد القراءة.. إن الكاتبة  صفاء عبد المنعم  تعطى الطفل القارىء دروسا نافعة على لسان الطفلة  “بسملة” ، ثم تأتينا الإجابة بطريقة مبسطة عن طريق شخصية ناضجة وواعية ، ولها خبرة فى مجالها.

فى قصة “بسملة تحب شراء الملابس الجديدة” تدخلنا الكاتبة فى حيرة من نوع آخر.. بسملة احتارت أمام الكتب فكان خالها يمتلك الإجابات الشافية التى أقنعتها.. وفى القصة الثانية تحتار بسملة أمام كم الملابس الكثيرة التى تمتلكها، إنها تحرص دائما على شراء الملابس الجديدة عند كل مناسبة من المناسبات.. وهى تصر على ارتداء الجديد دائما، وعندما تضطر لارتداء ملابسها تقف كثيرا محتارة أيها تختار من كثرتها.. وتضطر لأن تخرج جميع ملابسها  وتمكث وقتا طويلا لكى تحدد أى الملابس ترتديها. “بسملة” .وبرغم كم الملابس التى تمتلكها إلا أنها تطالب بملابس أخرى جديدة، وتصر على ذلك، وتحاول الأم إقناعها  بأن ملابسها الكثيرة هى التى تسبب لها هذه الحيرة ، بعد محاولات مضنية تضطر الأم لأن تهدد بسملة بعدم اصطحابها معها ولن تشترى لها ملابس جديدة..  وتستعيد بسملة كلمات الأم حين قالت غاضبة” يا بسملة هناك أطفال كثيرون ليس لديهم غير فستان واحد، ولا يملكون كل هذه الملابس.”

وهذا مادفع بسملة فى نهاية القصة لأن تعيد النظر فى موقفها، وتسلم بهذا الرأى لتعطينا درسا فى العطاء حين قررت أن تخرج الزائد عن حاجتها لتتبرع به.

وفى “بسملة والانتخابات” نجد الحوار هذه المرة ينتصر لصالح بسملة حين أقنعت أمها بالذهاب معها الى الانتخابات برغم كونها طفلة لاتزال، ولا يحق لها التصويت. إن بسملة تحلم بأن تكون ذات شأن فى المستقبل، ولابد أن تستفيد من تجربة كهذه  الآن ،لتنتفع بها حين تكبر، فهى تحلم أن تصبح صحفية مشهورة ، ولسوف تكتب عن هذا اليوم فى مذكراتها.. كما أن شقيقها عمر يريد أن يصبح عالما ويدخل جامعة زويل،ويدرس فيها.. إن شخصيات صفاء عبد المنعم ليسوا مجرد أطفالا صغار يهتمون فقط باللعب، ولكنهم يحلمون، ويرسمون أحلامهم الملونة بأيديهم ويعملون جاهدين على تحقيق تلك الأحلام من خلال إصرارهم على التفوق..

وفى حكاية “ورقة بيضاء”  وهى قصة تختلف عن بقية المجموعة بكونها تتكأ على أجواء خيالية وأنسنة الأشياء، واحتشادها بكم من المشاعر الفياضة المؤثرة وذلك من خلال حوارا بين ورقة نتيجة، وورقة بيضاء، تستعرض فيه ورقة النتيجة نفسها، وتفخر بكونها تمتاز بصفات تفتقر اليها الورقة البيضاء..وبطريقة بارعة نتعرف على أهمية ورقة النتيجة برغم حالة الصلف والغرور التى تعتليها، ونتعرف على أمجاد الورقة البيضاء ودورها الذى كان له أهمية قصوى فى حياتنا.. حين كنا نتبادل الرسائل البريدية من خلال الخطابات المكتوبة بخط اليد ، هذا مافعله عمر نفسه حين كان يرسل الخطابات الى الأصدقاء فى البلاد العربية .. وهى نفسها الورقة البيضاء التى كتب والد عمر ملاحظاته عليها حين كان يحضر لرسالة الدكتوراه. وبلغت الورقة البيضاء حالة من الحزن الشديد، والإحباط لكونها لم يعد لها فائدة، وإصرار ورقة النتيجة على التفاخر والتقليل من شأن صاحبتها، لكنها (أى الورقة البيضاء ) تسعد أيما سعادة حين تمسك بها بسملة وتقوم برسم طيورا كثيرة تطير، وترفرف بجناحيها، وأطفالا صغارا يلعبون بالبالونات، وأشجارا وزهورا جميلة.. وهكذا استعادت الورقة مكانتها مرة أخرى حين قامت بسملة بلصقها على الحائط.

وكأن القصة تؤكد على قيمة التواضع، وعدم ازدراء الآخرين فربما كانوا يمتلكون مهارات تفوق مهارتنا وقدراتنا.. كما علينا أن نفتش فى أنفسنا ولا نستسلم لحالات الإحباط واليأس لمجرد أن يتهمنا أحد أو يحاول النيل منا، فالقادم دائما أجمل.

وفى قصة ” حلم خاص” تؤكد الكاتبة على أهمية الحلم، والعمل على تحقيقه منذ البداية.. فالصغير مصيره يكبر، وعليه أن يجتهد من الآن  وكما تقول “شيرين” لزميلتها “بسملة”: أنا ابنى حلمى كل يوم فى الليل وأنا نائمة، ابنى المدينة الجميلة، وأصمم مبانيها، وأرسم شوارعها المزخرفة…

ما أجمل أن نحلم، وما أروع أن نسعى جاهدين لتحقيق هذا الحلم .

وفى قصة “إجازة نصف العام” وهى ما تختم به الكاتبة مجموعتها القصصية، ننتقل هذه المرة الى المدرسة ليكون اللقاء بين المعلمة التى تشبه الى حد كبير الكاتبة نفسها ، فهى تحسن مخاطبة الصغار، وتستنفر فيهم طاقات الإبداع، وتتبادل معهم  الحوار بأسلوب راقى وشائق، إنها المعلمة التى تؤمن بأهمية الموهبة، وتفتش عنها، وتسعى لاكتشافها، لتجد أن ثمة أطفالا كثيرون يحملون بين جوانحهم مواهب متعددة.. يقدمونها بكل سعادة وفخر.. لتنتهى القصة بحصول المدرسة على شهادة تقدير وبعض الجوائز العينيه التى كانت عبارة عن مجموعة من قصص ومجلات وعلب ألوان.

الكاتبة المبدعة صفاء عبد المنعم نجحت الى حد كبير فى توصيل رسالتها التربوية من خلال أسلوب قصصى بسيط وهادف.. وهى تمنحنا دروسا مهمة فى كيفية التحاور مع الصغار، واحترام وجهات نظرهم، كما تؤكد على إيمانها بجدوى الفن والإبداع وقدرته على صنع أجيال جديدة محملة بالأحلام التى حتما ستتحقق يوما ما.

المجموعة لاشك تزدان بلوحات رائعة للفنان هشام السعيد، الذى استطاع أن يجسد ملامح بسملة ببراءتها وطفولتها بشكل لافت وجميل.. وقد منحتنا الألوان فى فضاء الصفحات راحة نفسية.. مع رسومات طفولية توالدت من رحم النص، فكانت متسقة الى حد كبير مع القصص بشخصياتها البسيطة المحببة.

محمد المطارقى

المحلة الكبرى

مارس 2018

 

 

 

Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights