لأول مرة في تاريخها .. «مورتانيا» من  سطوة الانقلابات إلى تداول سلمي للسلطة

رئيس موريتانيا :غير مترشح للانتخابات الرئاسية المقررة 2019، وأنه لن يغير المواد المحددة لولايتي الرئاسة، وأنه «سيلتزم بالدستور»

0
في خطوة غير متوقعة، تعيد تشكيل المشهد السياسي في موريتانيا، وتعد تحولا تاريخيا هاما في دولة عربية خضعت لأحكام وسطوة الانقلابات التي  تدير شئون البلاد،  وتشهد لأول مرة في تاريخها تداولا سلميا للسلطة .. لاقت التصريحات التي أدلى بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز لمجلة«جون أفريك» الفرنسية، ترحيبا واسعا داخل الأوساط السياسية الموريتانية.. وتضمنت التصريحات، تأكيده  أنه غير مترشح للانتخابات الرئاسية المقررة 2019، وأنه لن يغير المواد المحددة لولايتي الرئاسة، وأنه «سيلتزم بالدستور».. لاقت ترحيبا واسعا داخل الأوساط السياسية الموريتانية وبخاصة أوساط المعارضة.. بينما شكك البعض في نوايا الرئيس الموريتاني، وفي توقيت «نص التصريحات»، وهل هي قاطعة حاسمة أم «مناورة رئاسية»؟!. وتباينت ردود الأفعال داخل المشهد السياسي.. ويرى محمد جميل منصور الرئيس الأسبق لحزب التجمع (المحسوب على الإخوان المسلمين) والذي يقود أكبر كتلة معارضة في البرلمان، أن تصريح الرئيس كان واضحا بأنه سيلتزم بالدستور الذي يحد المأموريات الرئاسية باثنتين، ولم يمس هذه المادة و لن يلمسها مستقبلا .. وقال «منصور»: ليس في هذه الإجابة لبس، والبحث عن تأويلات لا يخدمها ظاهر الجواب لا داعي له، وبالتالي في هذا المستوى الأمر يستحق التسجيل، ولا بأس بالترحيب والتشجيع حتى ولو كنا نعرف أن الالتزام بالدستور واجب، وأن الدستور يمنع تعديل مواد المأموريات. وتراجع المعارض الموريتاني، عن الثقة المطلقة في قرار الرئيس ولد عبد العزيزن عدم الترشح لولاية ثالثة، وأنه ملتزم بالدستور دون تعديل للمادة التي تحدد ولاية الرئيس بإثنتين .. وبرر أحد أبرز رموز المعارضة، تحسبه لمصداقية النوايا والقرار، بأمرين: أولهما أن الرئيس ولد عبد العزيز، توقف في طريقه من المطار ليحيي مجموعة خارجة على القانون وتدعو صراحة لانتهاك الدستور وهو الذي أقسم على احترامه وعلى ألا يسهم مباشرة أو على نحو غير مباشر فيما يؤدي إلى تعديله في محور المأموريات وتحديدها باثنتين.. والأمر الثاني يتعلق بما تردد من أخبار نقلها موقع «موند أفريك» عن محاولات لسحب «تصريح الرئيس» محل الارتياح، خلال اجاباته على تساؤلات صحيفة «جون أفريك» الفرنسية، والتي وصلت حد مفاوضات أجرتها شخصية معروفة مقربة من النظام مع «جون أفريك» من أجل هذا السحب، دون التسليم بصحة المعلومة !! وفي رد على سؤال  «جون أفريك»، عن الوريث أو الخلف، أوضح الرئيس ولد عبد العزيز، أن هذا الأمر متروك للمستقبل ولكن كل المواطنين يستطيعون الترشح ثم قال «سأدعم أحدهم».. مما أثار موجة انتقاد من المعارضة الموريتانية، التي أكدت أنه من غير المناسب أن يتخذ الرئيس القائم موقف دعم أو عكسه أثناء إشرافه على الانتقال من بعده، فذلك يفسد اللعبة ويفتح الباب أمام تجيير الدولة ومؤسساتها لصالح طرف معين خرقا للنزاهة وتكافؤ الفرص. المعارضة المعتدلة، تؤكد أنّ خروج الرئيس «عزيز» بطريقة دستورية وقانونية، حتى ولو فاز بخلافته أحد أنصاره ومعاونيه، سيبقى إنجازا كبيرا وتقدما ملموسا في بلد لم يعرف حتى الآن إلاّ الانقلابات العسكرية، كما سيشكل قَفْزَة عظيمة في سجل تاريخ هذه البادِية وأهلها ورِمالها المتحَرِّكة، هذا مع أنّ فوز المعسكر الحاكم ليس قدرا محتوما على البلاد والعباد، إذا ما أحسنت المعارضة اللعب وعملت على توحيد صفوفها، وقطعت نهائيا ما عُرِف عنها من تشرذم وانقسام، وعلى قوى المعارضة أن تتحرّك من الآن في اتجاه موريتانيا الأعماق وتخاطب السكان بتَفاؤل وإيجابية وحسن ظن وثِقَة في النفس؛ لعل وعسى أن تفوز في انتخابات 2019، وتكتمل فرحة التناوب، وتدخل موريتانيا التاريخ من أعظم أبوابه .  ويقود حزب التناوب الديمقراطي ـ إيناد ـ الفريق الأكثر تشددا برفض الثقة في قرار الرئيس ولد عبد العزيز عدم  الترشح لولاية ثالثة.. وقال بيان الحزب: « لا فرق بين مأمورية ثالثة لشخص ولد عبد العزيز، ومأمورية ثالثة لنظامه.. لقد كان الهدف الأساسي من مهزلة التعديلات الدستورية الأخيرة هو اختبار شعبية الجنرال ولد عبد العزيز وجس نبض الشعب الموريتاني قبل العبور إلي المأمورية الثالثة، وقد جاء رد الشعب الموريتاني الواضح والصريح من خلال مقاطعته الشاملة لتلك المسرحية العبثية التي تعني له ببساطة استمرار النظام الحالي في الحكم وبالتالي استمرار الظلم والفساد ونهب الثروة» بحسب نص بيان حزب إيناد. ويواصل حزب التناوب الديمقراطي، معارضته، مؤكدا أن تصريح الرئيس ولد عبد العزيز، نيته دعم مرشح للرئاسيات القادمة تكشف النقاب عن مخطط آخر يسعي من خلاله النظام إلي فرض مأمورية ثالثة لنظامه برأس جديد.. وطالب الحزب الشعب الموريتاني وكل القوي السياسية إلي التصدي لهذا المخطط «الخطير» الذي يسعي من خلاله النظام إلي تثبيت نفسه بطريقة جديدة عبر عملية استخلاف يتم الإعداد لها بعد رحيل رأسه وذالك للهيمنة المطلقة علي السلطة وحصر التداول عليها في محيطه الضيق. ويرفض السياسي والمفكر الموريتاني، محمد الشيخ ولد سيد محمد، ما وصفه بتحركات «نخبتنا المريضة حتى النخاع ، والمرتبكة ملء الجراب»، والتي  ستظل أبواق منها تردد سفسطاتها عن تخميناتها.. وقال: لقد بيّن الرئيس مرارا، وأكد في هذه المقابلة جهارا، أن مشروع التغيير الذي حلم به ملايين الموريتانيين ، وناضلت من أجله أجيال وحركات وطنية ذاقت في سبيله البأساء والضراء، ومنها من قدم إلى ربه ، طاوي البطن ومكدود العظم، لا يمكن أن يتساهل فيه.  ومن جهة أخرى..اعتبر المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة (أهم تجمع للمعارضة السياسية في موريتانيا) أن هذه الخطوة تبقى ناقصة المفعول إذا لم تصاحبها الإجراءات الكفيلة بضمان عبور البلاد لهذا المنعطف الحاسم.. وقال أكبرتجمع للمعارضة: إنه يسجل  «الموقف الذي أعلن عنه رئيس الدولة محمد ولد عبد العزيز مؤخرا، والمتمثل في نيته احترام المواد الدستورية المتعلقة بعدد المأموريات، وعدم عزمه الترشح لمأمورية ثالثة. إن المنتدى، الذي سيبقى يقظا تجاه كل المناورات، يعتبر هذا الموقف خطوة إيجابية على طريق تكريس التناوب السلمي على السلطة. وترى الدوائر السياسية في موريتانيا، أن المهم الآن  بدء تنظيم تشاور وطني يمكّن القوى الحية والفاعلة من التلاقي والحوار لتحديد قواعد ترسم مسارا يضمن تنظيم انتخابات توافقية مفتوحة وشفافة وحرة، توفر الضمانات الكافية لتكافؤ الفرص بين الفرقاء السياسيين، وتضمن حياد السلطة وعدم توظيف الإدارة وهيبة الدولة ووسائلها لصالح مرشح ضد الآخرين، لأن الإصرار على نهج الانفراد بالسلطة، والأحادية في تسيير المسلسل الانتخابي، والاستمرار في اختطاف الدولة لصالح فريق سياسي ضد الآخرين من شأنه أن يفرغ هذه الخطوة من محتواها ويحيدها عن المغزى الذي ينتظره منها جميع الموريتانيين، والذي هو التبادل السلمي والديمقراطي على السلطة.      
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights