فتحي خطاب يكشف فى مصر المحروسة .نت السر الخطير : وصية لم تنفذ.. «جمال عبدالناصر» المرشد العام للإخوان المسلمين !!

حقيقة العلاقة بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين، وكيف ومتى ولماذا تحولت تلك العلاقة من التوافق والوفاق،إلى الخصومة والشقاق،

0
هذه الاعترافات كشفت عن حقيقة العلاقة بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين، وكيف ومتى ولماذا تحولت تلك العلاقة من التوافق والوفاق،إلى الخصومة والشقاق، وهي العلاقة التي كانت ولا تزال تمثل واحدا من أ   كثر الألغاز إثارة في تاريخ مصر المعاصر كما يقول الصديق الكاتب الصحفي سليمان الحكيم حين سجل إعترافات المستشار الدمرداش العقالي، الذي كان أحد أبرز أعضاء الجهاز السري في تنظيم الإخوان المسلمين، وزعيم الطلبة الإخوان بالجامعة، وكان المستشار العقالي في الموقع الذي يسمح له ليس فقط برؤية الأحداث عن قرب، بل المشاركة فيها بفاعلية وتأثير.   يقول المستشار العقالي: الصحيح أن جمال عبد الناصر حسين لم يكن فقط جزءا من حركة الإخوان المسلمين من حيث العمل الثوري، بل هو نبتة إخوانية منذ الأساس، ولديّ على ما أقوله أكثر من دليل.. أولا عندما أحس الضباط المصريون بالرغبة في التغيير عام 1942 كان منطقيا أن ينصرفوا بأذهانهم إلى أكثر الحركات قدرة على معاونتهم لإحداث التغيير، ولهذا فإنه من الثابت أن اليوزباشي جمال عبد الناصر حسين قد إنخرط في صفوف الإخوان المسلمين عام 1942 مشكلا مع عبد المنعم عبد الرؤوف، وأبو المكارم عبد الحي، ومحمود لبيب، الجهاز الخاص للإخوان المسلمين في الجيش، ولم يكن إسم الضباط الأحرار قد ظهر بعد، فكان هذا التشكيل السري في الجيش الذي إنخرط فيه عبد الناصر مجرد فرع للجهاز الخاص الذي أسسه حسن البنا عام 1938 وقد بايع جمال عبد الناصر حسن البنا المرشد العام للحركة بنفس الطريقة التي بايعه بها أي عضو آخر في التنظيم أو الحركة، وأصبح جمال عبد الناصر منذ ذلك الوقت من عام 1942 عضوا عاملا في جماعة الإخوان المسلمين، وقد ظلت جماعة الإخوان المسلمين بقيادة حسن البنا وعبد الرحمن السندي في القطاع المدني، وجمال عبد الناصر في القطاع العسكري، تعمل لتغيير الأوضاع في مصر والاستيلاء على السلطة، كما كان مقدرا لها في عام 1955 فقد قدرت قيادة الإخوان أنه في هذا العام يكون قد توافر لها من الإمكانات المادية والبشرية والحركية ما يمكنها من الاستيلاء على السلطة في مصر.  

الوصية وعندما صدر قرار بحل الحركة في 8/12/1948 واعتقل جميع قيادة الإخوان ماعدا حسن البنا المرشد العام للحركة ورأسها المدبر، حينئذ أيقن الرجل أنه استبقى ليصفى، لأنه لا معنى لأن يعتقل جميع قيادات الإخوان وهم دونه، إلا أن يكون ذلك الأمر يدبر له خاصة، فأعد وصيته وذهب بها ليسلمها إلى صالح حرب باشا في جمعية الشبان المسلمين في الليلة التي قتل فيها، وقد كتب البنا موصيا بأن يكون المسؤول عن جماعة

   الإخوان المسلمين في حالة اغتياله أو غيابه هو عبد الرحمن السندي رئيس الجهاز الخاص أو التنظيم السري للإخوان المسلمين، وإذا لم يكن السندي موجودا يصبح “جمال عبد الناصر حسين” هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين.. وبعد اغتيال حسن البنا بأيام معدودة ضبط عبد الرحمن السندي في القضية المشهورة باسم “سيارة الجيب” التي كانت تحمل الوثائق الخاصة بالأسماء الحركية لجميع أعضاء التنظيم السري لحركة الإخوان المسلمين.. وبعد دخول عبد الرحمن السندي السجن، إنصرفت الأنظار إلى جمال عبد الناصر حسين ليقود الإخوان المسلمين كما جاء في وصية المرشد العام !!

الحركات السرية في الجيش كان عبد الناصر أثناء مشاركته في حرب فلسطين قد اكتشف عددا من الحركات السرية التي يموج بها الجيش المصري.. ولم تكن أي منها تعلم بحقيقة الحركات الأخرى أو إتجاهاتها أو أعضائها، ولكن جمال عبد الناصر الذي كان قائدا متميزا، علم بوجود تنظيم شيوعي في الجيش يقوده

 يوسف صديق، وتنظيم وطني آخر يقوده الضابط أحمد شوقي، بالإضافة إلى عدد آخر من التنظيمات السرية التي كان يعج بها الجيش في تلك المرحلة، التي سادها القلق والترقب قبل قيام الثورة .. وبعد عودته إلى مصر من حرب فلسطين، وعلمه بما جاء في وصية حسن البنا من أنه يرشحه لتولي منصب “المرشد العام للإخوان المسلمين” ، كان عليه أن يجتمع بالضابطين الآخرين اللذين حضرا معه البيعة لحسن البنا، ليشاورهما في الأمر، وهما عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي، وأطلعهما على ما جاء في الوصية، خاصة ما جاء فيها متعلقا بضرورة الإسراع للقيام بحركة التغيير، وقال لهما جمال عبد الناصر يومها، إنه لا سبيل أمامهم للإسراع بحركة التغيير إلا بالتلاحم مع الحركات السرية الأخرى داخل صفوف الجيش، فالمهمة أثقل من أن يتحملها تنظيم واحد، وهي أكبر من قدرة أي تنظيم على حدة، بينما لو استطاعوا التوحد والاندماج في التنظيمات الأخرى أمكنهم القيام بالمهمة بنجاح، على أن يكون زمام الأمور بأيدينا. وقد وافق أبو المكارم عبد الحي على ما قاله عبد الناصر، أما عبد المنعم عبد الرؤوف فقد رفض ذلك قائلا إنه لا يمكن أن يضع يده إلا في أيد “متوضئة” وأنه أقسم يمين الولاء للعمل على المصحف، وأنه لا يمكن الوصول إلى الغاية النبيلة إلا بالوسيلة النبيلة، وبالتالي فإنه لن يضع يده في أيد الشيوعيين أو غيرهم ممن لا ينتمون إلى الإخوان المسلمين .. وحاول عبد الناصر جاهدا إقناع عبد المنعم عبد الرؤوف بوجهة نظره لكنه حين فشل في ذلك قال له : إذا اعتزلتنا فلا تكن ضدنا، وإذا عملنا عملا واحتجناك فيه فساعدنا، فوعده بذلك، وافترقوا على هذا الوعد والاتفاق. وعلى إثر ذ لك شرع عبد الناصر في بناء تنظيم الضباط الأحرار، الذي كان يضم في الواقع أكثر من تنظيم سري، وأكثر من اتجاه سياسي وعقائدي، وكان ذلك في عام 1949 وهو التاريخ الصحيح لبداية تنظيم الضباط الأحرار. محاولات احتواء الاخوان ويضيف المستشار “العقالي” في إعترافاته : وفي يوم 3 يناير 1950 أجريت الانتخابات البرلمانية في مصر، وهي آخر انتخابات أجريت في عهد الملك فاروق، وقد نجح فيها حزب الوفد نجاحا ساحقا، وقد أثارت هذه الأغلبية الكاسحة الرعب في نفس فاروق الذي كان عداؤه الشديد للوفد أمرا لا يقوى على إخفائه.. فجمع مجلس البلاط الذي كان فاروق يستشيره في أموره الخاصة حين تشتد به الأزمات، وكان مجلس بلاطه مكونا من ناظر الخاصة الملكية محمد نجيب سالم باشا، ومحمد العشماوي باشا وزير المعارف الأسبق، وهو معلم فاروق الذي أشرف على تعليمه حين كان يتلقاه في مدارس لندن وجامعاتها، أما الثالث فهو رجل الدين البارز محمد عبد اللطيف دراز، وكان وكيلا للأزهر، كما كان قطبا من أقطاب الحزب السعدي المناوئ لحزب الوفد.. حيث إشتكى لهم الملك مخاوفه من مجيء الوفد إلى الحكم فاقترحوا عليه أن يعيد الإخوان المسلمين إلى الساحة ليحدث التوازن مع الوفد، واندهش فاروق لدى سماعه الاقتراح، خاصة أنه هو الذي كان قد دبر وأمر باغتيال حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين، ومن هنا استبعد فاروق أن يؤازره الإخوان، وهو قاتل مرشدهم، في موقفه ضد حزب الوفد، لكن مجلس بلاطه أكد له أن جماعة الإخوان قد ربيت على السمع والطاعة للمرشد العام لجماعتها، فإذا نجحوا في تعيين مرشد جديد للإخوان المسلمين يدين بالولاء للملك، فإنهم يكونون بذلك قد نجحوا في استيعاد الإخوان المسلمين والاتجاه بحركتهم إلى صف الملك.. وإنبرى الشيخ عبد اللطيف دراز عضو مجلس البلاط قائلا: إنه لديه المرشد الذي يدين لجلالة الملك بالولاء الشديد .. وحين سأله “فالروق” عن إسم المرشح لزعامة الإخوان ؟ قال له دراز: إنه الشيخ أحمد حسن الباقوري ! وكان الباقوري زوج ابنة عبد اللطيف دراز، وهو وكيل المرشد العام السابق المرحوم حسن البنا، أي أنه يقف بإحدى قدميه في الإخوان المسلمين وبالأخرى في البلاط الملكي ! وطلب الباقوري مهلة من الوقت يستكشف خلالها رأي مكتب الإرشاد في أمر ترشيحه زعيما للإخوان، ولكنه لم يحظ بالموافقة، فرشح الباقوري المستشار حسن الهضيبي ليكون مرشدا عاما للإخوان المسلمين، وهو لم يكن عضوا في الجماعة، لكن كانت تربطه علاقة جيدة مع المرشد العام حسن البنا، كما أن الهضيبي ليس مواليا فقط للملك فاروق، بل كان مواليا أيضا لأبيه الملك فؤاد الذي يدين له الهضيبي بتعيينه قاضيا بعد أن كان محاميا. ولهذا ظل الهضيبي يدين بالولاء للملك فؤاد حتى وفاته، ثم أصبح ولاؤه لابنه الملك فاروق من بعده.. واستحسن الملك فاروق الاقتراح، وتكفل الشيخ أحمد حسن الباقوري بترويجه في سوق الإخوان المسلمين، واستطاع الشيخ الباقوري أن يعقد البيعة للمستشار الهضيبي، إلا أن عبد الرحمن السندي أكد لأعضاء جهازه الخاص أن المرشح الجديد “حسن الهضيبي” ما هو إلا عميل لفاروق . قيام الثورة وجاء موعد قيام الثورة، وكان آخر اجتماع تمهيدي قبل قيام الثورة، عقده جمال عبد الناصر في بيت عبد الرحمن السندي قائد التنظيم السري للإخوان المسلمين، وكان ذلك يوم 17 يوليو 1952 وكان الاجتماع بعيدا عن أعين الضباط الأحرار، لوضع اللمسات الأخيرة على سيناريو التحرك ليلة الثورة، وما يجب عمله لنجاحها .. وقد ناقش السندي وعبد الناصر في هذا الاجتماع كل شيء بالتفصيل، حتى الاسم، وحينما جاء الوقت لمناقشة إسم العملية طرح عبد الناصر اسم “الثورة المباركة” ولكن السندي خالفه في ذلك معترضا، وطلب تسميتها “الحركة المباركة” لأن الحس الإسلامي لا يستريح لكلمة ثورة، التي لازمت جماعة الخوارج الشهيرة طوال تاريخهم .. ومن ضمن ما أكده عبد الرحمن السندي في هذا الاجتماع مع عبد الناصر، هو أن تتسم أول قرارات الحركة المباركة بالانحياز إلى الإخوان المسلمين في بعض القضايا المعلقة مثل الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين من الإخوان المسلمين، واستثناء المعتقلين الشيوعيين والماركسيين من قرار الإفراج، والقبض على “إبراهيم عبد الهادي” رئيس الوزراء السابق وتقديمه إلى المحاكمة بتهمة التدبير لقتل حسن البنا، المرشد العام للإخوان المسلمين، وفي المقابل يصدر القرار الفوري بالإفراج عن أعضاء الإخوان المتهمين بقتل محمود فهمي النقراشي، رئيس الوزراء الأسبق الذي قتله الإخوان، وكان من شأن هذه القرارات، كما رأى عبد الرحمن السندي، وصدورها كأول قرارات للحركة الجديدة، أن تشعر الرأي العام في مصر والعالم بأن الحركة الجديدة تنتمي بشكل واضح إلى جماعة الإخوان المسلمين .. وفضلا عن ذلك كله، طلب عبد الرحمن السندي من جمال عبد الناصر في حال نجاح الثورة وانتقال السلطة إلى يدها، أن يصدر أمر باعتقال حسن الهضيبي, ضمن من سوف تصدر الأوامر باعتقالهم من رؤساء الأحزاب والسياسيين .. ولكن رؤية عبد الناصر لهذا الأمر كانت أكثر نفاذا من رؤية السندي، حين قال عبد الناصر له معترضا، إن مياها كثيرة قد تدفقت في النهر، وكان عبد الناصر يقصد بذلك تلك الألوف الكثيرة التي إنضمت إلى حركة الإخوان إثر حرب فلسطين .. وأضاف عبد الناصر توضيحا لرأيه، أن حسن الهضيبي قد نجح في استقطاب أعداد كبيرة من صفوف الإخوان، الذين إنضموا حديثا إلى الجماعة، خاصة بعد أن رأوا الحكومة تغض الطرف عن نشاطهم المعلن، وأن الهضيبي يستقبل المئات منهم في المسجد المواجه لبيته في حيّ الروضة .. وقد رأى عبد الناصر أن القبض على حسن الهضيبي سوف يفسد الانطباع لدى الرأي العام بأن الحركة الثورية الجديدة هي حركة الإخوان المسلمين.. وكان رأي عبد الناصر بذلك هو الأصوب من رأي عبد الرحمن السندي الذي لم يكن يرى في تلك اللحظة غير تصفية حساباته مع فاروق قاتل الشيخ البنا، وذلك في شخص حسن الهضيبي . ذهب عبد الرحمن السندي إلى جمال عبد الناصر ليطلب منه اعتقال الهضيبي للمرة الثالثة، وربما الرابعة، لكن عبد الناصر رفض أيضا، كما رفض في المرات السابقة، فقال له عبد الرحمن السندي، إنني أتهمك باللعب على الخلاف بين قيادات الإخوان تمهيدا لتصفية الحركة كلها لحسابك الخاص، فإما أن تعطي وفاءك للدعوة التي أمثل أنا قيادتها كما جاء في وصية حسن البنا فتنفذ أوامري فيما إتفقنا عليه معا، وإلا كان لك خبيء آخر تنوي القيام به لحسابك وبعيدا عن حركة الإخوان وقيادتها الشرعية.. لم يغضب عبد الناصر لدى سماعه تلك الاتهامات الصريحة التي ألقاها في وجهه عبد الرحمن السندي، ولكنه تضاحك معه وأخذ يهدئ من روعه ثم قال له : لماذا تطالبني أنا بالقضاء على “الهضيبي”، وتحملني مسؤولية دمه أمام الله ثم أمام الإخوان في الحركة ؟ ولماذا لا تقومون أنتم في الجهاز السري باتخاذ القرار وتنفيذه بعيدا عني، ويعلن الإخوان أنهم صححوا وضعهم بأيديهم، وأنا من جانبي سأقر هذا التصحيح . الصراع مع الهضيبي ويقول المستشار “العقالي” : لقد إبتلع عبد الرحمن السندي الطعم الذي وضعه له جمال عبد الناصر، فأرسل في يناير 1953 مجموعة من الجهاز الخاص، إقتحمت منزل الهضيبي بعد صلاة الجمعة، وكنت أنا واحدا من تلك المجموعة، وطلبنا منه أن يستقيل، وقال له المتحدث باسم الجماعة محمود فرغل رحمه الله، لست مرشدنا ولا نحن اخترناك، وجئنا نطلب منك أن تحل عنا بالحسنى .. وارتعد الهضيبي خوفا ورعبا، ووعد بتقديم استقالته فورا نزولا على رغبة الجهاز الخاص، واستأذننا في الدخول إلى غرفة المكتب ليحضر ورقة وقلما ليكتب استقالته.. دخل الهضيبي إلى إحدى غرف بيته وطال إنتظارنا، حتى فوجئنا بدخوله علينا ومعه قوة من جنود الشرطة على رأسها أحد الضباط .. وأشار الهضيبي إلينا قائلا: هؤلاء هم يا حضرة الضابط !! فقد تظاهر الهضيبي بإحضار ورقة وقلم حين دخل إحدى الغرف ببيته، ولكنه كان ينوي الهرب من الباب الخلفي لمنزله ليستعين بالشرطة في التخلص منا.. وكانت نقطة الشرطة مجاورة لبيته في حيّ الروضة، ولا تبعد عنه سوى بضعة أمتار فقط.. وخرجنا من منزله وذهبنا إلى مقر الحلمية نجر أذيال خيبتنا، بعد أن فشلنا في الحصول على الاستقالة، واجتمع بنا عبد الرحمن السندي وأخذنا نتدارس الموقف من جميع جوانبه، وماذا علينا أن نفعل بعد فشلنا في إقالة الهضيبي .. وحل علينا الليل ونحن في نقاش لا ينتهي، وإذا بنا نفاجأ بجموع تسد جميع الشوارع المؤدية إلى المركز العام للإخوان المسلمين في حيّ الحلمية، وتعالت هتافاتهم تطالب بإهدار دمنا!! كان السندي قد أعد العدة لمثل هذا الموقف المحتمل، فأمر مجموعة من أنصاره بحمل المدافع الرشاشة واحتلال سطح المبنى المقابل لمبنى المركز العام وكان مخصصا لجريدة الإخوان، حتى إذا نجح الهضيبي في تأليب أنصاره وتحريكهم ضدنا، تعامل معهم أنصارنا من حملة المدافع .. وحتى لا تقع مذبحة لا نريدها، أمسك عبد الرحمن السندي بميكرفون وأخذ يطالب الجموع التي حشدها الهضيبي ضدنا بالابتعاد والتفرق وإلا فسوف تحصدهم المدافع من فوق أسطح المنازل .. عندئذ تفرق البعض مؤثرا السلامة، وبقى الكثيرون منهم ليطلقوا الهتافات ضدنا .. وأخذنا في التراشق بالهتافات، حتى كانت الساعة الواحدة ليلا، حينما فوجئنا بدخول ثلاثة رجال علينا مخترقين الحصار المضروب حولنا.. وكان هؤلاء الثلاثة هم: جمال عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر، وعبد العزيز كامل الذي كان عضو مكتب الإرشاد بالإخوان المسلمين وكانت تربطه علاقة وثيقة بجمال عبد الناصر. دخل عبد الناصر إلى حيث يجلس عبد الرحمن السندي وقال له : يا أخ عبد الرحمن .. ألم أقل لك إن النهر قد جرت فيه مياه كثيرة ؟ هذه هي الجموع التي لم أكن أريد معاداتها للثورة، أومعاداة الثورة لها، ولكنك لم تكن تريد أن تصدقني .. قال عبد الرحمن السندي : معك حق.. قالها وطأطأ رأسه متحاشيا النظر في عيني عبد الناصر الذي كان يبدو ساعتها منتشيا بصدق رؤيته للأمور.. وبدأ عبد العزيز كامل في الكلام فقال : يا أخ عبد الرحمن إن ترتيب بيتنا من الداخل كان يقتضي مهادنة حسن الهضيبي، ولكنكم أنتم الذين ربيتم له أنيابا وأطلتم له أظافره، وجعلتم أصحاب المصلحة في معاداة الثورة يلتفون حوله وإن كانوا من غير إخوان. وعلى إثر ذلك، استقرت الأوضاع لصالح “الهضيبي” الذي خرج من المحنة أقوى مما كان قبلها، وقد ساعده ذلك على مزيد من التعنت في وجه عبد الناصر، وقطع الطريق على كل محاولات التفاهم أو الالتقاء التي كان يمكن أن تحدث بينه وبين جمال عبد الناصر، مما سارع في دفع الأمور بينهما إلى التصادم .. ومن جانبه بدأ عبد الناصر في الإحساس بأن هناك قوى أخرى من الشعب المصري يحظى بتأييدها بعيدا عن الإخوان المسلمين، وأن تلك القوى الشعبية تدين له بالولاء لما قدمه لها من مكاسب، خاصة في صفوف العمال والفلاحين، وقد تساعده تلك القوى الشعبية في التخلص من ربقة الإخوان المسلمين وحرصه الدؤوب على إرضائها، فهي قوى تحمله ولا يحملها، كما هو الحال مع الإخوان المسلمين الذين كان يشعر معهم بأنه مطالب بدفع فواتير المشاركة وتقديم الحسابات مقابل التأييد .. أما تأييد القوى الجديدة له فكان تأييدا بلا ثمن، أو حسابات أو فواتير مطالب بسدادها أولا بأول .. وكان عبد الناصر هو صاحب الفضل مع مؤيديه من القوى الجديدة.. بعكس القوى القديمة المؤيدة له من الإخوان المسلمين الذين كانوا يشعرون بأنهم هم أصحاب الفضل عليه وليس هو.. في هذا الوقت الذي شعر فيه كل من حسن الهضيبي وجمال عبد الناصر بقوته وجماهيريته، كان لابد أن يقع الصدام بينهما.. وقد كان صداما مروعا أشبه ما يكون بالصدام بين نجمين أو نيزكين من نيازك الفضاء . وتلك كانت شهادة أو إعترافات أحد أبرز قيادات الإخوان، المستشار الدمرداش العقالي، وهو شاهد عيان، بل ومشارك في الأحداث التي كانت مشحونة بالقلق والتوتر سواء داخل بنيان الإخوان، أو داخل الساحة السياسية في مصر، وبداية الصدام بين جمال عبد الناصر والهضيبي، ونهاية مرحلة الوفاق والتوافق مع الإخوان في عهد المؤسس والمرشد العام حسن البنا، وبداية مرحلة الخصام والشقاق مع عهد المرشد العام حسن الهضيبي والتي وصلت إلى محاولة إغتيال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية .
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights