عماد يسى يكتب  : أحمد بدير يفتتح 2018 ب" فرصة سعيدة " ويحتفل بعيد ميلاده وحيدا غريبا

0
كانت فرصة سعيدة حقا ،أن نشاهد أول أعمال الفنان أحمد بدير للمسرح عام 2018 فى مسرحية فرصة سعيدة ،من بطولته مع الفنان فتوح أحمد و الفنان محمد الصاوى و أحمد الدمرداش و باقة من الفنانين الشبان، و فى الحقيقة فان مسرح الدولة هو طاقة الأمل و نافذة النور الوحيدة فى عودة الوعى للشارع المصرى، بل ربما نقول أن هناك ما هو أكثر من عودة الوعى، هو عودة الزمن الجميل الى الشارع المصرى مرة أخرى بعد سنوات عجاف، تم فيها تجريف كل ما هو جميل فى بلد عريق يمتلك 70 قرنا من الحضارة و الفنون و منها فن المسرح ورغم اندثار السينما المصرية و انقراضها بصورة مؤسفة ،الا أن المسرح بقى لأنه أكثر عراقة و تجذرا فى تاريخ الشعوب، فبينما لم يعرف العالم السينما الا منذ بداية القرن العشرين ،فان المسرح يمتد تاريخه الى ألاف السنين، حتى أن الفراعنة عرفوا المسرح الغنائى فى طقوسهم الدينية ،و قد عرف المصريون القدماء الغناء و الرقص الايقاعى، و هو ما صورته جدران المعابد التى ذخرت برسوم الراقصات، و الة الهارب الفرعونية القديمة بين يدى العازفات، لذا فقد بقى المسرح بينما اندثرت السينما ،لأنه متجذر فى ثقافة المصريين منذ القدم، لذا لم تستطع العشوائية افتراسه كما افترست السينما ،كما أن مسرح الدولة أيضا كان له أثر كبير فى ألا يلاقى المسرح مصير السينما المؤسف . لذلك فى مسرحية فرصة سعيدة يقدم لنا البيت الفنى للمسرح ،احدى اسهاماته القيمة فى اعادة فن المسرح الى ما كان عليه من الازدهار فى عصر الريحانى، و على الكسار، و اسماعيل ياسين، و تقدم لنا المسرحية فكرة فلسفية حول ماهية حياة الانسان، و مشواره و سيرته الذاتية كيف يبدأ و كيف ينتهى ، كيف يكون طموحه مشروعا و كيف يكون جامحا ، و عن جدوى النظرية المكيافلية حول مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ، بل ربما تتماس عقدة المسرحية مع الفكرة الشكسبيرية عن الصراع الذاتى الذى يستعر بداخل الانسان، و نستطيع أن نقول من رؤية أخرى أن المسرحية تجسد فكرة الضمير بصورة غير مباشرة . تبدأ المسرحية بذلك الرجل الوحيد ” مرتضى ”  و يقوم بدوره الفنان أحمد بدير ، و الذى يقضى عيد ميلاده يتخيل وجود أسرته و أصدقاؤه، فى ذلك اليوم و هم ملتفين حوله يشاركونه تلك المناسبة الخاصة جدا لكل انسان ، و يدور بينه و بينهم حوار و تفاعلات مثل التى تحدث فى تلك المناسبات، و فى غمرة سعادته و انهماكه فى الجمع المحيط به ، ينتبه اذ فجأة فيجد انه و حيد ،و لا يوجد أى شخص حوله، و أن كل هذا الاحتفال و تلك التهانى و الأمنيات السعيدة ليست الا حلما من أحلام اليقظة، نسجه خياله من جفاف الوحدة و مرارة الحرمان، و فى مشهد حزين يقرر أن يقضى عيد ميلاده مع  نفسه، و يقف أمام المرآة يتأمل الشخص الوحيد الذى أحبه ،و فجأة يجد أمامه انعكاسا حيا له يخرج من المرأة هو” نفسه” و يقوم بالدور الفنان أحمد الدمرداش ، و يدور الحوار بين عدم التصديق من جانب مرتضى، و التأكيد من نفسه عن طريق رواية أحداث لا يعرفها الا مرتضى فقط، و فى النهاية يقتنع مرتضى بالفكرة المستحيلة و هى تجسد ذاته أو فلنقل ضميره، الذى بدأ يفسر له لماذا انفضت عائلته و أصدقاؤه من حوله و تركوه وحيدا، و يذكره بما فعله معهم من غدر و خيانة لخدمة أغراضه و مصالحه الشخصية ، ثم يعرض عليه فرصة أخيرة لاصلاح حياته، بأن يعود معه فى الزمن الى حياته من بدايتها من الطفولة ليصلح أخطاؤه و يقوم سلوكه .   و تدور أحداث المسرحية بعد ذلك، و هى تتعرض لحياة مرتضى عندما كان طفلا، و كيف كان يستغل زملاؤه فى الفصل، ثم مرتضى الشاب فى الجامعة و كيف تخلص من صديق عمره ليتزوج من الفتاة التى كان ينافسه فى حبها ، ثم ينتقل الى مرتضى الرجل الناضج و كيف حاول افلاس صديقى طفولته و شبابه، و لكن الاختلاف هنا فى أن مرتضى كان يقوم باصلاح أخطاؤه فى اللحظة الأخيرة، و تنتهى المسرحية بنهاية سعيدة حيث تتجمع اسرته حوله فى الحقيقة ،و يتخلص من شبح الوحدة الذى كان يطارده .   رغم أن فكرة حساب النفس ليست بجديدة، الا أن الكتابة المسرحية لها جاءت نصا رشيقا بعيدا عن التكلف و رغم عمق الفكرة  الا أن الكاتب ”  صلاح عربى ” أستطاع أن يصيغها فى صورة بسيطة و لطيفة، ضاحكة أحيانا و عميقة أحيانا أخرى. و هو يعود الى الاسلوب الذى ميز مسرح الستينيات ،حيث اتجه المسرح الى الكوميديا الخفيفة، التى تحمل فى طياتها مضمونا انسانيا و فكرة نبيلة ،فى اتجاه مختلف عن المسرح التراجيدى الثقيل ،و الذى كان يقدم النصوص الشكسبيرية ،و أعمال موليير ، فيكتور هيجو ،و غيرهم من الكتاب الأجانب و الذين ازدهرت المسرحيات المقتبسة من أعمالهم، بواسطة فرقة جورج أبيض و عزيز عيد و عكاشة و رمسيس و غيرهم  ، حتى ظهر الريحانى و على الكسار فعرفت مصر المسرح الكوميدى بصورة قوية ،و كاتجاه راسخ مكن لنفسه بين جماهير المسرح، فى وقت كانت السينما فيه تخطو الى الأمام بسرعة و قوة ،و لكن رغم ذلك فانها لم تستطع سلب المسرح جمهوره ،الذى كان يفضل أن يقضى سهرة مسرحية يروح بها عن نفسه باداء كوميدى رشيق و لائق ،و هو الاتجاه الذى سلكته مسرحية فرصة سعيدة . و رغم بساطة الفكرة و سلاسة التناول، الا أن أداء الممثلين كان طبيعيا سهلا بعيدا عن التكلف و المبالغة ،التى كثيرا ما يتسم بهما الأداء المسرحى، خاصة الأداء المتميز للفنان خالد محروس الذى أدى ثلاث شخصيات مختلفة فى الرواية و هى مفتش التعليم ، رجل البوليس السياسى ، رجل الأعمال ،و فى الحقيقة فان المسرحية فى مجملها كانت تسير بلطف و سلاسة حتى نهايتها . تميزت المسرحية بكم هائل من كوميديا الموقف،  سبب حالة من الضحك الكثيف المتواصل من المشاهدين، أعادنا الى العصر الذهبى للمسرح الكوميدى، مع ابتعاد المسرحية عن كوميديا الفارص و الافيهات الساخنة، و فكرة الضحك لمجرد الضحك .و رغم خلوها من الاستعراضات و الابهار، و الذى كان يمكن أن يقحم على العمل كوسيلة للجذب الجماهيرى جاءت المسرحية خالية من الملل و التكرار، بل انها يمكن أن تشاهد أكثر من مرة ،و رغم بساطة الديكور، الا انه جاء مناسبا لجو المسرحية ،الذى شابه نوع من عدم التناسق البصرى فى الجزء الذى عاد بالأبطال الى فترة الطفولة، ففكرة أن ترى رجلا بالغا يؤدى دور طفل فى المرحلة الابتدائية ، تجعل هناك نوعا من عدم التقبل  البصرى للفكرة ،و لكن الضرورات تبيح المحظورات، فهكذا يقتضى النص أن يعود مرتضى الى فترة الطفولة، و فى المجمل جاءت المسرحية فرصة سعيدة حقا للضحك من القلب، و غسل الهموم، و التأمل فى فكرة حساب النفس .  
Leave A Reply

Your email address will not be published.

Verified by MonsterInsights